البلاغ رقم 628/1995، تاي هون بارك ضد جمهورية كوريا

اعتمدت الآراء في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998، الدورة الرابعة والستون*

مقدم من: تاي هون بارك [يمثله السيد يونغ – وان تشو من شركة دوكسو للمحاماة بسول]
الضحية: مقدم البلاغ
الدولة الطرف: جمهورية كوريا
تاريخ البلاغ: 11 آب/أغسطس 1994
تاريخ اتخاذ قرار بشأن المقبولية: 5 تموز/يوليه 1996

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،
وقد اجتمعت في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998،
وقد اختتمت نظرها في البلاغ رقم 628/1995 المقدم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان باسم تاي هون بارك بموجب البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات الخطية المتاحة لها من مقدم البلاغ ومحاميه والدولة الطرف،
تعتمد ما يلي:
آراء اللجنة بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري
1 - مقدم البلاغ هو السيد تاي - هون بارك، مواطن كوري، من مواليد 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1963. يدعي أنه ضحية انتهاك جمهورية كوريا للفقرة 1 من المادة 18وللفقرتين 1 و 2 من المادة 19 وللمادة 26 من العهد. ويمثله السيد يونغ - وان تشو من مكتب دوكسو للمحاماة في سول. وقد بدأ نفاذ العهد وبروتوكوله الاختياري في جمهورية كوريا في 10 تموز/يوليه 1990.

الوقائع كما أوردها مقدم البلاغ
2-1 في 22 كانون الأول/ديسمبر 1989، أدانت محكمة المقاطعة الجنائية بسول مقدم البلاغ لانتهاكه الفقرتين 1 و 3 من المادة 7 من قانون الأمن القومي لعام 1980 1 وحكمت عليه بالسجن لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ ومنعه من مزاولة مهنته لمدة سنة. فاستأنف مقدم البلاغ الحكم في محكمة سول العليا، لكنه في هذه الأثناء جند بالجيش الكوري بمقتضى قانون الخدمة العسكرية، وعندئذ أحالت محكمة سول العليا القضية إلى المحكمة العسكرية العليا. وبتاريخ 11 آيار/مايو 1993، رفضت المحكمة العسكرية العليا طلب استئناف من مقدم البلاغ. فما كان من مقدم البلاغ إلا أن استأنف الحكم لدى المحكمة العليا التي أيدت في 24 كانون الأول/ديسمبر 1993 حكم إدانة مقدم البلاغ. ويزعم أنه بذلك، يكون قد استنفد جميع سبل الإنصاف المتوافرة محليا. ويذكر في هذا السياق، أن المحكمة الدستورية أعلنت في 2 نيسان/أبريل 1999 دستورية الفقرتين 1 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي. ودفع مقدم البلاغ بأنه، على الرغم من عدم ذكر المحكمة الفقرة 3 من المادة 7، يُستنسب من قرارها أن الفقرة 3 دستورية هي الأخرى، نظرا لترابط هذه الفقرة ترابطا وثيقا مع الفقرتين 1 و 5 من تلك المادة.
2-2 والحكم يستند بإدانة مقدم البلاغ إلى عضويته في منظمة “الشباب الكوري المتحد” ومشاركته في أنشطتها، خلال دراسته بجامعة إلينوي في شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة من عام 1983 إلى عام 1989. وهذه المنظمة هي منظمة أمريكية مؤلفة من شبان كوريين هدفها مناقشة موضوعي السلم والوحدة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. وكانت هذه المنظمة شديدة الانتقاد للحكومة العسكرية التي كانت قائمة آنئذ في جمهورية كوريا ولدعم الولايات المتحدة لتلك الحكومة. ويؤكد مقدم البلاغ على أن جميع أنشطة المنظمة كانت سلمية وملتزمة بقوانين الولايات المتحدة.
2-3 ووجدت المحكمة أن هذه المنظمة كانت تبتغي ارتكاب الجريمتين المتمثلتين في مناصرة ودعم أنشطة حكومة كوريا الشمالية وهي بالتالي “منظمة مناصرة للعدو”. وعليه، فإن عضوية مقدم البلاغ في هذه المنظمة تُعتبر جريمة بموجب الفقرة 3 من المادة 7 من قانون الأمن القومي. وعلاوة على ذلك، فإن مشاركة مقدم البلاغ في تظاهرات جرت في الولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى إنهاء تدخل الولايات المتحدة تشكل مناصرة لكوريا الشمالية، الأمر الذي يشكل انتهاكا للفقرة 1 من المادة 7 من قانون الأمن القومي. ويشير مقدم البلاغ إلى أنه، استنادا إلى الحكم الصادر بحقه، يمكن تقديم أي عضو من أعضاء هذه المنظمة إلى المحاكمة بحجة انتمائه إلى “منظمة مناصرة للعدو”.
2-4 ويفهم من ترجمات أحكام المحكمة في قضية مقدم البلاغ، التي قدمها المحامي أن الإدانة والحكم استند إلى أن مقدم البلاغ، باشتراكه في تظاهرات سلمية محددة وتجمعات أخرى في الولايات المتحدة، قد أعرب عن تأييده وميله لشعارات ومواقف سياسية محددة.
2-5 وقد ذُكر أن إدانة مقدم البلاغ استندت إلى اعترافه بالإكراه. فقد ألقي القبض على مقدم البلاغ بنهاية آب/أغسطس 1989 بدون إذن بالقبض عليه واستجوبته وكالة تخطيط الأمن القومي طوال عشرين يوما وأبقي قيد الاحتجاز لمدة 30 يوما أخرى قبل صدور عريضة الاتهام. ويذكر مقدم البلاغ أنه، وإن كان لا يرغب في إثارة مسألة المحاكمة العادلة في بلاغه، تجدر الإشارة إلى أن المحاكم الكورية أظهرت سوء نية عند نظرها في قضيته.
2 -6 وأفاد المحامي أنه على الرغم من حصول الأنشطة التي أدين مقدم البلاغ بسببها قبل بدء نفاذ العهد في جمهورية كوريا، فقد نظرت المحكمة العسكرية العليا والمحكمة العليا في القضية بعد بدء نفاذه. لذا يعتقد أن العهد ينطبق على هذه الحالة وأنه كان ينبغي للمحكمتين مراعاة المواد ذات الصلة من العهد. وفي هذا الصدد يذكر مقدم البلاغ أنه أشار، في استئنافه لدى المحكمة العليا، إلى تعليقات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بعد نظرها في التقرير الأول الذي قدمته جمهورية كوريا بموجب المادة 40 من العهد (CCPR/C/79/Add.6)، والذي أعربت فيه اللجنة عن القلق إزاء استمرار العمل بموجب قانون الأمن القومي؛ ودفع بأنه ينبغي للمحكمة العليا تطبيق قانون الأمن القومي وتفسيره وفقا للتوصيات التي قدمتها اللجنة. إلا أن المحكمة العليا أعلنت في حكمها الصادر في 24 كانون الأول/ديسمبر 1993 أنه:
“على الرغم من أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشأة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أشارت إلى وجود مشاكل في قانون الأمن القومي حسبما ذكر، تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون لا يفقد صلاحيته لمجرد حصول ذلك … لذا، لا يمكن القول بأن معاقبة المتهم لانتهاكه هذا القانون يعد انتهاكا للقواعد الدولية لحقوق الإنسان أو أنه تطبيق متناقض لقانون مجحف” (الترجمة إلى الانكليزية لمقدم البلاغ)
الشكوى:
3-1 يشكو مقدم البلاغ من أنه أدين لآرائه التي تنتقد الحالة في كوريا الجنوبية والسياسة التي تنتهجها، وهي آراء تعتبر سلطات كوريا الجنوبية أن الغرض منها هو تأييد كوريا الشمالية لمجرد أن هذه الأخيرة تنتقد بدورها سياسات كوريا الجنوبية. ويواصل مقدم البلاغ قائلا إن هذه الافتراضات عبثية وتحول دون ممارسة أي شكل من أشكال حرية التعبير التي تنتقد سياسة الحكومة.
3-2 ويدعي مقدم البلاغ أن إدانته والحكم الصادر بحقه يشكلان انتهاكا للفقرة 1 من المادة 18، وللفقرتين 1 و 2 من المادة 19، وللمادة 26 من العهد. ويقول إنه بالرغم من إدانته لانضمامه إلى منظمة، إلا أن السبب الحقيقي لإدانته هو أن الآراء التي أعرب عنها هو وأعضاء المنظمة الآخرون انتقدت السياسة الرسمية لحكومة كوريا الجنوبية. ومضى يقول كذلك إنه بالرغم من كفالة الدستور لحرية إنشاء الجمعيات، إلا أن قانون الأمن القومي يقيد حرية إنشاء الجمعيات لأولئك الذين لديهم آراء مغايرة للسياسة الحكومية الرسمية. وهذا الأمر هو بمثابة تمييز، لانتهاكه المادة 26 من العهد. وبسبب التحفظ الذي أعربت عنه جمهورية كوريا، لم يحتج مقدم البلاغ بالمادة 22 من العهد.
3-3 ويطلب مقدم البلاغ إلى اللجنة أن تعلن أن جمهورية كوريا انتهكت حريته في التفكير والرأي والتعبير وحقه في المساواة في المعاملة أمام القانون لدى ممارسة حرية إنشاء الجمعيات. ويطلب كذلك إلى اللجنة الإيعاز إلى جمهورية كوريا بإلغاء الفقرات 1 و 3 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي وبتعليق تطبيق المواد الآنفة الذكر أثناء عرض أمر إلغائها على الجمعية الوطنية. كما يطلب إعادة محاكمته وإعلان براءته، ومنحه تعويضا لقاء ما قاساه من انتهاكات.
ملاحظات الدولة الطرف وتعليقات المحامي عليها:
4-1 في رسالتها المؤرخة 8 آب/أغسطس 1995، ذكرت الدولة الطرف أن وقائع الجريمة في قضية مقدم البلاغ تتضمن، في جملة ما تتضمن، تعاطفه مع الرأي القائل بأن الولايات المتحدة تسيطر على كوريا الجنوبية من خلال النظام الدكتاتوري العسكري في كوريا، إلى جانب تعاطفه مع آراء أخرى معادية للدولة.
4-2 وتعتبر الدولة الطرف أن البلاغ غير مقبول لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية. وفي هذا السياق، تشير الدولة الطرف إلى أن مقدم البلاغ ادعى بأنه ألقي القبض عليه بدون إذن بالقبض واحتجز تعسفا، وهما مسألتان كان بإمكانه السعي للحصول على سبل انتصاف بشأنهما من خلال إجراء الانتصاف العاجل أو من خلال الاستئناف لدى المحكمة الدستورية. وعلاوة على ذلك، تذكر الدولة الطرف أن بإمكان مقدم البلاغ أن يطلب إعادة المحاكمة إذا ما توافر لديه دليل واضح يثبت براءته أو إذا كان أولئك الذين قاموا بمحاكمته قد ارتكبوا جرائم وهم يعالجون القضية.
4-3 وتقول الدولة الطرف كذلك إن البلاغ غير مقبول لأنه يتناول أحداثا جرت قبل بدء نفاذ العهد والبروتوكول الاختياري.
4-4 وأخيرا، تشير الدولة الطرف إلى أن طرفا ثالثا قدم في 11 كانون الثاني/يناير 1992 طلبا إلى المحكمة الدستورية بشأن دستورية الفقرتين 1 و 3 من المادة 7 من قانون الأمن القومي. وتعكف المحكمة الدستورية حاليا على النظر في هذه المسألة.
5-1 وأشار محامي مقدم البلاغ في معرض تعليقاته على رسالة الدولة الطرف إلا أن هذه الأخيرة أساءت فهم مطالب مقدم البلاغ. وشدد على أن ما يمكن أن يكون قد لحق من انتهاكات لحقوق مقدم البلاغ خلال التحقيق والمحاكمة ليست هي موضع النظر في القضية الحالية. وفي هذا السياق، اعتبر المحامي أن مسألة إعادة المحاكمة، لا علاقة لها بمطالب مقدم البلاغ. فهو لا يطعن في الأدلة المقدمة ضده، بل كل ما يقوله هو أنه ما كان ينبغي إدانته أو معاقبته بسبب هذه الوقائع الدامغة لأن أنشطته كانت بالتأكيد ضمن حدود الممارسة السلمية لحريته في التفكير والرأي والتعبير.
5-2 أما فيما يتعلق بحجة الدولة الطرف بأن البلاغ غير مقبول من حيث الاختصاص الزماني، فيرد المحامي بأنه ولئن كانت الدعوى ضد مقدم البلاغ قد رفعت قبل بدء نفاذ العهد والبروتوكول الاختياري، فإن المحكمة العسكرية العليا والمحكمة العليا أقرتا الأحكام الصادرة بحقه بعد تاريخ بدء نفاذهما. لذا فإن العهد يعتبر منطبقا والبلاغ مقبولا.
5-3 أما فيما يتعلق بإفادة الدولة الطرف بأن المحكمة الدستورية تعكف حاليا على إعادة النظر في دستورية الفقرتين 1 و 3 من المادة 7 من قانون الأمن القومي، يشير المحامي إلى أنه سبق لهذه المحكمة أن حكمت في 2 نيسان/أبريل 1990 بأن مواد قانون الأمن القومي دستورية. وقد ردت المحكمة أيضا الطلبات المقدمة لاحقا والمتعلقة بالمسألة عينها. لذا فهو يرى أن إعادة النظر من جانب المحكمة الدستورية لن يغير من الأمر شيئا لأنه من الطبيعي توقع قيام المحكمة بتأكيد اجتهادها السابق.
قرار اللجنة بشأن المقبولية:
6-1 نظرت اللجنة في مقبولية البلاغ في دورتها السابعة والخمسين.
6-2 وأشارت اللجنة إلى حجة الدولة الطرف بأن البلاغ غير مقبول بسبب حصول الأحداث موضوع الشكوى قبل بدء نفاذ العهد وبروتوكوله الاختياري. ومع ذلك فقد أشارت اللجنة إلى أنه بالرغم من إدانة مقدم البلاغ من جانب محكمة ابتدائية في 22 كانون الأول/ديسمبر 1989، فإن هذا الأمر حصل قبل بدء نفاذ العهد وبروتوكوله الاختياري في كوريا، كما نظر في قضيتي استئنافه بعد تاريخ بدء نفاذ هذين الصكين. وفي ضوء هذه الظروف، اعتبرت اللجنة أن الانتهاكات المزعومة استمرت بعد بدء نفاذ المعاهدة وبروتوكولها الاختياري وعليه فإن سبب الاختصاص الزماني لا يحول دون نظر اللجنة في هذا البلاغ.
6-3 وأشارت اللجنة أيضا إلى الحجج التي أوردتها الدولة الطرف من أن مقدم البلاغ لم يستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة له. وأشارت اللجنة إلى أن بعض سبل الانتصاف التي اقترحتها الدولة الطرف تتصل بجوانب من محاكمة مقدم البلاغ لم يشملها بلاغه المقدم إلى اللجنة. وأشارت اللجنة كذلك إلى حجة الدولة الطرف بأن مسألة دستورية المادة 7 من قانون الأمن القومي لا تزال معروضة على المحكمة الدستورية. وأشارت اللجنة أيضا إلى أن مقدم البلاغ قال إن تقديم الطلب إلى المحكمة الدستورية أمر لا فائدة منه لأنه سبق للمحكمة أن حكمت، للمرة الأولى في 2 نيسان/أبريل 1990، وفي عدة مرات منذ ذلك الحين، بأن هذه المادة تتفق والدستور الكوري. ولم تر اللجنة، استنادا إلى المعلومات المعروضة عليها أنه ما زالت لدى مقدم البلاغ سبل انتصاف فعالة بالمعنى الذي تنص عليه الفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.
6-4 وتأكدت اللجنة، على نحو ما تقتضيه الفقرة 2 (أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها لا يجري النظر فيها في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق أو التسوية الدولية.
6-5 واعتبرت اللجنة أن الوقائع التي قدمها مقدم البلاغ يمكن أن تثير مسائل في إطار المواد 18 و 19 و 26 من العهد، تستوجب النظر فيها من حيث الجوانب الموضوعية.
7 - وبناء عليه، قررت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في 5 تموز/يوليه 1996 أن البلاغ مقبول.
ملاحظات الدولة الطرف بشأن الجوانب الموضوعية وتعليقات المحامي عليها:
8-1 أشارت الدولة الطرف في ملاحظاتها إلى أن مقدم البلاغ قد أدين لتعديه على القوانين الوطنية، وذلك بعد إجراء تحقيق مناسب ألقى الضوء على الوقائع التي لا خلاف عليها للقضية. وتفيد الدولة الطرف بأنها، رغم الحالة الأمنية غير المستقرة، بذلت قصاراها كي تكفل التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان الأساسية بما فيها حرية التعبير عن الفكر والرأي. غير أن الدولة الطرف أشارت إلى أن الضرورة الغالبة المتمثلة في الحفاظ على تركيبة نظامها الديمقراطي تتطلب اتخاذ إجراءات لحمايته.
8-2 ويتضمن الدستور الكوري حكما (الفقرة 2 من المادة 37) ينص على أنه “لا يجوز قانونا تقييد حريات المواطنين وحقوقهم إلا متى اقتضى ذلك الأمن القومي وصون القانون والنظام وتحقيقا للمصلحة العامة”. وعملا بالدستور، يتضمن قانون الأمن القومي بعض الأحكام التي يمكن أن تقيد جزئيا حريات الأفراد أو حقوقهم. وتفيد الدولة الطرف بأن ثمة توافقا في الآراء على أن قانون الأمن القومي لا غنى عنه لحماية البلد من شيوعيي كوريا الشمالية. وفي هذا الصدد، تشير الدولة الطرف إلى أحداث تتسم بالعنف. وترى الدولة الطرف أنه مما لا يرقى إليه الشك أن الأنشطة التي اضطلع بها مقدم البلاغ بصفته عضوا في منظمة “الشباب الكوري المتحد”، وهي منظمة مناصرة للعدو وتؤيد سياسات شيوعيي كوريا الشمالية، تشكل تهديدا للحفاظ على النظام الديمقراطي في جمهورية كوريا.
8-3 وفيما يتعلق بحجة مقدم البلاغ بأنه كان ينبغي للمحكمة تطبيق أحكام العهد على قضيته، ترد الدولة الطرف بأن “مقدم البلاغ قد أدين لا لأن المحكمة حالت عمدا دون تطبيق العهد بل لأنه كان من الضروري إعطاء أحكام قانون الأمن القومي أولوية على بعض حقوق الأفراد كما يجسدها العهد، وذلك نظرا للحالة الأمنية في كوريا”.
9-1 ويرد المحامي في معرض تعليقاته على رسالة الدولة الطرف بأنه لا علاقة بين وجود الدولة الطرف في حالة أمنية غير مستقرة وممارسة مقدم البلاغ السلمية لحقه في حرية التفكير والرأي والتعبير والاجتماع. ويضيف المحامي أن الدولة الطرف أخفقت في إثبات وجود أي علاقة بين شيوعيي كوريا الشمالية ومنظمة “الشباب الكوري المتحد” أو مقدم البلاغ، كما أنها لم تقدم أي توضيح سليم لسياسات شيوعيي كوريا الشمالية التي تؤيدها منظمة “الشباب الكوري المتحد” أو مقدم البلاغ. ويمضي المحامي قائلا إن الدولة الطرف لم تبين كذلك أي تهديد تشكله منظمة “الشباب الكوري المتحد” أو مقدم البلاغ على أمن البلد.
9-2 يدعى أن مقدم البلاغ انضم إلى “منظمة الشباب الكوري المتحد” عندما كان طالبا كله شوق لتحقيق الديمقراطية والتوحيد السلمي لبلاده. ولم تكن لديه قط وهو يضطلع بأنشطته، أي نيه في العمل لمصلحة كوريا الشمالية أو تعريض أمن بلده للخطر. ويفيد المحامي أن بالإمكان الرد على هذا النوع من الآراء التي يعبر عنها مقدم البلاغ، عن طريق المناقشة والمناظرة الكلامية، إلا أنه ما دام هذا التعبير يتخذ شكلا سلميا فلا ينبغي إطلاقا كبته بالمحاكمة الجنائية. وفي هذا السياق، يضيف المحامي أنه ليس للدولة أن تقوم بدور الحكم الالهي بين ما هو حق أو باطل، وخير أو شر.
9-3 ويدفع المحامي بأن مقدم البلاغ عوقب بسبب آرائه وأفكاره السياسية والتعبير عنها بالوسائل السلمية وهو يدعي أيضا أنه قد حرم من حقه في الحماية على قدم المساواة أمام القانون بموجب المادة 26 من العهد. وفي هذا الصدد، يفسر ذلك بأنه في حين أن لكل مواطن حقا مكفولا في التمتع بحرية الانضمام إلى الجمعيات بمقتضى المادة 21 من الدستور، فقد عوقب هو وتعرض بذلك للتمييز لانضمامه إلى منظمة “الشباب الكوري المتحد” التي يزعم أن لها آراء سياسية مغايرة لآراء حكومة جمهورية كوريا.
9-4 ويشير مقدم البلاغ إلى التقرير عن البعثة التي قام بها إلى جمهورية كوريا المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير( ). وطلب مقدم البلاغ إلى اللجنة أن توصي الحكومة بأن تنشر آراءها بشأن البلاغ وترجمتها إلى اللغة الكورية في الجريدة الرسمية.
المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة
10-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء كل ما أتاحته لها الأطراف من معلومات، على نحو ما تنص عليه الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.
10-2 وأحاطت اللجنة علما بأن مقدم البلاغ لم يحتج بالمادة 22 من العهد المتصلة بحرية تكوين الجمعيات، وأحد أسباب عدم الاحتجاج بهذا الحكم هو أن المحامي أشار إلى تحفظ أو إعلان من جانب جمهورية كوريا بأن تطبق المادة 22 بما يتمشى والقوانين الكورية بما فيها الدستور. ولما كان يمكن النظر في شكاوى مقدم البلاغ وحججه بموجب أحكام أخرى من العهد، فلا حاجة باللجنة إلى المبادرة باتخاذ موقف بشأن الأثر الذي يمكن أن يترتب على هذا التحفظ أو الإعلان. وعليه، فإن المسألة المعروضة على اللجنة هي ما إذا كانت إدانة مقدم البلاغ بمقتضى قانون الأمن القومي تشكــل انتهاكــا لحقوقه بموجب المواد 18 و 19 و 26 من العهد.
10-3 وتشير اللجنة إلى أن المادة 19 تكفل حرية الرأي والتعبير ولا تسمح بأي قيود إلا التي ينص عليها القانون والضرورية (أ) لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم؛ (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب. فالحق في حرية التعبير يحظى بأهمية كبرى في أي مجتمع ديمقراطي، وأي قيود تكبل ممارسة هــذا الحــق يجــب أن يكــون هنــاك ما يبررها تماما. وعلى الرغم من أن الدولة الطرف ذكرت أن هذه القيود لها ما يبررها وهو حفظ الأمن القومي وأنها ينص عليها القانون، وذلك بموجب المادة 7 من قانون الأمن القومي، فإنه ما زال يتوجب على اللجنة أن تحدد ما إذا كانت التدابير المتخذة ضد مقدم البلاغ ضرورية لتحقيق القصد المذكور. وتشير اللجنة إلى أن الدولة الطرف استندت إلى الأمن القومي بالإشارة إلى الحالة في البلد عموما وإلى التهديد الذي يشكله “شيوعيو كوريا الشمالية”. وترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تذكر تحديدا طبيعة التهديد الذي تدعي أن مقدم البلاغ يشكله بممارسة حق التعبير وتخلص إلى أن أيا من الحجج التي دفعت بها الدولة الطرف لا يكفي لجعل القيد المفروض على ممارسة مقدم البلاغ حقه في حرية التعبير يتمشى والفقرة 3 من المادة 19. وقد قامت اللجنة بدراسة متأنية للأحكام القضائية التي أدين بها مقدم البلاغ وخلصت إلى أنه لا هذه الأحكام ولا الرسائل التي قدمتها الدولة الطرف تفيد بأن إدانة مقدم البلاغ كانت ضرورية لحماية أي من المقاصد المشروعة الواردة في المادة 19 (3). لذا، يجب اعتبار إدانة مقدم البلاغ لأعمال التعبير انتهاكا لحق مقدم البلاغ بموجب المادة 19 من العهد.
10-4 وفي هذا السياق، تختلف اللجنة مع ما مذكرته الدولة الطرف في إفادتها بأن “مقدم البلاغ قد أدين لا لأن المحكمة حالت عمدا دون تطبيق العهد بل لأنه كان من الضروري إعطاء أحكام قانون الأمن القومي أولوية على بعض حقوق الأفراد كما يجسدها العهد، وذلك نظرا للحالة الأمنية في كوريا”. وتشير اللجنة إلى أن الدولة الطرف، بدخولها طرفا في العهد، تعهدت عملا بالمادة 2 أن تحترم وتكفل جميع الحقوق المعترف بها فيه. وتعهدت أيضا أن تعتمد ما يلزم من تشريعات وغيرها من تدابير إنفاذا لهذه الحقوق. وترى اللجنة أن إعطاء الدولة الطرف تطبيق قانونها الوطني أولوية على التزاماتها بموجب العهد، أمر لا يتمشى والعهد. وفي هذا السياق، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تصدر الإعلان الذي تقتضيه المادة 4 (3) من العهد بوجود حالة طوارئ عامة وبأنها أحلت نفسها من حقوق معينة من العهد على هذا الأساس.
10-5 وفي ضوء النتائج التي جرى التوصل اليها أعلاه، لا حاجة باللجنة إلى النظر في مسألة ما إذا كانت إدانة مقدم البلاغ تشكل انتهاكا للمادتين 18 و 26 من العهد.
11 - واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك للمادة 19 من العهد.
12 - والدولة الطرف ملزمة، بموجب الفقرة 3 (أ) من المادة 2 من العهد، أن توفر للسيد تاي – هون بارك وسيلة انتصاف فعالة بما في ذلك تعويض مناسب عن إدانته بسبب ممارسة حقه في حرية التعبير. والدولة الطرف ملزمة بأن تكفل عدم حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.
13 - وإذ تأخذ اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف، بدخولها طرفا في البروتوكول الاختياري اعترفت باختصاص اللجنة في تقريرها إذا كان قد حصل أو لم يحصل انتهاكا للعهد، وتعهدت، عملا بالمادة 2 من العهد، أن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها الحقوق التي يعترف بها العهد وأن توفر لهم سبيل انتصاف فعال وقابل للتنفيذ في حال ثبوت أي انتهاك، فإنها تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون تسعين يوما، معلومات عن التدابير المتخذة إنفاذا لآراء اللجنة. ويطلب من الدولة الطرف ترجمة آراء اللجنة ونشرها ولا سيما بإحاطة القضاء علما بآراء اللجنة.
[اعتمدت الآراء باللغات الأسبانية والانكليزية والفرنسية، على أن يكون النص الانكليزي هو النص الأصلي. وصدرت أيضا فيما بعد باللغات الروسية والصينية والعربية كجزء من هذا التقرير.]

_________________________
- وثيقة الأمم المتحدة A/54/40 المجلد الثاني، القسم كاف.
* شارك في النظر في البلاغ أعضاء اللجنة التالية اسماؤهم: السيد برافوللاتشاندرا ن. باغواتي، السيد توماس بويرغنتال، اللورد كولفيل، السيد عمران الشافعي، السيدة اليزابيث إيفات، السيدة بيلارغيطان دي بومبو، السيد إيكارت كلاين، السيد ديفيد كريتزمر، السيد راجسومر لاللاه، السيدة سيسيليا ميدينا كيروغا، السيد خوليو برادو فاليخو، السيد مارتين شاينين، السيد ماكسويل يالدين والسيد عبد الله زاخية.
1- عُدل قانون الأمن القومي في 31 آيار/مايو 1991. إلا أن القانون الذي ينطبق على مقدم البلاغ هو قانون 1980 الذي تنص المادة 7 منه (الترجمة إلى الانكليزية هي لمقدم البلاغ) على ما يلي:
“(1) يعاقَب بالسجن لفترة لا تتجاوز سبع سنوات كل شخص أفاد منظمة معادية للدولة عن طريق مدح أنشطة تلك المنظمة المعادية للدولة أو تشجيعهم أو مناصرتهم بوسائل أخرى أو عن طريق أعضاءها أو أي شخص يتلقى تعليمات منها.

“(3) يعاقَب بالسجن لمدة تتجاوز السنة الواحدة كل شخص شكل أو انضم إلى منظمة تهدف إلى ارتكاب الأعمال المشار إليها في الفقرة 1 من هذه المادة.

“(5) يعاقَب بنفس العقوبة على نحو ما تنص عليه كل فقرة، كل شخص قام، لغرض ارتكاب الأعمال المنصوص عليها في الفقرات من 1 إلى 4 من هذه المادة، بإنتاج أو استيراد أو نسخ أو امتلاك أو نقل أو نشر أو بيع أو حيازة وثائق أو رسومات أو غيرها من وسائل التعبير المماثلة.”

العودة للصفحة الرئيسية