المحكمة
الدستورية
العليا
المصرية الدعوى رقم
25 لسنة 16 قضائية المحكمة
الدستورية
العليا
"دستورية" مبادئ
الحكم شرط
المصلحة
الشخصية
المباشرة في
الدعوى الدستورية أن شرط
المصلحة
الشخصية المباشرة،
يتغيا أن
تفصل المحكمة
الدستورية
العليا في
الخصومة
الدستورية من
جوانبها
العملية، وليس
من معطياتها
النظرية، أو
تصوراتها
المجردة. وهو
كذلك يقيد
تدخلها في تلك
الخصومة
القضائية، ويرسم
تخوم ولايتها،
فلا تمتد لغير
المطاعن التي
يؤثر الحكم
بصحتها أو
بطلانها على
النزاع الموضوعي،
وبالقدر
اللازم للفصل
فيها. ومؤداه
ألا تقبل
الخصومة
الدستورية من
غير الأشخاص الذين
يمسهم الضرر
من جراء سريان
النص المطعون
فيه عليهم، سواء
أكان هذا
الضرر قد وقع
فعلاً أم كان
وشيكاً
يتهددهم. ويتعين
دوماً أن يكون
هذا الضرر
منفصلاً عن مجرد
مخالفة النص
المطعون عليه
للدستور، مستقلا
بالعناصر التي
يقوم عليها، ممكنا
تحديده
ومواجهته
بالترضية
القضائية لتسويته،
عائداً في
مصدره إلى
النص المطعون
عليه. فإذا
لم يكن هذا
النص قد طبق
أصلاً على من
ادعى مخالفته
للدستور، أو
كان من غير
المخاطبين
بأحكامه، أو
كان قد أفاد
من مزاياه، أو
كان الإخلال
بالحقوق التي
يدعيها لا يعود
إليه، دل ذلك
على انتفاء
المصلحة
الشخصية
المباشرة. ذلك
أن إبطال النص
التشريعي في
هذه الصور جميعها،
لن يحقق للمدعي
أية فائدة
عملية يمكن أن
يتغير بها
مركزه القانوني
بعد الفصل في
الدعوى
الدستورية، عما
كان عليه
قبلها. ولا يتصور
بالتالي أن
تكون الدعوى
الدستورية
أداة يعبر المتداعون
من خلالها عن
آرائهم في
الشئون التي
تعنيهم بوجه
عام، أو أن
تكون نافذة
يعرضون منها
ألوانا من
الصراع بعيداً
عن مصالحهم
الشخصية
المباشرة، أو
شكلاً للحوار
حول حقائق
علمية يطرحونها
لإثباتها أو
نفيها، أو
طريقاً
للدفاع عن
مصالح بذواتها
لا شأن للنص
المطعون عليه
بها. بل تباشر
المحكمة الدستورية
العليا
ولايتها - التي
كثيراً ما
تؤثر في حياة
الأفراد
وحرماتهم
وحرياتهم
وأموالهم - بما
يكفل
فعاليتها. وشرط
ذلك إعمالها
عن بصر وبصيرة،
فلا تقبل
عليها
اندفاعا، ولا تعرض
عنها تراخيا.
ولا تقتحم
بممارستها
حدوداً تقع في
دائرة عمل
السلطتين التشريعية
والتنفيذية. بل يتعين
أن تكون
رقابتها
ملاذاً
أخيراً ونهائيا،
وأن تدور
وجوداً
وعدماً مع تلك
الأضرار التي
تستقل
بعناصرها، ويكون
ممكناً إدراكها،
لتكون لها
ذاتيتها. ومن
ثم يخرج من
نطاقها ما يكون
من الضرر
متوهما أو
منتحلاً أو
مجرداً أو
يقوم على
الافتراض أو
التخمين.
ولازم ذلك، أن
يقوم الدليل
جليا على
اتصال
الأضرار المدعى
وقوعها بالنص
المطعون عليه،
وأن يسعى
المضرور
لدفعها عنه، لا
ليؤمن بدعواه
الدستورية -
وكأصل عام - حقوق
الآخرين
ومصالحهم، بل
ليكفل إنفاذ
تلك الحقوق التي
تعود فائدة
صونها عليه.
والتزاما
بهذا الإطار، جرى
قضاء المحكمة
الدستورية
العليا على أن
المصلحة
الشخصية
المباشرة شرط
لقبول الدعوى
الدستورية، وأن
مناطها
أن يكون ثمة
ارتباط بينها
وبين المصلحة
القائمة في
الدعوى
الموضوعية، وذلك
بأن يكون
الحكم في
المطاعن
الدستورية
لازما للفصل في
النزاع الموضوعي. المطاعن
الشكلية إن قضاء
المحكمة
الدستورية
العليا قد جرى
على أن
المطاعن
الشكلية
الموجهة إلى
النصوص القانونية،
هي تلك التي
تقوم في
مبناها على
مخالفة هذه
النصوص
للأوضاع الإجرائية
التي تطلبها
الدستور، سواء
في ذلك ما كان
منها متصلاً
باقتراحها أو إ
قرارها أو
إصدارها حال
انعقاد
السلطة التشريعية،
أو ما كان
منها متعلقاً بالشروط
التي يفرضها
الدستور
لمباشرة رئيس
الجمهورية الاختصاص
بإصدارها في
غيبة السلطة
التشريعية، أو
بتفويض منها. سلطة
التشريع في
حالة الضرورة حيث إن سن
القوانين هو
مما تختص به
السلطة التشريعية
تباشره
وفقا للدستور في
إطار وظيفتها
الأصيلة. ولئن
كان الأصل هو
أن تتولى
السلطة
التشريعية
بنفسها
مباشرة هذه الوظيفة
التي أقامها
الدستور
عليها، إلا أن
الدساتير
المصرية
جميعها كان
عليها أن
توازن ما
يقتضيه الفصل
بين السلطتين
التشريعية
والتنفيذية
من تولي كل
منهما
لوظائفها في
المجال
المحدد لها
أصلا، بضرورة
صون كيان
الدولة
وإقرار
النظام في
ربوعها إزاء
ما قد تواجهه - فيما
بين أدوار
انعقاد
السلطة
التشريعية أو
حال غيابها - من
مخاطر تلوح
نذرها أو تشخص
الأضرار التي
تواكبها. يستوي
في ذلك أن
تكون هذه
المخاطر من
طبيعة مادية، أو
أن يكون
قيامها
مستندا إلى
ضرورة تدخل
الدولة
بتنظيم تشريعي
يكون لازما
لمواجهة
التزاماتها
الدولية. ولقد
كان النهج الذي
التزمته
هذه الدساتير
على اختلافها وعلى
ضوء موجبات
هذه الموازنة
- هو تخويلها
السلطة
التنفيذية
الاختصاص باتخاذ
التدابير
العاجلة
اللازمة
لمواجهة أوضاع
استثنائية
سواء بالنظر
إلى طبيعتها
أو مداها. وتلك
هي حالة
الضرورة التي
اعتبر
الدستور
قيامها من
الشرائط التي
تطلبها
لمزاولة هذا
الاختصاص الاستثنائي.
ذلك أن
الاختصاص
المخول
للسلطة
التنفيذية في
هذا النطاق، لا
يعدو أن يكون
استثناء من
أصل قيام
السلطة التشريعية
على مهمتها
الأصيلة في
المجال التشريعي.
إذ كان ذلك، وكانت
التدابير
العاجلة التي
تتخذها
السلطة
التنفيذية لمواجهة
حالة الضرورة،
نابعة من
متطلباتها، فإن
انفكاكها
عنها يوقعها في
حومة
المخالفة
الدستورية -
ذلك أن توافر
حالة الضرورة -
بضوابطها
الموضوعية التي
لا تستقل
السلطة
التنفيذية
بتقديرها - هي
علة اختصاصها
بمجابهة
الأوضاع
الطارئة والضاغطة
بتلك
التدابير
العاجلة، بل هي
مناط
مباشرتها
لهذا
الاختصاص، وإليها
تمتد الرقابة
الدستورية التي
تباشرها
المحكمة
الدستورية
العليا
للتحقق من
قيامها في
الحدود التي
رسمها
الدستور، ولضمان
ألا تتحول هذه
الرخصة
التشريعية -
وهي من طبيعة
استثنائية - إلى
سلطة تشريعية
كاملة ومطلقة
لا قيد عليها،
ولا عاصم من
جموحها
وانحرافها. الرقابة
على دستورية
القوانين شكلا
وموضوعا إن قضاء
المحكمة
الدستورية
العليا قد
استقر كذلك
على أن
رقابتها على
دستورية
النصوص القانونية
المطعون
عليها، غايتها
أن تردها
جميعا إلى
أحكام
الدستور تغليبا
لها على ما
دونها، وتوكيدا
لسموها، لتظل
لها الكلمة
العليا على ما
عداها. وسبيلها
إلى ذلك أن
تفصل في
الطعون
الموجهة إلى
تلك النصوص، ما
كان منها
شكليا أو
موضوعيا. وحيث إن من
المقرر كذلك
أن استيفاء
النصوص
القانونية
المطعون
عليها
لأوضاعها
الشكلية، يعتبر
أمراً سابقا
بالضرورة على
الخوض في
عيوبها
الموضوعية. ذلك أن
الأوضاع
الشكلية
للنصوص
القانونية من
مقوماتها، لا تقوم
إلا بها، ولا
يكتمل
بنيانها أصلا في
غيبتها، لتفقد
بتخلفها
وجودها
كقواعد
قانونية تتوافر
لها خاصية
الإلزام. ولا
كذلك عيوبها
الموضوعية إذ
يفترض بحثها - ومناطها
مخالفة
النصوص
القانونية
المطعون
عليها لقاعدة في
الدستور من
زاوية
محتواها أو
مضمونها - أن
تكون هذه
النصوص مستوفية
لأوضاعها
الشكلية. ذلك
أن المطاعن
الشكلية -
وبالنظر إلى
طبيعتها - لا
يتصور أن يكون
تحريها وقوفا
على حقيقتها، تاليا
للنظر في
المطاعن
الموضوعية، ولكنها
تتقدمها.
ويتعين على
المحكمة
الدستورية
العليا أن
تتقصاها
بلوغا لغاية
الأمر فيها، ولو
كان نطاق
الطعن
المعروض
عليها منحصرا في
المطاعن
الموضوعية
دون سواها، منصرفا
إليها وحدها. ولا
يحول قضاء
المحكمة
الدستورية
العليا برفض
المطاعن
الشكلية، دون
إثارة مناع موضوعية
يُدَّعى
قيامها بهذه النصوص
ذاتها، وذلك
خلافا للطعون
الموضوعية. ذلك أن الفصل
في التعارض المدعى
به بين نص قانوني
ومضمون قاعدة في
الدستور، إنما
يعد قضاءً
ضمنيا
باستيفاء
النص المطعون
فيه للأوضاع
الشكلية التي
تطلبها
الدستور فيه، ومانعا
من العودة
لبحثها. المقاييس
الصارمة
للنصوص
الجنائية إن تحديد
الطبيعة
القانونية
للنص المطعون
فيه، وما إذا
كان واقعا في
نطاق
المسئولية
المدنية، أم
مستنهضا صورة
من صور
المسئولية
الجنائية، يعد
أمرا لازما
للفصل في دستوريته
على ضوء
المطاعن
الموجهة إليه.
ذلك أن
دستورية
النصوص
الجنائية تحكمها
مقاييس صارمة
تتعلق بها
وحدها، ومعايير
حادة تلتئم مع
طبيعتها ولا
تزاحمها في
تطبيقها ما
سواها من
القواعد
القانونية.
فقد أعلى
الدستور قدر
الحرية
الشخصية، فاعتبرها
من الحقوق
الطبيعية
الكامنة في
النفس
البشرية، الغائرة
في أعماقها، والتي
لا يمكن فصلها
عنها، ومنحها بذلك
الرعاية
الأوفى والأشمل
توكيدا
لقيمتها، وبما
لا إخلال فيه
بالحق في
تنظيمها، وبمراعاة
أن القوانين
الجنائية قد
تفرض على هذه
الحرية -
بطريق مباشر
أو غير مباشر - أخطر
القيود
وأبلغها أثرا.
وكان لازما بالتالي
ألا يكون النص
العقابي
محملا بأكثر
من معنى، مرهقا
بأغلال تعدد تأويلاته،
مرنا متراميا
على ضوء
الصيغة التي
أفرغ فيها، متغولا - من
خلال انفلات
عباراته - حقوقا
أرساها
الدستور، مقتحما
ضماناتها، عاصفا
بها، حائلا
دون تنفسها
بغير عائق.
ويتعين بالتالي
أن يكون إنفاذ
القيود التي
تفرضها
القوانين
الجنائية على
الحرية الشخصية،
رهنا بمشروعيتها
الدستورية. ويندرج تحت
ذلك، أن تكون
محددة بصورة
يقينية لا
التباس فيها. ذلك أن هذه
القوانين
تدعو
المخاطبين
بها إلى الامتثال
لها كي يدفعوا
عن حقهم في
الحياة، وكذلك
عن حرياتهم، تلك
المخاطر التي تعكسها
العقوبة. ومن
ثم كان أمرا مقضيا،
أن تصاغ
النصوص
العقابية بما
يحول دون
انسيابها أو
تباين الآراء
حول مقاصدها، أو
تقرير
المسئولية
الجنائية في
غير مجالاتها عدوانا
على الحرية
الشخصية التي
كفلها
الدستور. القصد
الجنائي عهد
الدستور إلى
السلطة القضائية
بالفصل في
المنازعات
والخصومات على
النحو المبين
في الدستور، فنص
في المادة 165 على
أن "السلطة
القضائية
مستقلة، وتتولاها
المحاكم على اختلاف
أنواعها
ودرجاتها،
وتصدر
أحكامها وفق
القانون". وحيث
إن الدستور -
في اتجاهه إلى
ترسم النظم
المعاصرة، ومتابعة
خطاها، والتقيد
بمناهجها
التقدمية - نص
في المادة 66 منه،
على أنه لا
جريمة ولا
عقوبة إلا
بناء على قانون،
ولا عقاب إلا على
الأفعال
اللاحقة
لصدور
القانون الذي
ينص عليها، وكان
الدستور قد دل
بهذه المادة على
أن لكل جريمة
ركنا ماديا لا
قوام لها بغير،
يتمثل أساسا في
فعل أو امتناع
وقع
بالمخالفة
لنص عقابي، مفصحا
بذلك عن أن ما
يركن إليه
القانون
الجنائي
ابتداء - في زواجره
ونواهيه - هو
مادية الفعل
المؤاخذ على ارتكابه،
إيجابيا كان
هذا الفعل أم
سلبيا، ذلك أن
العلائق التي
ينظمها هذا
القانون في مجال
تطبيقه على المخاطبين
بأحكامه، محورها
الأفعال
ذاتها، في
علاماتها
الخارجية، ومظاهرها
الواقعية، وخصائصها
المادية، إذ
هي مناط
التأثيم
وعلته، وهي
التي يتصور
إثباتها
ونفيها، وهي التي
يتم التمييز على
ضوئها بين
الجرائم
بعضها البعض،
وهي التي
تديرها محكمة
الموضوع على حكم
العقل
لتقييمها، وتقدير
العقوبة
المناسبة لها.
بل إنه في
مجال تقدير
توافر القصد
الجنائي، فإن محكمة
الموضوع لا
تعزل نفسها عن
الواقعة محل الاتهام
التي قام
الدليل عليها
قاطعا واضحا، ولكنها
تجيل بصرها
فيها، منقبة
من خلال
عناصرها عما
قصد إليه
الجاني حقيقة
من وراء
ارتكابها. ومن
ثم تعكس هذه
العناصر
تعبيرا
خارجيا وماديا
عن إرادة
واعية. ولا
يتصور
بالتالي وفقا
لأحكام
الدستور أن
توجد جريمة في
غيبة ركنها المادي،
ولا إقامة
الدليل على توافر
علاقة
السببية بين
مادية الفعل
المؤثم، والنتائج
التي أحدثها
بعيدا عن
حقيقة هذا الفعل
ومحتواه. ولازم
ذلك أن كل
مظاهر
التعبير عن
الإرادة
البشرية -
وليس النوايا
التي يضمرها
الإنسان في
أعماق ذاته - تعتبر
واقعة في
منطقة
التجريم كلما
كانت تعكس
سلوكا خارجيا
مؤاخذا عليه
قانونا. فإذا
كان الأمر غير
متعلق بأفعال
أحدثتها
إرادة مرتكبها،
وتم التعبير
عنها خارجيا
في صورة مادية
لا تخطئها
العين، فليس
ثمة جريمة. وحيث إن من
المقرر أن
الأصل في
الجرائم، أنها
تعكس تكوينا
مركبا
باعتبار أن
قوامها تزامنا
بين يد اتصل
الإثم بعملها،
وعقل واع
خالطها
ليهيمن عليها
محددا خطاها، متوجها
إلى النتيجة المترتبة
على نشاطها، ليكون
القصد الجنائي
ركنا معنويا في
الجريمة مُكملاً
لركنها المادي،
ومتلائما مع
الشخصية
الفردية في
ملامحها
وتوجهاتها. وهذه
الإرادة
الواعية هي التي
تتطلبها
الأمم
المتحضرة في
مناهجها في
مجال التجريم
بوصفها ركنا في
الجريمة، وأصلا
ثابتا كامنا في
طبيعتها، وليس
أمراً فجاً أو
دخيلاً مقحماً
عليها أو غريباً
عن خصائصها.
ذلك أن حرية
الإرادة تعني حرية
الاختيار بين
الخير والشر.
ولكلٍ وجهة هو
مُوَلِّيها، لتنحل
الجريمة - في
معناها الحق - إلى
علاقة ما بين العقوبة
التي تفرضها
الدولة
بتشريعاتها، والإرادة
التي تعتمل
فيها تلك
النزعة
الإجرامية التي
يتعين أن يكون
تقويمها ورد
آثارها، بديلا
عن الانتقام
والثأر المحض
من صاحبها. وغدا
أمرا ثابتا -
وكأصل عام - ألا
يجرم الفعل ما
لم يكن إراديا
قائما على الاختيار
الحر، ومن ثم
مقصودا. ولئن
جاز القول بأن
تحديد مضمون
تلك الإرادة وقوفا
على ماهيتها، لازال
أمرا عسراً، إلا
أن معناها - وبوصفها
ركنا معنويا في
الجريمة - يدور
بوجه عام حول
النوايا
الإجرامية أو
الجانحة أو
النوازع
الشريرة
المدبرة أو
تلك التي يكون
الخداع
قوامها أو التي
تتمحض عن
علم بالتأثيم،
مقترناً بقصد اقتحام
حدوده، لتدل
جميعها على إرادة
إتيان فعل
بغياً. وحيث إنه
لا ينال مما
تقدم، أن هذا
الأصل - وإن ظل
محورا
للتجريم - إلا
أن المشرع عمد
أحيانًا - من
خلال بعض
اللوائح، إلى
تقرير جرائم
عن أفعال لا
يتصل بها قصد جنائي،
باعتبار أن الإثم
ليس كامنا
فيها ولا تدل
بذاتها على ميل
إلى الشر
والعدوان، ولا
يختل بها قدر
مرتكبها أو
اعتباره، وإنما
ضبطها المشرع
تحديدا
لمجراها، وحداً
من مخاطرها وأخرجها
بذلك عن
مشروعيتها - وهي
الأصل - وجعل
عقوباتها
متوازنة مع
طبيعتها، فلا
يكون أمرها
غلوا من خلال
تغليظها، بل
هينا في
الأعم. وقد
بدا هذا الاتجاه
متصاعدا إثر
الثورة
الصناعية التي
تزايد معها
عدد العمال
المعرضين
لمخاطر
أدواتها وآلاتها
ومصادر
الطاقة التي
تحركها، واقترن
ذلك بتعدد
وسائط النقل
وتباين قوتها،
وبتكدس المدن
وازدحام أحيائها،
وبغلبة نواحي
الإخلال
بالصحة
العامة وبوجه
خاص من خلال
الاتصال
بالمواد
الغذائية
سواء عند إنتاجها
أو توزيعها وتداولها
أو بمراعاة
نوعيتها. وكان
لازما
بالتالي -
ولمواجهة تلك
المخاطر - أن
يفرض المشرع
على
المسئولين عن
إدارة الصناعة
أو التجارة
وغيرهم، قيودا
كثيرة غايتها
أن ينتهج
المخاطبون
بها سلوكا
قويما موحدا، ببذل
العناية التي
يتوقعها
المشرع من
أوساطهم، ليكون
النكول
عنها - وبغض
النظر عن
نواياهم دالا على
تراخي يقظتهم،
ومستوجبا
عقابهم. غير
أن تقرير هذا
النوع من
الجرائم في
ذلك المجال، ظل
مرتبطا
بطبيعتها
ونوعيتها، ومنحصرا
في الحدود
الضيقة التي تقوم
فيها علاقة
مسئولية بين
من يرتكبها، وخطر
عام، لتكون أوثق
اتصالا برخاء
المواطنين
وصحتهم
وسلامتهم في
مجموعهم وبإهمال
من قارفه
النوع
الرعاية التي تطلبها
المشرع منه
عند مباشرته
لنشاط معين، أو
بإعراضه عن
القيام بعمل
ألقاه عليه
باعتباره
واجبا، وبمراعاة
أن ما توخاه
المشرع من
إنشائها هو
الحد من مخاطر
بذواتها بتقليل
فرص وقوعها، وإنماء
القدرة على السيطرة
عليها والتحوط
لدرئها. ولا
يجوز بالتالي
أن يكون إيقاع
العقوبة
المقررة لها، معلقاً
على النوايا
المقصودة من
الفعل، ولا
على تبصر
النتيجة
الضارة التي
أحدثها، ذلك
أن الخوض في
هذين الأمرين
يعطل أغراض
التجريم، ولأن
المتهم - ولو
لم يكن قد
أراد الفعل - كان
باستطاعته أن
يتوقاه لو بذل
جهدا معقولا
لا يزيد وفقا
للمقاييس
الموضوعية
عما يكون متوقعا
من الشخص
المعتاد. وغدا
منطقيا بالتالي،
أن يتحمل
الأضرار التي
أنتجها، وأن
يكون مسئولا
عنها، حتى ما
وقع منها بصفة
عرضية أو مجاوزا
تقديره. ولازم
ما تقدم أن
هذا النوع من
الجرائم - وتلك
هي خصائصها - يعد
استثناء من
الأصل في
جرائم
القانون العام
التي لا تكتمل
مقوماتها إلا
باعتبار أن
القصد الجنائي
ركن فيها "ولو
كان المشرع قد
أغفل إيجابه" ذلك
أن هذه
الجرائم لها
من الخصائص
"ما يُشين
مرتكبها"
ويتعين أن
يكون قوامها
"تدخلا إيجابيا
مقترناً
بالإرادة
الواعية التي
تعطي العمل
دلالته
الإجرامية" وبها يكون
العدوان في
الأعم واقعا
على حقوق
الأفراد أو
حرياتهم أو
ممتلكاتهم أو
حيائهم أو آدابهم.
حرية
الصحافة إن تحديد
الأفعال التي
كان ينبغي أن
تقوم عليها
الجرائم محل
الاتهام الجنائي،
ضرورة
يقتضيها
اتصال هذه
الجرائم
بمباشرة الصحافة
للمهام التي ناطها
الدستور بها.
وتوجبها
مباشرة
المحكمة
الدستورية
العليا لرقابتها
القضائية التي
تفصل على
ضوئها فيما
إذا كان الفعل
المؤثم قانونا
في نطاق جريمة
النشر، ينال
من الدائرة التي
لا تتنفس حرية
التعبير عن
الآراء إلا من
خلالها، أم
يعتبر مجرد
تنظيم لتداول
هذه الآراء
بما يحول دون
إضرارها بمصلحة
حيوية لها
اعتبارها. ذلك
أن الدستور
كفل للصحافة
حريتها بما
يحول - كأصل
عام - دون
التدخل في
شئونها، أو
إرهاقها
بقيود تؤثر في
رسالتها، أو
إضعافها من
خلال تقليص
دورها في بناء
مجتمعاتها
وتطويرها، متوخيا
دوما أن يؤمن
بها أفضل
الفرص التي
تكفل تدفق
الآراء
والأنباء
والأفكار
ونقلها إلى
القطاع الأعرض
من المواطنين،
ليكون النفاذ
إليها حقا لا يجوز
أن يعاق، وباعتبار
أن الدستور
وإن أجاز فرض
رقابة محدودة
عليها، فذلك في
الأحوال
الاستثنائية،
ولمواجهة تلك
المخاطر
الداهمة التي
حددتها
المادة 48 من
الدستور. الحق في
المحاكمة
المنصفة إن اختصاص
السلطة
التشريعية
بإقرار
القواعد
القانونية
ابتداء، وكذلك
تفويضها
السلطة
التنفيذية في
إصدارها في
الحدود التي
بينها
الدستور، لا يخول
إحداهما
التدخل في أعمال
أسندها
الدستور إلى
السلطة
القضائية وقصرها
عليها، وإلا
كان ذلك افتئاتا
على ولايتها، وإخلالا
ًبمبدأ الفصل
بين السلطات. وحيث إن
الدستور كفل
في مادته
السابعة
والستين الحق
في المحاكمة
المنصفة بما
تنص عليه من
أن المتهم
بريء حتى تثبت
إدانته في
محاكمة
قانونية تكفل
له فيها
ضمانات
الدفاع عن
نفسه. وهو حق
نص عليه
الإعلان
العالمي
لحقوق الإنسان
في مادتيه
العاشرة
والحادية
عشرة التي تقرر
أولاهما أن
لكل شخص حقا
مكتملا، ومتكافئا
مع غيره، في
محاكمة علنية
ومنصفة، تقوم
عليها محكمة
مستقلة
محايدة، تتولي
الفصل في
حقوقه
والتزاماته
المدنية، أو
في التهمة
الجنائية
الموجهة إليه.
وتردد ثانيتهما
في فقرتها
الأولي حق كل
شخص وجهت إليه
تهمة جنائية، في
أن تفترض
براءته، إلى أن
تثبت إدانته
في محاكمة
علنية توفر له
فيها الضمانات
الضرورية
لدفاعه وهذه
الفقرة هي التي
تستمد منها
المادة 67 من
الدستور
أصلها، وهي
تردد قاعدة
استقر العمل على
تطبيقها في
الدول الديموقراطية،
وتقع في
إطارها
مجموعة من
الضمانات
الأساسية
تكفل
بتكاملها
مفهوما
للعدالة يتفق
بوجه عام مع
المقاييس
المعاصرة
المعمول بها
في الدول
المتحضرة. وهي
بذلك تتصل
بتشكيل
المحكمة، وقواعد
تنظيمها، وطبيعة
القواعد
الإجرائية
المعمول بها
أمامها، وكيفية
تطبيقها من
الناحية
العملية. كما
إنها تعتبر في
نطاق الاتهام
الجنائي
وثيقة الصلة
بالحرية
الشخصية التي
قضي الدستور
في المادة 41
بأنها من
الحقوق
الطبيعية
التي لا يجوز
الإخلال بها
أو تقييدها
بالمخالفة
لأحكامه. ولا
يجوز بالتالي
تفسير هذه
القاعدة
تفسيرا ضيقا، إذ
هي ضمان مبدئي
لرد العدوان
عن حقوق
المواطن
وحرياته
الأساسية، وهي
التي تكفل
تمتعه بها في
إطار من الفرص
المتكافئة، ولأن
نطاقها وإن
كان لا يقتصر على
الاتهام
الجنائي، وإنما
يمتد إلى كل
دعوي، ولو
كانت الحقوق
المثارة فيها
من طبيعة
مدنية، إلا أن
المحاكمة
المنصفة
تعتبر أكثر
لزوما في
الدعوي
الجنائية، وذلك
أيا كانت
طبيعة
الجريمة، وبغض
النظر عن درجة
خطورتها. وعلة
ذلك أن إدانة
المتهم
بالجريمة، إنما
تعرضه لأخطر
القيود على حريته
الشخصية
وأكثرها
تهديدا لحقه
في الحياة، وهي
مخاطر لا سبيل
إلى توقيها
إلا على ضوء ضمانات
فعلية توازن
بين حق الفرد
في الحرية من
ناحية، وحق
الجماعة في
الدفاع عن
مصالحها الأساسية
من ناحية
أخرى. ويتحقق
ذلك كلما أن الاتهام
الجنائي
معرفا
بالتهمة، مبينا
طبيعتها، مفصلا
أدلتها وكافة
العناصر
المرتبطة بها،
وبمراعاة أن
يكون الفصل في
هذا الاتهام
عن طريق محكمة
مستقلة
ومحايدة
ينشئها
القانون، وأن
تجري
المحاكمة
علانية، وخلال
مدة معقولة، وأن
تستند
المحكمة في
قرارها
بالإدانة - إذا
خلصت إليها -
إلى موضوعية
التحقيق الذي
تجريه، وإلى عرض
متجرد
للحقائق، وإلى
تقدير سائغ للمصالح
المتنازعة. وتلك
جميعها من
الضمانات
الجوهرية
التي لا تقوم
المحاكمة
المنصفة
بدونها. ومن
ثم كفلها
الدستور في
المادة 67، وقرنها
بضمانتين
تعتبران من
مقوماتها، وتندرجان
تحت مفهومها، هما
افتراض
البراءة من
ناحية، وحق
الدفاع لدحض
الاتهام
الجنائي من
ناحية أخرى، وهو
حق عززته
المادة 69 من
الدستور
بنصها على أن
حق الدفاع
بالأصالة أو
بالوكالة
مكفول. وحيث إن
الدستور يكفل
للحقوق التي
نص عليها في
صلبه الحماية
من جوانبها
العملية، وليس
من معطياتها
النظرية، وكان
استيثاق
المحكمة من
مراعاة
القواعد
المنصفة آنفة
البيان عند فصلها
في الاتهام الجنائي
تحقيقا
لمفاهيم
العدالة حتى
في أكثر
الجرائم
خطورة، لا
يعدو أن يكون
ضمانة أولية
لعدم المساس
بالحرية
الشخصية - التي
كفلها
الدستور لكل
مواطن - بغير
الوسائل
القانونية التي
لا يترخص أحد
في التقيد بها،
والنزول
عليها. وكان
افتراض براءة المتهم
يمثل أصلا
ثابتا يتعلق
بالتهمة الجنائية
من ناحية
إثباتها، وليس
بنوع العقوبة
المقررة لها، وينسحب
إلى الدعوي
الجنائية في
جميع مراحلها،
وعلى امتداد
إجراءاتها، فقد
غدا من الحتم
أن يرتب
الدستور على افتراض
البراءة، عدم
جواز نقضها
بغير الأدلة
الجازمة التي
تخلص إليها
المحكمة، وتتكون
من جماعها
عقيدتها. ولازم ذلك
أن تطرح هذه
الأدلة عليها،
وأن تقول هي
وحدها كلمتها
فيها، وألا
تفرض عليها أي
جهة أخرى
مفهوما محددا
لدليل بعينه، وأن
يكون مرد
الأمر دائما إلى
ما استخلصته
هي من وقائع
الدعوي، وحصلته
من أوراقها، غير
مقيدة بوجهة
نظر النيابة
العامة، أو
الدفاع
بشأنها. وحيث إنه على
ضوء ما تقدم، تتمثل
ضوابط
المحاكمة
المنصفة في
مجموعة من القواعد
المبدئية
التي تعكس
مضامينها
نظاما متكامل
الملامح،
يتوخى بالأسس
التي يقوم
عليها، صون
كرامة
الإنسان
وحماية حقوقه
الأساسية، ويحول
بضماناته دون
إساءة
استخدام
العقوبة بما
يخرجها عن أهدافها.
وذلك انطلاقا
من إيمان
الأمم
المتحضرة
بحرمة الحياة
الخاصة، وبوطأة
القيود التي
تنال من
الحرية
الشخصية.
ولضمان أن
تتقيد الدولة -
عند مباشرتها
لسلطاتها في
مجال فرض
العقوبة صونا
للنظام الاجتماعي
- بالأغراض
النهائية
للقوانين
العقابية التي
ينافيها أن
تكون إدانة
المتهم هدفا
مقصودا لذاته،
أو أن تكون
القواعد التي
تتم محاكمته
على ضوئها، مصادمة
للمفهوم
الصحيح
لإدارة
العدالة
الجنائية إدارة
فعالة. بل
يتعين أن
تلتزم هذه
القواعد مجموعة
من القيم التي
تكفل لحقوق
المتهم الحد الأدنى
من الحماية
التي لا يجوز
النزول عنها
أو الانتقاص
منها، وهذه
القواعد - وإن
كانت إجرائية
في الأصل - إلا
أن تطبيقها في
مجال الدعوي
الجنائية - وعلى
امتداد
مراحلها - يؤثر
بالضرورة على محصلتها
النهائية، ويندرج
تحتها أصل
البراءة
كقاعدة أولية
تفرضها الفطرة،
وتوجبها
حقائق
الأشياء، وهي
بعد قاعدة حرص
الدستور على إبرازها
في المادة 67
مؤكدا
بمضمونها ما
قررته المادة
11من الإعلان
العالمي
لحقوق
الإنسان على
ما سلف بيانه،
والمادة
السادسة من
الاتفاقية الأوربية
لحماية حقوق
الإنسان. أصل
البراءة إن أصل
البراءة يمتد إلى
كل فرد سواء
أكان مشتبها
فيه، أو متهما،
باعتباره
قاعدة أساسية
في النظام الاتهامي
أقرتها
الشرائع
جميعها - لا
لتكفل
بموجبها
حماية
المذنبين - وإنما
لتدرأ
بمقتضاها
العقوبة عن
الفرد إذا كانت
التهمة
الموجهة إليه
قد أحاطتها
الشبهات بما
يحول دون
التيقن من مقارفة
المتهم للواقعة
محل الاتهام، ذلك
أن الاتهام
الجنائي في
ذاته لا يزحزح
أصل البراءة
الذي يلازم
الفرد دوما
ولا يزايله،
سواء في مرحلة
ما قبل
المحاكمة، أو
أثنائها وعلى امتداد
حلقاتها، وأيا
كان الزمن
الذي تستغرقه
إجراءاتها.
ولا سبيل
بالتالي لدحض
أصل البراءة
بغير الأدلة
التي تبلغ
قوتها الإقناعية
مبلغ الجزم
واليقين، بما
لا يدع مجالا
معقولا لشبهة
انتفاء التهمة،
وبشرط أن تكون
دلالتها قد
استقرت
حقيقتها بحكم
قضائي استنفد طرق
الطعن فيه، وصار
باتا. وحيث إن
افتراض
البراءة لا يتمحض عن
قرينة
قانونية، ولا
هو من صورها، ذلك
أن القرينة
القانونية
تقوم على تحويل
للإثبات من
محله الأصلي -
ممثلا في
الواقعة مصدر
الحق المدعي
به - إلى واقعة
أخرى قريبة
منها متصلة
بها. وهذه
الواقعة
البديلة هي التي
يعتبر
إثباتها إثباتا
للواقعة
الأولي بحكم
القانون. وليس
الأمر كذلك
بالنسبة إلى البراءة
التي افترضها
الدستور. فليس
ثمة واقعة
أحلها
الدستور محل
واقعة أخرى، وأقامها
بديلا عنها innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption.It does not rest on any other proved facts, it is assumed
وإنما يؤسس
افتراض
البراءة على الفطرة
التي جبل
الإنسان
عليها، فقد
ولد حراً مبرءاً
من الخطيئة أو
المعصية.
ويفترض على امتداد
مراحل حياته
أن أصل
البراءة
لازال كامناً
فيه، مصاحباً
له فيما يأتيه
من أفعال، إلى
أن تنقض محكمة
الموضوع
بقضاء جازم لا
رجعة فيه هذا
الافتراض،
على ضوء
الأدلة التي
تقدمها
النيابة العامة
مثبتة بها
الجريمة التي
نسبتها إليه في
كل ركن من
أركانها، وبالنسبة
إلى كل واقعة
ضرورية
لقيامها، بما
في ذلك القصد
الجنائي
بنوعيه إذا
كان متطلبا
فيها. وبغير
ذلك لا ينهدم
أصل البراءة، إذ
هو من الركائز
التي يستند
إليها مفهوم
المحاكمة
المنصفة التي
كفلها الدستور،
ويعكس قاعدة
مبدئية تعتبر
في ذاتها
مستعصية على الجدل،
واضحة وضوح
الحقيقة
ذاتها، تقتضيها
الشرعية
الإجرائية، ويعتبر
إنفاذها
مفترضاً
أولياً
لإدارة العدالة
الجنائية، ويتطلبها
الدستور لصون
الحرية
الشخصية في مجالاتها
الحيوية، وليوفر
من خلالها لكل
فرد الأمن في
مواجهة
التحكم
والتسلط
والتحامل، بما
يحول دون
اعتبار واقعة
تقوم بها
الجريمة ثابتة
بغير دليل، وبما
يرد المشرع عن
افتراض
ثبوتها
بقرينة قانونية
ينشؤها.
وحيث إن
افتراض براءة
المتهم من
التهمة الموجهة
إليه - يقترن
دائما من
الناحية
الدستورية -
ولضمان
فعاليته - بوسائل
إجرائية
وثيقة الصلة
بحق الدفاع، من
بينها حق
المتهم في
مواجهة
الشهود الذين
قدمتهم
النيابة
العامة
إثباتا
للجريمة، والحق
في دحض
أقوالهم
وإجهاض
الأدلة التي
طرحتها بأدلة النفي
التي يعرضها. صور
التمييز أن صور
التمييز
المجافية
للدستور وإن
تعذر حصرها، إلا
أن قوامها كل
تفرقة أو
تقييد أو
تفضيل أو استبعاد
ينال بصورة تحكمية
من الحقوق أو
الحريات التي
كفلها
الدستور أو
القانون، وذلك
سواء بإنكار
أصل وجودها أو
بتعطيل أو انتقاص
آثارها، بما
يحول دون
مباشرتها على
قدم من
المساواة الكاملة
بين المؤهلين
قانونا
للانتفاع بها. الدعوى رقم
25 لسنة 16 قضائية
المحكمة
الدستورية
العليا
"دستورية" نص الحكم باسم الشعب المحكمة الدستورية
العليا بالجلسة
العلنية
المنعقدة في
يوم الاثنين 3 يوليه
سنة 1995م
الموافق 5 صفر
1416هـ. برئاسة
السيد
المستشار
الدكتور/ عوض
محمد عوض المر رئيس
المحكمة وحضور
السادة
المستشارين:
الدكتور محمد
إبراهيم أبو العينين
وفاروق عبد
الرحيم غنيم
وعبد الرحمن
نصير وسامي
فرج يوسف
ومحمد علي سيف
الدين وعدلي
محمود منصور. أعضاء وحضور
السيد
المستشار
الدكتور/ حنفي
علي جبالي رئيس هيئة
المفوضين وحضور
السيد/ حمدي
أنور صابر أمين السر أصدرت
الحكم الآتي في القضية
المقيدة
بجدول
المحكمة
الدستورية العليا
برقم 25 لسنة 16
قضائية
"دستورية". المقامة من - السيد
المهندس ...
وطالب التدخل
منضما إليه: السيد/ ... ضد 1- السيد/
رئيس
الجمهورية 2- السيد/
رئيس مجلس
الوزراء 3- السيد/
رئيس مجلس
الشعب 4- السيد/
رئيس مجلس
الشورى 5- السيد
/ وزير العدل 6- السيد
الأستاذ
المستشار
النائب العام 7- السيد/
الكيمائي ...
الإجراءات في الثالث
من يوليو سنة 1994
أودع المدعي
قلم كتاب
المحكمة
صحيفة الدعوى
الماثلة طالبا
الحكم بعدم
دستورية نص
الفقرة
الثانية من المادة
15 من قانون
الأحزاب
السياسية
الصادر بالقانون
رقم 40 لسنة 1977
والمضافة
بالقرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979، وبعدم
دستورية نص
المادة 195 من
قانون
العقوبات. وقدمت هيئة قضايا
الدولة مذكرة
طلبت فيها
أصليا الحكم
بعد قبول
الدعوى
بالنسبة إلى
المادة 195 من
قانون العقوبات.
وكذلك
بالنسبة إلى
الفقرة
الثانية من
المادة 15 من قانون
الأحزاب
السياسية إذا
كان نطاقها
منحصرا في
المسئولية
المدنية، واحتياطيا
رفض الدعوى
بشقيها. وقدم المدعي عليه
الأخير عدة
مذكرات طلب
فيها أصليا
عدم قبول
الدعوى
بالنسبة
للطعن على نص
المادة 195 من قانون
العقوبات
ورفضها
بالنسبة
للطعن على المادة
15/2 من قانون
الأحزاب
السياسية، واحتياطيا
رفض الدعوى
بشقيها. كما قدم
المدعي عدة
مذكرات أصر
فيها على
طلباته
الواردة بصحيفة
دعواه. وبعد تحضير
الدعوى، أودعت
هيئة
المفوضين
تقريرا
برأيها. وأثناء نظر
الدعوى تقدم السيد/ ...
طالبا التدخل منضما إلى
المدعي في
طلبه الحكم
بعدم دستورية
نص المادة 195
عقوبات. ونظرت الدعوى
على الوجه
المبين بمحضر
الجلسة، وقررت
المحكمة
إصدار الحكم
فيها بجلسة
اليوم. المحكمة بعد
الاطلاع على
الأوراق، والمداولة.
حيث إن
الوقائع -
حسبما يبين من
صحيفة الدعوى
وسائر
الأوراق - تتحصل
في أن النيابة
العامة، أحالت
إلى المحاكمة
الجنائية، كلا
من السادة ...
والدكتور
... و ... و ... والمهندس
...، ناسبة
إليهم أنهم
قذفوا وسبوا
موظفا عاما
بإحدى طرق
العلانية، وكان
ذلك بسبب أداء
وظيفته، بأن
أسندوا إلى
وزير البترول
والثروة
المعدنية
السابق السيد/
... - وعن طريق
النشر في
جريدة الشعب التي
تصدر عن الحزب
الذي يرأسه المدعي
- أمورا لو صحت
لأوجبت عقابه،
باعتبارها
تشكل في حقه
جرائم الرشوة
والتربح
والإضرار
بالمال العام المعاقب
عليها قانونا،
وكان ذلك بسوء
قصد منهم، وبدون
إثبات حقيقة
كل فعل أسندوه
إليه. وطلبت
معاقبتهم
بالمواد 171، 185، 195،
302، 303/2، 307 من قانون
العقوبات، والمادة
51/2 من قانون
الأحزاب
السياسية
الصادر
بالقانون رقم
40 لسنة 1977 المعدل
بالقرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979. وأثناء
نظر محكمة
جنايات
القاهرة لهذه
الجنحة -
وباعتبارها
من جرائم
النشر - دفع
الحاضر عن المتهمين
بعدم دستورية
المادتين 15/2 من
قانون
الأحزاب
السياسية و195
من قانون العقوبات.
كما أبدى الدفع
ذاته الحاضر
عن المتهم
الأخير، فقررت
محكمة
الموضوع
تأجيل نظر
الدعوى الموضوعية
لدور مقبل يحدد
بعد مضي ستة
أشهر، وكلفت
الحاضر عن
المتهم
الخامس "المدعى
في الدعوى
الدستورية
الماثلة"
برفع الدعوى
أمام المحكمة
الدستورية
العليا بعدم
دستورية المادتين
15/2 من قانون
الأحزاب
السياسية، و195
من قانون
العقوبات، وذلك
خلال ثلاثة
أشهر، فأقام
الدعوى
الماثلة. وحيث إن
الفقرة
الثانية من
المادة 15 من
قانون الأحزاب
السياسية
الصادر
بالقانون رقم
40 لسنة 1977، والمعدل
بالقرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979، تنص
على ما يأتي: "يكون
رئيس الحزب
مسئولا مع
رئيس تحرير
صحيفة الحزب
عما ينشر
فيها". وحيث إن
المادة 195 من
قانون
العقوبات تقضي
بأنه "مع عدم
الإخلال
بالمسئولية
الجنائية بالنسبة
لمؤلف
الكتابة أو
واضع الرسم أو
غير ذلك من
طرق التمثيل يعاقب
رئيس تحرير
الجريدة أو
المحرر
المسئول عن
قسمها الذي
حصل فيه النشر
- إذا لم يكن
ثمة رئيس
تحرير - بصفته
فاعلا أصليا
للجرائم التي
ترتكب بواسطة
صحيفته. ومع
ذلك يعفى من
المسئولية
الجنائية: (1) إذا
أثبت أن النشر
حصل بدون علمه،
وقدم منذ بدء
التحقيق كل ما
لديه من
المعلومات
والأوراق
للمساعدة على
معرفة
المسئول عما
نشر. (2) أو
إذا أرشد في
أثناء
التحقيق عن
مرتكب
الجريمة، وقدم
كل ما لديه من
المعلومات
والأوراق
لإثبات
مسئوليته، وأثبت
فوق ذلك، أنه لو
لم يقم بالنشر،
لعرض نفسه
لخسارة
وظيفته في
الجريدة، أو
لضرر جسيم
آخر. وحيث إن
من المقرر أن
شرط المصلحة
الشخصية المباشرة،
يتغيا أن
تفصل المحكمة
الدستورية
العليا في
الخصومة
الدستورية من
جوانبها
العملية، وليس
من معطياتها
النظرية، أو
تصوراتها
المجردة. وهو
كذلك يقيد
تدخلها في تلك
الخصومة
القضائية، ويرسم
تخوم ولايتها،
فلا تمتد لغير
المطاعن التي
يؤثر الحكم
بصحتها أو
بطلانها على
النزاع الموضوعي،
وبالقدر اللازم
للفصل فيها. ومؤداه ألا
تقبل الخصومة
الدستورية من
غير الأشخاص الذين
يمسهم الضرر
من جراء سريان
النص المطعون
فيه عليهم، سواء
أكان هذا
الضرر قد وقع
فعلاً أم كان
وشيكاً
يتهددهم. ويتعين
دوماً أن يكون
هذا الضرر
منفصلاً عن
مجرد مخالفة
النص المطعون
عليه للدستور،
مستقلا
بالعناصر التي
يقوم عليها، ممكنا
تحديده
ومواجهته
بالترضية
القضائية لتسويته،
عائداً في
مصدره إلى
النص المطعون
عليه. فإذا
لم يكن هذا
النص قد طبق
أصلاً على من
ادعى مخالفته
للدستور، أو
كان من غير
المخاطبين
بأحكامه، أو
كان قد أفاد
من مزاياه، أو
كان الإخلال
بالحقوق التي
يدعيها لا يعود
إليه، دل ذلك
على انتفاء
المصلحة
الشخصية
المباشرة. ذلك
أن إبطال النص
التشريعي في
هذه الصور جميعها،
لن يحقق للمدعي
أية فائدة
عملية يمكن أن
يتغير بها
مركزه القانوني
بعد الفصل في
الدعوى
الدستورية، عما
كان عليه
قبلها. ولا يتصور
بالتالي أن
تكون الدعوى
الدستورية
أداة يعبر المتداعون
من خلالها عن
آرائهم في
الشئون التي
تعنيهم بوجه
عام، أو أن
تكون نافذة
يعرضون منها
ألوانا من
الصراع بعيداً
عن مصالحهم
الشخصية
المباشرة، أو
شكلاً للحوار
حول حقائق
علمية يطرحونها
لإثباتها أو
نفيها، أو
طريقاً
للدفاع عن
مصالح بذواتها
لا شأن للنص
المطعون عليه
بها. بل تباشر
المحكمة الدستورية
العليا
ولايتها - التي
كثيراً ما
تؤثر في حياة
الأفراد
وحرماتهم
وحرياتهم
وأموالهم - بما
يكفل
فعاليتها. وشرط
ذلك إعمالها
عن بصر وبصيرة،
فلا تقبل
عليها
اندفاعا، ولا تعرض
عنها تراخيا.
ولا تقتحم
بممارستها
حدوداً تقع في
دائرة عمل
السلطتين التشريعية
والتنفيذية. بل يتعين
أن تكون
رقابتها
ملاذاً
أخيراً ونهائيا،
وأن تدور
وجوداً
وعدماً مع تلك
الأضرار التي
تستقل
بعناصرها، ويكون
ممكناً إدراكها،
لتكون لها
ذاتيتها. ومن
ثم يخرج من نطاقها
ما يكون من
الضرر متوهما
أو منتحلاً أو
مجرداً in abstracto أو
يقوم على
الافتراض أو
التخمين Conjectural. ولازم
ذلك، أن يقوم
الدليل جليا
على اتصال
الأضرار المدعى
وقوعها بالنص
المطعون عليه،
وأن يسعى
المضرور
لدفعها عنه، لا
ليؤمن بدعواه
الدستورية -
وكأصل عام - حقوق
الآخرين
ومصالحهم، بل
ليكفل إنفاذ
تلك الحقوق التي
تعود فائدة
صونها عليه.
والتزاما
بهذا الإطار، جرى
قضاء المحكمة
الدستورية
العليا على أن
المصلحة
الشخصية
المباشرة شرط
لقبول الدعوى
الدستورية، وأن
مناطها
أن يكون ثمة
ارتباط بينها
وبين المصلحة
القائمة في
الدعوى
الموضوعية، وذلك
بأن يكون
الحكم في
المطاعن
الدستورية
لازما للفصل في
النزاع الموضوعي.
وحيث إنه متى
كان ما تقدم، وكان
المدعي قد
شمله الاتهام في
الدعوى
الجنائية
بصفته رئيس
الحزب الذي
تصدر عنه
الصحيفة التي
نشر بها ما
اعتبرته
النيابة
العامة قذفا
وسبا في حق
المدعى عليه
الأخير، وكان
اتهامه على
هذا النحو
إنما يستند
مباشرة إلى ما
تنص عليه
الفقرة
الثانية من
المادة 15 من
قانون
الأحزاب
السياسية من
أن "يكون رئيس
الحزب مسئولا
مع رئيس تحرير
صحيفة الحزب
عما ينشر فيها"
فإن المصلحة
الشخصية
المباشرة
تتمثل أساسا في
الطعن عليها
باعتبارها
قواما
للاتهام
القائم في
الدعوى
الموضوعية. وحيث
إن المدعي ينعى
على النص
المطعون فيه
انطواءه على
نوعين من
العيوب
الدستورية
هما: 1- عيوب
شكلية مفادها أن
هذا النص ورد
ضمن الأحكام التي
تضمنها قرار
رئيس
الجمهورية بالقرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979 بتعديل
بعض أحكام
قانون
الأحزاب
السياسية الصادر
بالقانون رقم
40 لسنة 1977. وكان
ينبغي أن يقع
هذا القرار
بقانون في
إطار الضوابط
الشكلية التي حددتها
المادة 147 من
الدستور
لمباشرة رئيس
الجمهورية
لسلطته
الاستثنائية في
مجال إصدار
النصوص
القانونية. ومناطها
قيام ضرورة
تقتضي
الإسراع في
اتخاذ تدابير
لا تحتمل
التأخير وذلك في
غيبة مجلس
الشعب. 2- عيوب
موضوعية حاصلها
مخالفة النص
المطعون فيه
لمبدأ شخصية
المسئولية
الجنائية، وشخصية
العقوبة، وإخلاله
بافتراض
البراءة، وبحرية
الرأي والحق في
التعبير، وكذلك
بحرية
الصحافة التي
أقامها
الدستور
كسلطة مستقلة
لها كيانها الخاص،
ولم يجعل على
الصحفيين من
سلطان غير
ضمائرهم. هذا
فضلا عن أن
هذا النص
اعتبر رئيس الحزب
مسئولا عن
جرائم النشر
بناء على مجرد
صفته هذه، ولو
لم يصدر منه
سلوك خارجي
يكون بمقتضاه
فاعلا أصليا
أو شريكا
فيها. وأهدر
كذلك مبدأ
المساواة
أمام القانون،
ذلك أن رؤساء
الأحزاب جميعهم،
وكذلك ملاكها،
لا يتحدون
بمقتضى النص
المطعون فيه في
المسئولية
الجنائية التي
أحاط بعضهم
بها، مما يصم
ذلك النص - في
تقديره - بمخالفة
أحكام المواد
40، 41، 47، 48، 66، 67، 206، 207،
210 من الدستور. وحيث إن
قضاء المحكمة
الدستورية
العليا قد جرى
على أن
المطاعن
الشكلية
الموجهة إلى
النصوص
القانونية، هي
تلك التي تقوم
في مبناها على
مخالفة هذه
النصوص
للأوضاع الإجرائية
التي تطلبها
الدستور، سواء
في ذلك ما كان
منها متصلاً
باقتراحها أو إ
قرارها أو
إصدارها حال
انعقاد
السلطة
التشريعية، أو
ما كان منها
متعلقاً بالشروط
التي يفرضها
الدستور
لمباشرة رئيس
الجمهورية الاختصاص
بإصدارها في
غيبة السلطة
التشريعية، أو
بتفويض منها. وحيث إن سن
القوانين هو
مما تختص به
السلطة التشريعية
تباشره
وفقا للدستور في
إطار وظيفتها
الأصيلة. ولئن
كان الأصل هو
أن تتولى
السلطة
التشريعية بنفسها
مباشرة هذه
الوظيفة التي
أقامها
الدستور
عليها، إلا أن
الدساتير
المصرية
جميعها كان
عليها أن
توازن ما
يقتضيه الفصل
بين السلطتين
التشريعية
والتنفيذية
من تولي كل
منهما
لوظائفها في
المجال
المحدد لها
أصلا، بضرورة صون
كيان الدولة
وإقرار
النظام في
ربوعها إزاء
ما قد تواجهه - فيما
بين أدوار
انعقاد
السلطة
التشريعية أو حال
غيابها - من
مخاطر تلوح
نذرها أو تشخص
الأضرار التي
تواكبها. يستوي
في ذلك أن
تكون هذه
المخاطر من
طبيعة مادية، أو
أن يكون
قيامها
مستندا إلى
ضرورة تدخل
الدولة
بتنظيم تشريعي
يكون لازما
لمواجهة
التزاماتها
الدولية. ولقد
كان النهج الذي
التزمته
هذه الدساتير
على اختلافها وعلى
ضوء موجبات
هذه الموازنة
- هو تخويلها
السلطة
التنفيذية
الاختصاص باتخاذ
التدابير
العاجلة
اللازمة لمواجهة
أوضاع
استثنائية
سواء بالنظر
إلى طبيعتها
أو مداها. وتلك
هي حالة
الضرورة التي
اعتبر
الدستور
قيامها من
الشرائط التي
تطلبها
لمزاولة هذا
الاختصاص الاستثنائي.
ذلك أن
الاختصاص
المخول
للسلطة
التنفيذية في
هذا النطاق، لا
يعدو أن يكون
استثناء من
أصل قيام
السلطة
التشريعية
على مهمتها
الأصيلة في
المجال التشريعي.
إذ كان ذلك، وكانت
التدابير
العاجلة التي
تتخذها
السلطة
التنفيذية
لمواجهة حالة
الضرورة، نابعة
من متطلباتها،
فإن انفكاكها
عنها يوقعها في
حومة
المخالفة
الدستورية -
ذلك أن توافر
حالة الضرورة -
بضوابطها
الموضوعية التي
لا تستقل
السلطة
التنفيذية
بتقديرها - هي
علة اختصاصها
بمجابهة
الأوضاع
الطارئة والضاغطة
بتلك
التدابير
العاجلة، بل هي
مناط
مباشرتها
لهذا
الاختصاص، وإليها
تمتد الرقابة
الدستورية التي
تباشرها
المحكمة
الدستورية
العليا
للتحقق من
قيامها في
الحدود التي
رسمها
الدستور، ولضمان
ألا تتحول هذه
الرخصة
التشريعية -
وهي من طبيعة
استثنائية - إلى
سلطة تشريعية
كاملة ومطلقة
لا قيد عليها،
ولا عاصم من
جموحها
وانحرافها. وحيث إن
قضاء المحكمة
الدستورية
العليا قد استقر
كذلك على أن
رقابتها على
دستورية
النصوص
القانونية
المطعون
عليها، غايتها
أن تردها
جميعا إلى
أحكام
الدستور تغليبا
لها على ما
دونها، وتوكيدا
لسموها، لتظل
لها الكلمة
العليا على ما
عداها. وسبيلها
إلى ذلك أن
تفصل في
الطعون
الموجهة إلى
تلك النصوص، ما
كان منها
شكليا أو
موضوعيا. وحيث إن من
المقرر كذلك
أن استيفاء
النصوص
القانونية
المطعون
عليها
لأوضاعها
الشكلية، يعتبر
أمراً سابقا
بالضرورة على
الخوض في
عيوبها
الموضوعية. ذلك أن
الأوضاع
الشكلية
للنصوص
القانونية من
مقوماتها، لا تقوم
إلا بها، ولا
يكتمل
بنيانها أصلا في
غيبتها، لتفقد
بتخلفها
وجودها
كقواعد
قانونية تتوافر
لها خاصية
الإلزام. ولا
كذلك عيوبها
الموضوعية إذ
يفترض بحثها - ومناطها
مخالفة
النصوص
القانونية
المطعون
عليها لقاعدة في
الدستور من
زاوية
محتواها أو
مضمونها - أن
تكون هذه
النصوص مستوفية
لأوضاعها
الشكلية. ذلك
أن المطاعن
الشكلية -
وبالنظر إلى
طبيعتها - لا
يتصور أن يكون
تحريها وقوفا
على حقيقتها، تاليا
للنظر في
المطاعن
الموضوعية، ولكنها
تتقدمها.
ويتعين على
المحكمة
الدستورية
العليا أن
تتقصاها
بلوغا لغاية
الأمر فيها، ولو
كان نطاق
الطعن
المعروض
عليها منحصرا في
المطاعن
الموضوعية
دون سواها، منصرفا
إليها وحدها. ولا
يحول قضاء
المحكمة
الدستورية
العليا برفض
المطاعن
الشكلية، دون
إثارة مناع
موضوعية
يُدَّعى
قيامها بهذه النصوص
ذاتها، وذلك
خلافا للطعون
الموضوعية. ذلك أن الفصل
في التعارض المدعى
به بين نص قانوني
ومضمون قاعدة في
الدستور، إنما
يعد قضاءً
ضمنيا
باستيفاء
النص المطعون
فيه للأوضاع
الشكلية التي
تطلبها
الدستور فيه، ومانعا
من العودة
لبحثها. وحيث إنه
متى كان ما
تقدم، وكانت
هذه المحكمة
سبق أن قضت في
الدعوى
الدستورية
رقم 44 لسنة 7
قضائية
بجلستها
المعقودة في 7
مايو 1988 برفض
الطعن بعدم
دستورية
البند ثانيا
من المادة 4 من
قانون الأحزاب
السياسية، وبعدم
دستورية نص
البند 7 من
المادة ذاتها،
وكان هذان
البندان قد
أضيفا إلى
قانون الأحزاب
السياسية
الصادر
بالقانون رقم
40 لسنة 1977، بالقرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979 الذي
تضمن كذلك نص
الفقرة 2 من
المادة 15 من
قانون الأحزاب
السياسية
المطعون عليها،
فإن قضاء
المحكمة
الدستورية
العليا - وقد
صدر على النحو
المتقدم في
شأن مطاعن
موضوعية - يكون
متضمنا لزوما
تحققها من
استيفاء
القرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979 المشار
إليه لأوضاعه
الشكلية، إذ
لو كان الدليل
قد قام على
تخلفها، لسقط
هذا القرار
بقانون برمته،
ولامتنع
عليها أن تفصل
في اتفاق بعض
مواده أو
مخالفتها
لأحكام
الدستور
الموضوعية، ليغدو
ادعاء صدوره
على خلاف
الأوضاع
الشكلية التي
تطلبتها
المادة 147 من
الدستور فيه، على
غير أساس، حريا
بالالتفات
عنه. وحيث إن
تحديد
الطبيعة
القانونية
للنص المطعون
فيه، وما إذا
كان واقعا في
نطاق
المسئولية
المدنية، أم
مستنهضا صورة
من صور
المسئولية
الجنائية، يعد
أمرا لازما
للفصل في دستوريته
على ضوء
المطاعن
الموجهة إليه.
ذلك أن
دستورية
النصوص
الجنائية تحكمها
مقاييس صارمة
تتعلق بها
وحدها، ومعايير
حادة تلتئم مع
طبيعتها ولا
تزاحمها في
تطبيقها ما
سواها من
القواعد
القانونية.
فقد أعلى
الدستور قدر
الحرية
الشخصية، فاعتبرها
من الحقوق
الطبيعية
الكامنة في
النفس
البشرية، الغائرة
في أعماقها، والتي
لا يمكن فصلها
عنها، ومنحها بذلك
الرعاية
الأوفى والأشمل
توكيدا
لقيمتها، وبما
لا إخلال فيه
بالحق في تنظيمها،
وبمراعاة أن
القوانين
الجنائية قد
تفرض على هذه
الحرية -
بطريق مباشر
أو غير مباشر - أخطر
القيود
وأبلغها أثرا.
وكان لازما بالتالي
ألا يكون النص
العقابي
محملا بأكثر
من معنى، مرهقا
بأغلال تعدد تأويلاته،
مرنا متراميا
على ضوء
الصيغة التي
أفرغ فيها، متغولا - من
خلال انفلات
عباراته - حقوقا
أرساها
الدستور، مقتحما
ضماناتها، عاصفا
بها، حائلا
دون تنفسها
بغير عائق.
ويتعين بالتالي
أن يكون إنفاذ
القيود التي
تفرضها
القوانين
الجنائية على
الحرية الشخصية،
رهنا بمشروعيتها
الدستورية. ويندرج تحت
ذلك، أن تكون
محددة بصورة
يقينية لا
التباس فيها. ذلك أن هذه
القوانين
تدعو
المخاطبين
بها إلى الامتثال
لها كي يدفعوا
عن حقهم في
الحياة، وكذلك
عن حرياتهم، تلك
المخاطر التي تعكسها
العقوبة. ومن
ثم كان أمرا مقضيا،
أن تصاغ
النصوص
العقابية بما
يحول دون
انسيابها أو
تباين الآراء
حول مقاصدها، أو
تقرير
المسئولية
الجنائية في
غير مجالاتها عدوانا
على الحرية
الشخصية التي
كفلها
الدستور. وحيث إن
اجتهادا
قضائيا نحا
إلى القول بأن
النص المطعون
فيه لا يقرر
إلا مسئولية
مدنية، مستندا
في ذلك إلى
أمرين: أولهما،
أن الأصل في
النصوص
العقابية هو
وضوحها، فإذا
شابها نقص أو
غموض، فلا
يجوز تفسيرها
بما يناهض
مصلحة المتهم.
ثانيهما: أن
الأصل في
القصد الجنائي
أن يكون من
أركان الجريمة،
وأن يكون
ثبوته فعليا، ولا
يصح القول
بالمسئولية المفترضة
إلا إذا نص
عليها الشارع
صراحة، أو كان
استخلاصها
سائغا من خلال
استقراء
النصوص القانونية
وربطها ببعضها،
ذلك أن
الإنسان لا يجوز
أن يسأل أصلا -
وسواء بوصفه
فاعلا
للجريمة أو
شريكا فيها - إلا
عن نشاط مؤثم -
فعلاً كان أم
تركا، إيجابا
أم سلبا - ولا مجال
بالتالي
للمسئولية
المفترضة أو
المسئولية
التضامنية في
مجال العقوبة،
إلا استثناء، وفي
الحدود التي
ينص عليها
القانون. وإذ
كان القياس
محظورا في
مجال التأثيم،
وكان الأصل هو
التحرز في
تفسير
القوانين
الجنائية، وألا
تُحَمَّل
عباراتها فوق
ما تَحْتَمِل،
وكانت الفقرة
الثانية من
المادة 15 من
قانون الأحزاب
السياسية الصادر
بالقانون رقم
40 لسنة 1977، قد
شابها الغموض
والإبهام، وكان
المشرع قد
أغفل إيضاح
طبيعة
مسئولية رئيس
الحزب عما
ينشر في
الجريدة، فإن
أصح تفسير
لهذه الفقرة، أن
يكون حكمها
منصرفاً إلى
مسئوليته
المدنية دون
سواها، ترديدا
للقاعدة
العامة في شأن
هذه
المسئولية. وهو تكرار
قد يكون مطلوبا
ومندوبا، إذ
هو توكيد
للمعنى في
أحوال قد يثور
الجدل بشأنها،
توقيا لمد
أحكام
المسئولية
الجنائية إلى
أشخاص لا شأن
لهم بالجريمة.
وحيث إن هذا
الاجتهاد
مردود أولا، بأن
النص المطعون
فيه لو كان
مجرد ترديد
للقواعد التي
نظم بها
المشرع المسئولية
المدنية، لصار
تقريره عبثا
ولغوا. ذلك أن
المشرع لا يصوغ
القواعد
القانونية ليؤكد
بها معانٍ
تتضمنها نصوص قائمة،
ولكن ليقرر
بموجبها
أحكاما جديدة -
إحداثاً أو
تعديلاً - لمصلحة
يقدرها. ومردود
ثانيا بأن
النصوص
العقابية لا تفقد
طبيعتها
لمجرد غموضها
أو تميعها، بل
تظل محتفظة
بخصائصها
كنصوص
قانونية أوردها
المشرع في
مجال التجريم.
ولا يجوز بالتالي
أن تزايلها
صفتها هذه لعوار
أصابها، ولو
آل عيبها إلى إبطال
المحكمة
الدستورية
العليا لها، لخروجها
على الضوابط التي
فرضها
الدستور في
شأنها. ومردود
ثالثا بأن
إعمال قاعدة
التفسير
الضيق في شأن
النص المطعون فيه،
يفترض
بالضرورة أن
يكون هذا النص
عقابيا.
ومردود رابعا
بأن إغفال
النص المطعون
فيه تحديد نوع
المسئولية التي
ألقاها على
رئيس الحزب -
وبفرض صحة ذلك
- لا يحيلها
لزوما إلى
مسئولية
مدنية، بل
يتعين - وقوفا
على طبيعة هذه
المسئولية وتحديدا
لكنهها - ربطها
بالمسئولية الجنائية
لرئيس
التحرير
باعتبارها من جنسها،
ذلك أن النص
المطعون فيه، اعتبر
رئيس الحزب
مسئولا مع
رئيس التحرير
عما ينشر في
الجريدة. ولا
يتصور أن يتم
ذلك إلا
باعتبار أن أولهما
مسئولا مع
ثانيهما عن
الجرائم التي
تقع من خلال
هذه الجريدة، وبوصفهما
فاعلين
أصليين لها.
ومردود خامسا
بأن الدستور
كفل للصحافة
استقلالها، وخولها
أن تعبر عن
رسالتها في
حرية، وأن
تعمل على
تكوين الرأي
العام
وتوجيهه بما
يكفل للجماعة
قيمها ومصالحها
الرئيسية، ويصون
للمواطنين
حرياتهم
وحرماتهم ويعزز
وفاءهم بواجباتهم،
وبما يؤكد أن
الصحفيين لا
يخضعون في
عملهم لغير
سلطان
القانون
[المادتان 702، 208
من الدستور].
ومن المتعذر في
إطار هذا
الاستقلال، وعلى
صعيد تلك
الحرية التي
كفلها
الدستور
للصحافة
بوصفها سلطة
شعبية، أن
تكون العلاقة
بين رئيس
الحزب ورئيس
التحرير عما
ينشر في
الجريدة
علاقة تبعية، تقوم
على سلطة
فعلية في مجال
الرقابة
والتوجيه يباشرها
أولهما في
مواجهة
ثانيهما، ويكون
بها مسئولا عن
عمله باعتباره
متبوعا وفقا
لقواعد
المسئولية التقصيرية.
ومردود
سادساً، بأن
مسئولية
المدين
مسئولية
عقدية عن عمل
الغير، تفترض أمرين:
أولهما أن
يكون بين
المسئول
والمضرور عقد
صحيح، ثانيهما
أن يكون الغير
معهوداً إليه
بتنفيذ هذا
العقد. وكلا
الشرطين متخلفان
في العلاقة
بين رئيس
الحزب ورئيس
التحرير في
مجال تطبيق
النص المطعون
فيه، ذلك أن
مسئولية
ثانيهما - وبما
لا يقبل الجدل
- مسئولية جنائية
مصدرها
المباشر نص
القانون. وليس
ثمة عقد بين المدعي
ومن أضير من
النشر
وعُهِدَ إلى
رئيس التحرير بتنفيذه.
وادعاء
انصرافها إلى
هذا المعنى أو
ربطها به أو
ردها إليه، لا
يعدو أن يكون تعملاً
وتحريفا. ومردود
سابعاً، بأن
تقرير
مسئولية رئيس
الحزب مع رئيس
التحرير عما
ينشر في
الجريدة، مؤداه
أن يكون
أولهما
مسئولا في
الحدود عينها التي
تقوم بها
مسئولية
ثانيهما، وحملاً
عليها. ولا
يتصور بالتالي
أن يكون
ثانيهما، مسئولا
جنائيا
وأولهما
مسئولا مدنيا.
بل إن منطق
النص المطعون
فيه يعني أن
مسئولية رئيس
الحزب عائدة في
منتهاها إلى
مسئولية رئيس
التحرير، وأن
شرط إسقاطها
عنه، أن يتخلص
رئيس التحرير
من مسئوليته
هو، لتكون
هاتان
المسئوليتان
من طبيعة
واحدة، يؤكدها
ارتباطهما
مصيراً. وحيث إنه
متى كان ما
تقدم، وكان
رئيس الحزب
يعد مسئولا
وفقا للنص
المطعون فيه
بوصفه شخصا
طبيعيا، وليس
باعتباره
نائبا عن
الحزب الذي
يمثله قانونا في
التعاقد، وفي علاقاته
بالغير وأمام
القضاء، وكانت
مسئوليته هذه
لا تقوم "منفردة"
لخصائص تتعلق
بها، ولا ترتبط
بأعمال محددة
تقوم عليها، بل
انضماما إلى
مسئولية غيره
لتقارنها وتصاحبها
فلا تنفصل
عنها، ولتدور
معها وجودا
وعدما، وكان
البين من
الأوراق أن
مسئولية رئيس
التحرير عما
ينشر في
الصحيفة الحزبية،
لا ينظمها إلا
نص المادة 195 من
قانون
العقوبات التي
تقضى بأنه "مع
عدم الإخلال
بالمسئولية
الجنائية
بالنسبة
لمؤلف
الكتابة أو
واضع الرسم أو
غير ذلك من
طرق التمثيل، يعاقب
رئيس تحرير
الجريدة أو
المحرر
المسئول عن
قسمها الذي
حصل فيه النشر
إذا لم يكن ثمة
رئيس تحرير، بصفته
فاعلا أصليا
للجرائم التي
ترتكب بواسطة
صحيفته"، متى
كان ذلك، فإن
مسئولية رئيس
الحزب التي
رتبها النص
المطعون فيه، تقوم
مع مسئولية
رئيس التحرير،
وإلى جانبها، لتكون
لها ملامحها
ومقوماتها، وعائدة
بالتالي إلى
صور
المسئولية
الجنائية
الشخصية دون
سواها، لتفرض
بذلك على
أطرافها تلك
القيود التي
تنال من
الحرية
الشخصية التي
اعتبرها
الدستور من
الحقوق
الطبيعية التي
لا يجوز
النزول عنها، أو
الإخلال بها. وحيث
إن الدستور هو
القانون الأساسي
الأعلى الذي
يرسي القواعد
والأصول التي
يقوم عليها نظام
الحكم، ويقرر
الحريات
والحقوق
العامة، ويرتب
الضمانات
الأساسية
لحمايتها، ويحدد
لكل من السلطة
التشريعية
والتنفيذية والقضائية
وظائفها
وصلاحيتها، ويضع
الحدود
والقيود
الضابطة
لنشاطها بما يحول
دون تدخل أي
منها في أعمال
السلطة
الأخرى، أو
مزاحمتها في
ممارسة
اختصاصاتها
التي ناطها
الدستور بها. وحيث إن
الدستور اختص
السلطة
التشريعية
بسن القوانين
وفقا لأحكامه،
فنص في المادة
86 على أن "يتولى
مجلس الشعب
سلطة التشريع،
ويقر السياسة
العامة
للدولة، والخطة
العامة للتنمية
الاقتصادية
والاجتماعية،
والموازنة
العامة
للدولة، كما
يمارس
الرقابة على أعمال
السلطة
التنفيذية، وذلك
كله على الوجه
المبين في
الدستور". من جهة
أخرى، فقد عهد
الدستور إلى السلطة
القضائية
بالفصل في
المنازعات
والخصومات على
النحو المبين
في الدستور، فنص
في المادة 165 على
أن "السلطة
القضائية
مستقلة، وتتولاها
المحاكم على اختلاف
أنواعها
ودرجاتها، وتصدر
أحكامها وفق
القانون". وحيث
إن الدستور -
في اتجاهه إلى
ترسم النظم
المعاصرة، ومتابعة
خطاها، والتقيد
بمناهجها
التقدمية - نص
في المادة 66 منه،
على أنه لا
جريمة ولا
عقوبة إلا
بناء على قانون،
ولا عقاب إلا على
الأفعال
اللاحقة
لصدور
القانون الذي
ينص عليها، وكان
الدستور قد دل
بهذه المادة على
أن لكل جريمة
ركنا ماديا لا
قوام لها بغير،
يتمثل أساسا
في فعل أو
امتناع وقع
بالمخالفة لنص
عقابي، مفصحا
بذلك عن أن ما
يركن إليه القانون
الجنائي
ابتداء - في زواجره
ونواهيه - هو
مادية الفعل
المؤاخذ على ارتكابه،
إيجابيا كان
هذا الفعل أم
سلبيا، ذلك أن
العلائق التي
ينظمها هذا
القانون في مجال
تطبيقه على المخاطبين
بأحكامه، محورها
الأفعال
ذاتها، في
علاماتها
الخارجية، ومظاهرها
الواقعية، وخصائصها
المادية، إذ
هي مناط
التأثيم
وعلته، وهي
التي يتصور
إثباتها
ونفيها، وهي التي
يتم التمييز على
ضوئها بين
الجرائم
بعضها البعض، وهي
التي تديرها
محكمة
الموضوع على حكم
العقل
لتقييمها، وتقدير
العقوبة
المناسبة لها.
بل إنه في
مجال تقدير
توافر القصد
الجنائي، فإن محكمة
الموضوع لا
تعزل نفسها عن
الواقعة محل الاتهام
التي قام
الدليل عليها
قاطعا واضحا، ولكنها
تجيل بصرها
فيها، منقبة
من خلال
عناصرها عما
قصد إليه
الجاني حقيقة
من وراء
ارتكابها. ومن
ثم تعكس هذه
العناصر
تعبيرا
خارجيا وماديا
عن إرادة
واعية. ولا
يتصور
بالتالي وفقا
لأحكام
الدستور أن
توجد جريمة في
غيبة ركنها المادي،
ولا إقامة
الدليل على توافر
علاقة
السببية بين
مادية الفعل
المؤثم، والنتائج
التي أحدثها
بعيدا عن
حقيقة هذا الفعل
ومحتواه. ولازم
ذلك أن كل
مظاهر
التعبير عن
الإرادة
البشرية -
وليس النوايا
التي يضمرها
الإنسان في
أعماق ذاته - تعتبر
واقعة في
منطقة
التجريم كلما
كانت تعكس
سلوكا خارجيا
مؤاخذا عليه
قانونا. فإذا
كان الأمر غير
متعلق بأفعال
أحدثتها
إرادة مرتكبها،
وتم التعبير
عنها خارجيا
في صورة مادية
لا تخطئها
العين، فليس
ثمة جريمة. وحيث إن من
المقرر أن
الأصل في
الجرائم، أنها
تعكس تكوينا
مركبا
باعتبار أن
قوامها تزامنا
بين يد اتصل
الإثم بعملها [an evil - doing hand]، وعقل
واع خالطها [an evil - meaning mind]
ليهيمن عليها
محددا خطاها، متوجها
إلى النتيجة المترتبة
على نشاطها، ليكون
القصد الجنائي
ركنا معنويا في
الجريمة [Mens Rea]
مُكملاً
لركنها المادي
[Actus Reus]، ومتلائما
مع الشخصية
الفردية في
ملامحها
وتوجهاتها. وهذه
الإرادة
الواعية هي التي
تتطلبها
الأمم
المتحضرة في
مناهجها في
مجال التجريم
بوصفها ركنا في
الجريمة، وأصلا
ثابتا كامنا في
طبيعتها، وليس
أمراً فجاً أو
دخيلاً
مقحماً عليها
أو غريباً عن
خصائصها. ذلك
أن حرية
الإرادة تعني حرية
الاختيار بين
الخير والشر.
ولكلٍ وجهة هو
مُوَلِّيها، لتنحل
الجريمة - في
معناها الحق - إلى
علاقة ما بين العقوبة
التي تفرضها
الدولة
بتشريعاتها، والإرادة
التي تعتمل
فيها تلك
النزعة
الإجرامية التي
يتعين أن يكون
تقويمها ورد
آثارها، بديلا
عن الانتقام
والثأر المحض
من صاحبها. وغدا
أمرا ثابتا -
وكأصل عام - ألا
يجرم الفعل ما
لم يكن إراديا
قائما على الاختيار
الحر، ومن ثم
مقصودا. ولئن
جاز القول بأن
تحديد مضمون
تلك الإرادة وقوفا
على ماهيتها، لازال
أمرا عسراً، إلا
أن معناها - وبوصفها
ركنا معنويا في
الجريمة - يدور
بوجه عام حول
النوايا
الإجرامية أو
الجانحة felonious intent أو
النوازع
الشريرة المدبرة
malice aforethought
أو تلك التي
يكون الخداع
قوامها fraudulent intent أو التي
تتمحض عن
علم بالتأثيم،
مقترناً بقصد اقتحام
حدوده guilty knowledge، لتدل
جميعها على إرادة
إتيان فعل
بغياً. وحيث إنه
لا ينال مما
تقدم، أن هذا
الأصل - وإن ظل
محورا
للتجريم - إلا
أن المشرع عمد
أحيانًا - من
خلال بعض
اللوائح، إلى
تقرير جرائم
عن أفعال لا
يتصل بها قصد جنائي،
باعتبار أن الإثم
ليس كامنا
فيها [malain se
[inherently wrong ولا تدل
بذاتها على ميل
إلى الشر
والعدوان، ولا
يختل بها قدر
مرتكبها أو
اعتباره، وإنما
ضبطها المشرع
تحديدا
لمجراها، وحداً
من مخاطرها mala prohibita وأخرجها
بذلك عن
مشروعيتها - وهي
الأصل - وجعل
عقوباتها متوازنة
مع طبيعتها، فلا
يكون أمرها
غلوا من خلال
تغليظها، بل
هينا في
الأعم. وقد
بدا هذا الاتجاه
متصاعدا إثر
الثورة
الصناعية التي
تزايد معها
عدد العمال
المعرضين
لمخاطر أدواتها
وآلاتها
ومصادر
الطاقة التي
تحركها، واقترن
ذلك بتعدد
وسائط النقل
وتباين قوتها،
وبتكدس المدن
وازدحام أحيائها،
وبغلبة نواحي
الإخلال
بالصحة
العامة وبوجه
خاص من خلال
الاتصال
بالمواد
الغذائية
سواء عند إنتاجها
أو توزيعها
وتداولها أو
بمراعاة
نوعيتها. وكان
لازما
بالتالي -
ولمواجهة تلك
المخاطر - أن
يفرض المشرع
على
المسئولين عن
إدارة الصناعة
أو التجارة
وغيرهم، قيودا
كثيرة غايتها
أن ينتهج
المخاطبون
بها سلوكا
قويما موحدا، ببذل
العناية التي
يتوقعها
المشرع من
أوساطهم، ليكون
النكول
عنها - وبغض
النظر عن
نواياهم دالا على
تراخي يقظتهم،
ومستوجبا
عقابهم. غير
أن تقرير هذا
النوع من
الجرائم في
ذلك المجال، ظل
مرتبطا
بطبيعتها
ونوعيتها، ومنحصرا
في الحدود
الضيقة التي تقوم
فيها علاقة
مسئولية بين
من يرتكبها، وخطر
عام، لتكون أوثق
اتصالا برخاء
المواطنين
وصحتهم وسلامتهم
في مجموعهم public welfare offenses وبإهمال
من قارفه
النوع
الرعاية التي تطلبها
المشرع منه
عند مباشرته لنشاط
معين، أو
بإعراضه عن
القيام بعمل
ألقاه عليه
باعتباره
واجبا، وبمراعاة
أن ما توخاه
المشرع من
إنشائها هو
الحد من مخاطر
بذواتها بتقليل
فرص وقوعها، وإنماء
القدرة على السيطرة
عليها والتحوط
لدرئها. ولا
يجوز بالتالي
أن يكون إيقاع
العقوبة
المقررة لها، معلقاً
على النوايا
المقصودة من
الفعل، ولا
على تبصر
النتيجة
الضارة التي
أحدثها foresee ability of the resulting harm، ذلك
أن الخوض في
هذين الأمرين
يعطل أغراض
التجريم، ولأن
المتهم - ولو
لم يكن قد
أراد الفعل - كان
باستطاعته أن
يتوقاه لو بذل
جهدا معقولا
لا يزيد وفقا للمقاييس
الموضوعية
عما يكون متوقعا
من الشخص
المعتادordinary reasonable man. وغدا
منطقيا بالتالي،
أن يتحمل
الأضرار التي
أنتجها، وأن
يكون مسئولا
عنها، حتى ما
وقع منها بصفة
عرضية أو مجاوزا
تقديره. ولازم
ما تقدم أن
هذا النوع من
الجرائم - وتلك
هي خصائصها - يعد
استثناء من
الأصل في
جرائم
القانون العام
التي لا تكتمل
مقوماتها إلا
باعتبار أن
القصد الجنائي
ركن فيها "ولو
كان المشرع قد
أغفل إيجابه" ذلك
أن هذه
الجرائم لها
من الخصائص
"ما يُشين
مرتكبها"
ويتعين أن
يكون قوامها
"تدخلا
إيجابيا
مقترناً
بالإرادة
الواعية التي
تعطي العمل
دلالته
الإجرامية" وبها يكون
العدوان في
الأعم واقعا
على حقوق
الأفراد أو
حرياتهم أو
ممتلكاتهم أو
حيائهم أو آدابهم
public decency and morality.
وحيث إن
النص المطعون
فيه - وإن كان
عقابيا - إلا
أنه خلا من
بيان الأفعال التي
أثمها، والتي
يعتبر إتيان المدعي
لها واقعا في
دائرة
التجريم، بل
جعل مسئولية
رئيس التحرير
الجنائية - وفي
الحدود
المنصوص
عليها في
المادة 195 من
قانون
العقوبات - هي
الأصل الذي
تتفرع عنه
مسئولية المدعي
جنائيا. وجاء
بذلك مخالفا
للدستور من
ناحيتين على
الأخص: أولاهما
أن الأصل في
النصوص
العقابية، أن
تصاغ في حدود
ضيقة narrowly
tailored
تعريفا
بالأفعال التي
جرمها المشرع،
وتحديدا
لماهيتها، لضمان
ألا يكون
التجهيل بها موطئا
للإخلال
بحقوق كفلها
الدستور
للمواطنين، كتلك
التي تتعلق
بحرية عرض
الآراء وضمان
تدفقها من مصادرها
المختلفة، وكذلك
بالحق في
تكامل
الشخصية، وأن
يؤمن كل فرد
ضد القبض أو الاعتقال
غير المشروع. ولئن جاز
القول بأن
تقدير
العقوبة، وتقرير
أحوال فرضها، مما
يدخل في إطار
تنظيم الحقوق،
ويندرج تحت
السلطة
التقديرية
للمشرع، إلا أن
هذه السلطة
حدها قواعد
الدستور.
ولازمها ألا
تكون النصوص العقابية
شباكا أو
شراكا يلقيها
المشرع متصيدا
باتساعها، أو بخفائها، من
يقعون تحتها، أو
يخطئون
مواقعها. ثانيهما
أن الأصل في
الجريمة، أن
عقوبتها لا يتحمل
بها إلا من
أدين كمسئول
عنها. وهي بعد
عقوبة يجب أن تتوازن "وطأتها"
مع طبيعة
الجريمة
موضوعها. بما
مؤداه أن الشخص
لا يزر غير
سوء عمله، وأن
جريرة
الجريمة لا يؤخذ
بها إلا
جناتها، ولا ينال
عقابها إلا من
قارفها، وأن
"شخصية
العقوبة"، "وتناسبها
مع الجريمة
محلها،" مرتبطتان
بمن يعد
قانونا "مسئولا
عن ارتكابها".
ومن ثم تفترض
شخصية العقوبة
- التي كفلها
الدستور بنص
المادة 66 - شخصية
المسئولية
الجنائية، وبما
يؤكد
تلازمهما. ذلك
أن الشخص لا
يكون مسئولا
عن الجريمة، ولا
تفرض عليه
عقوبتها، إلا
باعتباره
فاعلا لها أو
شريكا فيها.
وإذا كان ما
تقدم يعبر عن
العدالة
الجنائية في
مفهومها الحق،
ويعكس بعض
صورها الأكثر
تقدما، إلا أن
ذلك لم يكن
غريبا عن
العقيدة
الإسلامية، بل
بلورتها
قيمها العليا،
إذ يقول تعالى
في محكم آياته
(قل لا تسألون
عما أجرمنا
ولا نسأل عما
تعملون) فليس
للإنسان إلا
ما سعى. وما
الجزاء
الأوفى إلا صنو عمله، وكان
وليد إرادته
الحرة، ناجما
عنها. وحيث إن
تحديد
الأفعال التي
كان ينبغي أن
تقوم عليها
الجرائم محل
الاتهام الجنائي،
ضرورة
يقتضيها
اتصال هذه
الجرائم
بمباشرة الصحافة
للمهام التي ناطها
الدستور بها.
وتوجبها
مباشرة
المحكمة
الدستورية
العليا لرقابتها
القضائية التي
تفصل على
ضوئها فيما
إذا كان الفعل
المؤثم قانونا
في نطاق جريمة
النشر، ينال
من الدائرة التي
لا تتنفس حرية
التعبير عن
الآراء إلا من
خلالها، أم
يعتبر مجرد
تنظيم لتداول
هذه الآراء
بما يحول دون
إضرارها بمصلحة
حيوية لها
اعتبارها. ذلك
أن الدستور
كفل للصحافة
حريتها بما
يحول - كأصل
عام - دون
التدخل في
شئونها، أو
إرهاقها
بقيود تؤثر في
رسالتها، أو
إضعافها من
خلال تقليص
دورها في بناء
مجتمعاتها
وتطويرها، متوخيا
دوما أن يؤمن
بها أفضل
الفرص التي
تكفل تدفق
الآراء
والأنباء
والأفكار
ونقلها إلى
القطاع الأعرض
من المواطنين a vehicle of information and opinion، ليكون
النفاذ إليها
حقا لا يجوز
أن يعاق، وباعتبار
أن الدستور
وإن أجاز فرض
رقابة محدودة
عليها، فذلك في
الأحوال
الاستثنائية،
ولمواجهة تلك
المخاطر
الداهمة التي
حددتها
المادة 48 من
الدستور. وحيث إن
اختصاص
السلطة
التشريعية بإقرار
القواعد
القانونية
ابتداء، وكذلك
تفويضها
السلطة
التنفيذية في
إصدارها في
الحدود التي
بينها
الدستور، لا يخول
إحداهما
التدخل في
أعمال أسندها
الدستور إلى
السلطة
القضائية وقصرها
عليها، وإلا
كان ذلك افتئاتا
على ولايتها، وإخلالا
ًبمبدأ الفصل
بين السلطات. وحيث إن
الدستور كفل
في مادته
السابعة
والستين الحق
في المحاكمة
المنصفة بما
تنص عليه من
أن المتهم
بريء حتى تثبت
إدانته في
محاكمة
قانونية تكفل
له فيها ضمانات
الدفاع عن
نفسه. وهو حق
نص عليه
الإعلان
العالمي
لحقوق الإنسان
في مادتيه
العاشرة
والحادية
عشرة التي تقرر
أولاهما أن
لكل شخص حقا
مكتملا، ومتكافئا
مع غيره، في
محاكمة علنية
ومنصفة، تقوم
عليها محكمة
مستقلة
محايدة، تتولي
الفصل في
حقوقه
والتزاماته
المدنية، أو
في التهمة
الجنائية
الموجهة إليه.
وتردد ثانيتهما
في فقرتها
الأولي حق كل
شخص وجهت إليه
تهمة جنائية، في
أن تفترض
براءته، إلى أن
تثبت إدانته
في محاكمة
علنية توفر له
فيها الضمانات
الضرورية
لدفاعه وهذه
الفقرة هي التي
تستمد منها
المادة 67 من
الدستور
أصلها، وهي
تردد قاعدة
استقر العمل على
تطبيقها في
الدول الديموقراطية،
وتقع في
إطارها
مجموعة من
الضمانات
الأساسية
تكفل
بتكاملها
مفهوما
للعدالة يتفق
بوجه عام مع
المقاييس
المعاصرة
المعمول بها
في الدول
المتحضرة. وهي
بذلك تتصل
بتشكيل
المحكمة، وقواعد
تنظيمها، وطبيعة
القواعد
الإجرائية
المعمول بها
أمامها، وكيفية
تطبيقها من
الناحية العملية.
كما إنها
تعتبر في نطاق
الاتهام
الجنائي
وثيقة الصلة
بالحرية
الشخصية التي
قضي الدستور
في المادة 41
بأنها من
الحقوق
الطبيعية
التي لا يجوز
الإخلال بها
أو تقييدها
بالمخالفة
لأحكامه. ولا
يجوز بالتالي
تفسير هذه
القاعدة تفسيرا
ضيقا، إذ هي
ضمان مبدئي
لرد العدوان
عن حقوق
المواطن
وحرياته
الأساسية، وهي
التي تكفل
تمتعه بها في
إطار من الفرص
المتكافئة، ولأن
نطاقها وإن
كان لا يقتصر على
الاتهام
الجنائي، وإنما
يمتد إلى كل
دعوي، ولو
كانت الحقوق
المثارة فيها
من طبيعة مدنية،
إلا أن
المحاكمة
المنصفة
تعتبر أكثر
لزوما في الدعوي
الجنائية، وذلك
أيا كانت
طبيعة
الجريمة، وبغض
النظر عن درجة
خطورتها. وعلة
ذلك أن إدانة
المتهم
بالجريمة، إنما
تعرضه لأخطر
القيود على حريته
الشخصية
وأكثرها
تهديدا لحقه
في الحياة، وهي
مخاطر لا سبيل
إلى توقيها
إلا على ضوء ضمانات
فعلية توازن
بين حق الفرد
في الحرية من
ناحية، وحق
الجماعة في
الدفاع عن
مصالحها الأساسية
من ناحية
أخرى. ويتحقق
ذلك كلما أن الاتهام
الجنائي
معرفا
بالتهمة، مبينا
طبيعتها، مفصلا
أدلتها وكافة
العناصر
المرتبطة بها،
وبمراعاة أن
يكون الفصل في
هذا الاتهام
عن طريق محكمة
مستقلة
ومحايدة
ينشئها القانون،
وأن تجري
المحاكمة
علانية، وخلال
مدة معقولة، وأن
تستند
المحكمة في
قرارها
بالإدانة - إذا
خلصت إليها - إلى
موضوعية
التحقيق الذي
تجريه، وإلى عرض
متجرد
للحقائق، وإلى
تقدير سائغ
للمصالح
المتنازعة. وتلك
جميعها من
الضمانات
الجوهرية
التي لا تقوم
المحاكمة المنصفة
بدونها. ومن
ثم كفلها
الدستور في
المادة 67، وقرنها
بضمانتين
تعتبران من
مقوماتها، وتندرجان
تحت مفهومها، هما
افتراض
البراءة من
ناحية، وحق
الدفاع لدحض
الاتهام
الجنائي من
ناحية أخرى، وهو
حق عززته
المادة 69 من
الدستور
بنصها على أن
حق الدفاع
بالأصالة أو
بالوكالة
مكفول. وحيث إن
الدستور يكفل
للحقوق التي
نص عليها في
صلبه الحماية
من جوانبها
العملية، وليس
من معطياتها
النظرية، وكان
استيثاق
المحكمة من
مراعاة
القواعد
المنصفة آنفة
البيان عند
فصلها في
الاتهام الجنائي
تحقيقا
لمفاهيم
العدالة حتى
في أكثر
الجرائم
خطورة، لا
يعدو أن يكون
ضمانة أولية
لعدم المساس
بالحرية
الشخصية - التي
كفلها
الدستور لكل
مواطن - بغير
الوسائل
القانونية التي
لا يترخص أحد
في التقيد بها،
والنزول
عليها. وكان
افتراض براءة
المتهم يمثل
أصلا ثابتا
يتعلق
بالتهمة
الجنائية من
ناحية
إثباتها، وليس
بنوع العقوبة
المقررة لها، وينسحب
إلى الدعوي
الجنائية في
جميع مراحلها،
وعلى امتداد
إجراءاتها، فقد
غدا من الحتم
أن يرتب
الدستور على افتراض
البراءة، عدم
جواز نقضها
بغير الأدلة
الجازمة التي
تخلص إليها
المحكمة، وتتكون
من جماعها
عقيدتها. ولازم ذلك
أن تطرح هذه
الأدلة عليها،
وأن تقول هي
وحدها كلمتها
فيها، وألا
تفرض عليها أي
جهة أخرى
مفهوما محددا
لدليل بعينه، وأن
يكون مرد
الأمر دائما إلى
ما استخلصته
هي من وقائع
الدعوي، وحصلته
من أوراقها، غير
مقيدة بوجهة
نظر النيابة
العامة، أو
الدفاع
بشأنها. وحيث إنه على
ضوء ما تقدم، تتمثل
ضوابط
المحاكمة
المنصفة في
مجموعة من القواعد
المبدئية
التي تعكس
مضامينها
نظاما متكامل
الملامح، يتوخى
بالأسس التي
يقوم عليها، صون
كرامة
الإنسان
وحماية حقوقه
الأساسية، ويحول
بضماناته دون
إساءة
استخدام
العقوبة بما
يخرجها عن
أهدافها. وذلك
انطلاقا
من إيمان
الأمم
المتحضرة
بحرمة الحياة
الخاصة، وبوطأة
القيود التي
تنال من
الحرية
الشخصية.
ولضمان أن
تتقيد الدولة -
عند مباشرتها
لسلطاتها في
مجال فرض
العقوبة صونا
للنظام الاجتماعي
- بالأغراض
النهائية
للقوانين
العقابية التي
ينافيها أن
تكون إدانة
المتهم هدفا مقصودا
لذاته، أو أن
تكون القواعد
التي تتم
محاكمته على
ضوئها، مصادمة
للمفهوم
الصحيح
لإدارة
العدالة
الجنائية إدارة
فعالة. بل
يتعين أن
تلتزم هذه
القواعد مجموعة
من القيم التي
تكفل لحقوق
المتهم الحد الأدنى
من الحماية
التي لا يجوز
النزول عنها
أو الانتقاص
منها، وهذه
القواعد - وإن
كانت إجرائية
في الأصل - إلا
أن تطبيقها في
مجال الدعوي
الجنائية - وعلى
امتداد
مراحلها - يؤثر
بالضرورة على محصلتها
النهائية، ويندرج
تحتها أصل
البراءة
كقاعدة أولية
تفرضها
الفطرة، وتوجبها
حقائق
الأشياء، وهي
بعد قاعدة حرص
الدستور على إبرازها
في المادة 67
مؤكدا
بمضمونها ما
قررته المادة
11من الإعلان
العالمي
لحقوق
الإنسان على
ما سلف بيانه،
والمادة
السادسة من
الاتفاقية الأوربية
لحماية حقوق
الإنسان. وحيث إن أصل
البراءة يمتد إلى
كل فرد سواء
أكان مشتبها
فيه، أو متهما،
باعتباره
قاعدة أساسية
في النظام الاتهامي
أقرتها
الشرائع
جميعها - لا
لتكفل
بموجبها
حماية
المذنبين - وإنما
لتدرأ
بمقتضاها
العقوبة عن
الفرد إذا كانت
التهمة
الموجهة إليه
قد أحاطتها
الشبهات بما
يحول دون
التيقن من مقارفة
المتهم للواقعة
محل الاتهام، ذلك
أن الاتهام
الجنائي في
ذاته لا يزحزح
أصل البراءة
الذي يلازم
الفرد دوما
ولا يزايله،
سواء في مرحلة
ما قبل
المحاكمة، أو
أثنائها وعلى امتداد
حلقاتها، وأيا
كان الزمن
الذي تستغرقه
إجراءاتها.
ولا سبيل
بالتالي لدحض
أصل البراءة
بغير الأدلة التي
تبلغ قوتها الإقناعية
مبلغ الجزم
واليقين، بما
لا يدع مجالا
معقولا لشبهة
انتفاء
التهمة، وبشرط
أن تكون
دلالتها قد
استقرت
حقيقتها بحكم
قضائي استنفد طرق
الطعن فيه، وصار
باتا. وحيث إن
افتراض
البراءة لا يتمحض عن
قرينة
قانونية، ولا
هو من صورها، ذلك
أن القرينة
القانونية
تقوم على تحويل
للإثبات من
محله الأصلي -
ممثلا في
الواقعة مصدر
الحق المدعي
به - إلى واقعة
أخرى قريبة
منها متصلة
بها. وهذه
الواقعة
البديلة هي التي
يعتبر
إثباتها إثباتا
للواقعة
الأولي بحكم
القانون. وليس
الأمر كذلك
بالنسبة إلى البراءة
التي افترضها
الدستور. فليس
ثمة واقعة
أحلها
الدستور محل
واقعة أخرى، وأقامها
بديلا عنها innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption.It does not rest on any other proved facts, it is assumed
وإنما يؤسس
افتراض
البراءة على الفطرة
التي جبل
الإنسان
عليها، فقد
ولد حراً مبرءاً
من الخطيئة أو
المعصية.
ويفترض على امتداد
مراحل حياته
أن أصل
البراءة
لازال كامناً
فيه، مصاحباً
له فيما يأتيه
من أفعال، إلى
أن تنقض محكمة
الموضوع
بقضاء جازم لا
رجعة فيه هذا
الافتراض، على
ضوء الأدلة
التي تقدمها
النيابة
العامة مثبتة
بها الجريمة
التي نسبتها
إليه في كل
ركن من
أركانها، وبالنسبة
إلى كل واقعة
ضرورية
لقيامها، بما
في ذلك القصد
الجنائي
بنوعيه إذا
كان متطلبا
فيها. وبغير
ذلك لا ينهدم
أصل البراءة، إذ
هو من الركائز
التي يستند
إليها مفهوم
المحاكمة
المنصفة التي
كفلها
الدستور، ويعكس
قاعدة مبدئية
تعتبر في
ذاتها
مستعصية على الجدل،
واضحة وضوح
الحقيقة
ذاتها، تقتضيها
الشرعية
الإجرائية، ويعتبر
إنفاذها
مفترضاً
أولياً
لإدارة العدالة
الجنائية، ويتطلبها
الدستور لصون
الحرية
الشخصية في مجالاتها
الحيوية، وليوفر
من خلالها لكل
فرد الأمن في
مواجهة التحكم
والتسلط
والتحامل، بما
يحول دون
اعتبار واقعة
تقوم بها الجريمة
ثابتة بغير
دليل، وبما
يرد المشرع عن
افتراض
ثبوتها
بقرينة قانونية
ينشؤها.
وحيث إن
افتراض براءة
المتهم من
التهمة الموجهة
إليه - يقترن
دائما من
الناحية
الدستورية -
ولضمان
فعاليته - بوسائل
إجرائية
وثيقة الصلة
بحق الدفاع، من
بينها حق
المتهم في
مواجهة الشهود
الذين قدمتهم
النيابة
العامة
إثباتا للجريمة،
والحق في دحض
أقوالهم
وإجهاض
الأدلة التي
طرحتها بأدلة النفي
التي يعرضها، وكان
النص المطعون
فيه مؤداه أن
جرائم النشر التي
تقع من خلال
الصحيفة
الحزبية
تتعلق أساسا
برئيس
التحرير
ابتداءً، والمدعي
إلحاقاً
كرئيس للحزب الذي
يملك تلك
الصحيفة -
وبوصفهما
فاعلين
أصليين - وكان
هذان
المتهمان
مجابهين بهذه
الجرائم بافتراض
أن لهما دوراً
في إحداثها، وأنها
عائدة إلى
تخليهما عن
واجباتهما، فقد
غدا لازماً أن
يكونا
متكافئين في
وسائل دفعها.
غير أن النص
المطعون فيه
جرد رئيس
الحزب من وسائل
الدفاع التي
يُقيل بها
التهمة
المنسوبة
إليه، ولم
يكلف النيابة
العامة إثبات
مسئوليته
الجنائية عن
الجرائم محل
الاتهام، بل أعفاها
من ذلك، قانعا
بأن تدلل على
مسئولية غيره
ممثلا في رئيس
التحرير، لتقوم
المسئولية
الجنائية
لرئيس الحزب ترتيبا
عليها، وفي إطارها.
وهو ما يعني
أن رئيس الحزب
صار في - نطاق
مسئوليته
الجنائية
الشخصية - تابعا
لغيره في أمر
يرتبط بحريته
الشخصية التي لا
يجوز تقييدها
بأفعال
يأتيها الآخرون،
ويكون مصيره
معلقا عليها.
وآية ذلك أن
النص المطعون
فيه يقيم
المسئولية
الجنائية
لرئيس الحزب في
الحدود التي تنهض
بها المسئولية
الجنائية
الشخصية
لرئيس
التحرير، فإن
هو هدمها، أفاد
رئيس الحزب من
سقوطها، وإلا
تحمل تبعاتها
كاملة، وهو ما
يعتبر
تمييزاً
جائراً بين
المتهمين في
مجال الحقوق التي
يتمتعون بها
وفقا للدستور،
وعلى الأخص
على صعيد
محاكمتهم
بطريقة مُنصفة
في مقوماتها
وضوابطها، تتكافأ
من خلالها
فرصهم في
مواجهة
الاتهام الجنائي
ونفيه، مما
يخل
بمساواتهم
أمام القانون
وفقاً لنص المادة
40 من الدستور، ذلك
أن صور
التمييز
المجافية
للدستور وإن
تعذر حصرها، إلا
أن قوامها كل
تفرقة أو
تقييد أو
تفضيل أو استبعاد
ينال بصورة تحكمية
من الحقوق أو
الحريات التي
كفلها
الدستور أو
القانون، وذلك
سواء بإنكار
أصل وجودها أو
بتعطيل أو انتقاص
آثارها، بما
يحول دون
مباشرتها على
قدم من
المساواة الكاملة
بين المؤهلين
قانونا
للانتفاع بها.
وحيث إن
المسئولية
الجنائية التي
قررها النص
المطعون فيه في
شأن رئيس
الحزب، هي في
حقيقتها نوع
من المسئولية
بطريق القياس punishment by analogy فقد
ألحق المشرع
مسئولية رئيس
الحزب بمسئولية
رئيس التحرير،
وربطها بها، وجعلها
من جنسها، وأقامها
من نسيجها، وأضافها
إليها
لتتبعها
ثبوتاً
ونفيًا، وليحيلها
إلى مسئولية
مفترضة في كل
مكوناتها
وعناصرها، فلا
تقوم الجريمة
بها بناء على
أفعال محددة فصلها
المشرع
ناهياً رئيس
الحزب عن
إتيانها بما
لا غموض فيه [Material element]، ولا
على إرادة
واعية تعطيها
دلالتها
الإجرامية
وتوجهها وجهة
بذاتها لبلوغ
أغراض بعينها [Mental element]، وإنما
حسر المشرع عن
الجرائم التي
تقوم بها
مسئوليته، تلك
الخصائص التي ينبغي
أن تكون من
مقوماتها
لتمنحها
ذاتيتها، ذلك
أن مسئولية
رئيس التحرير
دون غيرها هي التي
تعد موطئاً
لمسئولية
رئيس الحزب، ودليلاً
عليها، بل
وبديلاً عن
ثبوتها، تنهض
معها وتزول
بزوالها، بما
يؤكد تضامم هاتين
المسئوليتين،
وأنهما في
حقيقتهما
مسئولية
واحدة، هي تلك
التي تقوم في
شأن رئيس
التحرير، وحملاً
عليها. وحيث إن
المسئولية
الجنائية
لرئيس الحزب
لا يتصور
تقريرها إلا
بناء على
افتراض مؤداه أن
الصحيفة
الحزبية
زمامها بيده، يستقل
بأمورها
ويهيمن عليها،
وأن إهمالا
وقع منه في
مجال تقييم ما
ينشر بها. وهو
افتراض لا يستقيم
وطبائع
الأشياء، وتأباه
العدالة
الجنائية
ويناهض
مقوماتها. وقواعد
إدارتها، وذلك
من وجهين:
أولهما أن هذا
الافتراض يعني
ألا تنشر مادة
في الصحيفة
الحزبية إلا
بعد عرضها
عليه، ليقوم
بتقييمها
وفقا لمعايير ذاتية
يستقل
بتقديرها
ومراجعتها، ويعبر
من خلالها عن
توجهه الخاص
لينفرد بالصحيفة
الحزبية
محددا إملاء
ما ينشر فيها،
ومن ثم يغدو
اختصاص رئيس
التحرير
منعدما في
نطاقها، فلا
يباشر
سلطاناً
عليها، وتصير
مسئوليته
عنها لغواً. وهو
ما يناقض
التنظيم العقابي
القائم. ذلك أن
مسئولية رئيس
التحرير وفقا
للنص المطعون فيه،
هي الأصل الذي
تقوم عليه، أو
تتفرع عنه، مسئولية
رئيس الحزب، وهو
ما يقتضى
إثباتها
ابتداءً
لتنهض بها ومعها
- وبقوة
القانون - مسئولية
رئيس الحزب.
ثانيهما أن
هذا الافتراض
لو صدق في شأن
رئيس الحزب، لكان
مؤداه أن تقوم
مسئوليته
الجنائية
استقلالاً عن
غيره، ولخصائص
ذاتية تكمن
فيها مُحددةً ملامحها
ولصار لازما
أن يراقب مادة
النشر في كل
جزئياتها، متخليا
بذلك عن
واجباته
الحزبية
بتمامها، وقوامها
أن يكون حزبه
أعرض قاعدة، وأكثر
نفوذاً، وأبعد
تطوراً، وأعمق
فهماً لأمال
أنصاره وطموحاتهم.
وحيث إنه
إذ كان ما
تقدم، فإن
النص المطعون
فيه يكون مخلا
بمبدأ
المساواة أمام
القانون، وبالحماية
الواجبة
للحرية
الشخصية، وبضمانة
الدفاع، وبشخصية
المسئولية
الجنائية، وكذلك
بالضوابط
الجوهرية التي
تقوم عليها
المحاكمة
المنصفة - بما في
ذلك افتراض
البراءة - ومجاوزاً
- فوق هذا - حدود
العلاقة بين
السلطتين
التشريعية
والقضائية. ومن
ثم مخالفاً
لأحكام
المواد 40، 41، 66، 67،
69، 165 من الدستور.
وحيث إن
إبطال
المحكمة
الدستورية
العليا لنص
الفقرة
الثانية من
المادة 15 من
قانون الأحزاب
السياسية
الصادر
بالقانون رقم
40 لسنة 1977، مؤداه
تجريدها من
قوة نفاذها، وزوال
الآثار
القانونية
المترتبة
عليها منذ
إقرارها، وامتناع
متابعة
الاتهام الجنائي
بمناسبة
تطبيقها، وكذلك
فصم العلاقة التي
فرضتها هذه
الفقرة بين
مسئولية رئيس
الحزب الجنائية،
ومسئولية
رئيس التحرير،
فلا يمتزجان
أو يتضاممان.
ولا يكون
ثمة محل - من
بعد - للنظر في
الحقوق
المدنية
المثارة في
الدعوى
الجنائية. ذلك
أن المدعي في
الدعوى
الدستورية هو
محركها، وهو
لا يكون
مسئولاً
بصفته
الحزبية عن
تلك الحقوق المدنية
إلا لتعويض
الأضرار
الناشئة
مباشرة عن
جريمة
ارتكبها، وأدين
عنها، ليكون
ثبوتها في حقه
قاطعاً
بوقوعها
ونسبتها إلى
فاعلها، ومشكلاً
ركن الخطأ في
المسئولية التقصيرية.
وإذ كان إبطال
النص العقابي الذي
أنشأ جريمة
النشر في حق
رئيس الحزب، يعني
انعدامها من
زاوية
دستورية، فإن
الحق في
التعويض عن أضرارها
يكون منتفيا. كذلك فإن
ما قد يكون
مطلوباً من
التعويض من
رئيس التحرير
عن جرائم
النشر التي
ارتكبها -
بفرض صحة
أساسها من
الناحية
الدستورية - لا
يقع عبؤه إلا
عليه وحده، متضامنا
- إن جاز ذلك
قانونا - مع من
يملكون
الصحيفة. ولا شأن
بالتالي
للمدعي بأداء
هذا التعويض. وحيث إنه
متى كان ذلك، فإن
الفصل في
دستورية نص
المادة 195 من
قانون
العقوبات -
سواء من زاوية
التهمة
الجنائية التي
نسبتها
النيابة
العامة إلى رئيس
الحزب بصفته، أو
من زاوية
الحقوق
المدنية التي
يمكن الرجوع
بها عليه - لا يكون
لازماً، ويكون
التدخل الانضمامي
في مجال الطعن
عليها، حريا
بالالتفات
عنه. فلهذه
الأسباب حكمت
المحكمة بعدم
دستورية نص
الفقرة
الثانية من المادة
15 من قانون
الأحزاب
السياسية
الصادر بالقانون
رقم 40 لسنة 1977
المعدل
بالقرار
بقانون رقم 36
لسنة 1979، وألزمت
الحكومة
المصروفات
ومبلغ مائة
جنيه مقابل
أتعاب
المحاماة. العودة للصفحة الرئيسية |