المحكمة
الدستورية
العليا قضية
رقم 6 لسنة 13قضائية المحكمة
الدستورية
العليا "دستورية" مبادئ
الحكم: أصل
البراءة - افتراض
البراءة - الحق
في محاكمة
منصفة - حق
الدفاع - حق
المعتقل في
إبلاغ الغير
- حقوق - دستور - دعوى
دستورية - قانون - مبدأ
المساواة نص
الحكم المحكمة
الدستورية
العليا بالجلسة
العلنية
المنعقدة 16 مايو
سنة 1992 م برئاسة السيد
المستشار
الدكتور/عوض
محمد عوض
المر رئيس
المحكمة والسادة
المستشارين/
محمد ولي
الدين جلال
وفاروق عبد الرحيم
غنيم وعبد
الرحمن نصير وسامي
فرج يوسف
ومحمد علي عبد
الواحد
والدكتور عبد المجيد
فياض أعضاء وحضور السيد
المستشار/
السيد عبد الحميد
عمارة المفوض وحضور
السيد/ رأفت
محمد عبد الواحد أمين
السر أصدرت
الحكم الآتي في
القضية
المقيدة
بجدول
المحكمة
الدستورية
العليا برقم 6
لسنة 13 قضائية
"دستورية". الإجراءات بتاريخ 12
يناير سنة 1991
أودع
المدعيان
صحيفة هذه
الدعوى قلم
كتاب المحكمة
طالبين الحكم بعدم
دستورية
المادة 15 من
قانون
المحاماة الصادر
بالقانون رقم
17 لسنة 1983. وقدمت
هيئة قضايا
الدولة مذكرة،
طلبت فيها
الحكم برفض
الدعوى. وبعد
تحضير الدعوى،
أودعت هيئة
المفوضين
تقريرا
برأيها. ونظرت
الدعوى على
الوجه المبين
بمحضر الجلسة،
وقررت
المحكمة
إصدار الحكم
فيها بجلسة
اليوم. المحكمة بعد
الاطلاع على
الأوراق،
والمداولة. حيث
إن الوقائع -
على ما يبين
من صحيفة
الدعوى وسائر
الأوراق -
تتحصل في أن
المدعي الثاني
كان قد أقام
الدعوى رقم 12074
لسنة 1989 مدني كلي
أمام محكمة
شمال القاهرة الابتدائية
ضد المدعى
عليهما
الثالثة والرابع،
وفيها حضر
المدعي الأول
مدافعا عن
المدعى الثاني،
وإذ نعى
المدعى
عليهما على
إجراءات الدعوى
بطلانها
استنادا إلى
أن المدعي
الأول كان
وزيرا سابقا
للعدل ويشغل
حاليا منصب
أستاذ
القانون
العام بجامعة
الإسكندرية،
ولا يجوز بالتالي
أن يمارس
المحاماة
أمام المحاكم
الابتدائية
عملا بنص
المادة 15 من
قانون
المحاماة
الصادر
بالقانون رقم
17 لسنة 1983، فقد
دفع الطاعن
بعدم دستورية
تلك المادة،
وصرحت له
المحكمة برفع
الدعوى
الدستورية،
فأقام الدعوى
الماثلة. وحيث
إن الفقرة
الأولى من
المادة 15 من
قانون المحاماة
المشار إليه
تنص على أنه
"لا يجوز لمن
ولي الوزارة
أو شغل منصب
مستشار بإحدى
الهيئات القضائية
وأساتذة
القانون
بالجامعات
المصرية، أن
يمارس
المحاماة إلا
أمام محكمة
النقض وما يعادلها
ومحاكم
الاستئناف
وما يعادلها
ومحاكم
الجنايات
ومحكمة
القضاء الإداري"
كما تنص
فقرتها
الثانية على
ألا يسري هذا
الحظر على
المحامين
المقيدين لدى
غير هذه
المحاكم وقت
صدور هذا
القانون. وتنص
فقرتها
الثالثة على أن
يقع باطلا كل
عمل يتم
بالمخالفة
لأحكام هذه المادة. وحيث
إن المدعين
ينعيان على
هذه المادة
مخالفتها لنص
المادتين 40، 69
من الدستور، التي
تكفل أولاهما
مبدأ
المساواة
أمام
القانون، وتقرر
الثانية أن حق
الدفاع أصالة
أو بالوكالة
مكفول، وذلك
قولا منهما
بأن النص المطعون
فيه حرم من
المرافعة لدى
المحاكم
الجزئية
والابتدائية:
الوزراء ومستشاري
الهيئات
القضائية
السابقين
وأساتذة
القانون
بالجامعات
المصرية،
وكفل في الوقت
ذاته لمن
عداهم من
المحامين
ممارسة المحاماة
لدى المحاكم
جميعها
وبالنسبة إلى
درجات التقاضي
على اختلافها،
مقيما بذلك
تمييزا
تحكميا بين
هؤلاء وأولئك رغم
تماثل
مراكزهم
القانونية
وخضوعهم جميعا
لذات
الواجبات التي
فرضها عليهم
قانون
المحاماة، وبالتالي
أخل هذا
التمييز بنص
المادة 40 من
الدستور وكذلك
بما كفلته
المادة 69 لكل
متقاض من الحق
في اختيار
محاميه الذي
يثق في قدراته
القانونية
ومستواه الخلقي.
هذا بالإضافة
إلى أن النص
المطعون فيه
يعكس انحرافا في
استعمال
السلطة
التشريعية في
ابلغ صوره
وأكثرها
مجافاة
للمصلحة
العامة وخروجا
عليها، ذلك أن
ما قصد إليه
النص المطعون
فيه من استبعاد
فئة بذاتها من
المحامين من
المرافعة لدى المحاكم
الجزئية
والابتدائية،
لا يعدو مجرد
الرغبة في
التضييق
عليهم في
الرزق إضرارا
بهم ومحاباة
للآخرين، وهو
ما تؤكده
غرابة القيود التي
أتى بها النص
الطعين، إذ لا
تعرفها
تشريعات
النقابات
المهنية الأخرى. وحيث
إن ما ينعاه
المدعيان من
مخالفة النص
المطعون فيه
للمادة 69 من
الدستور في
محله، ذلك أن
الدستور نظم
حق الدفاع
محددا بعض
جوانبه مقررا
كفالته
كضمانة
مبدئية أولية
لعدم الإخلال
بالحرية
الشخصية
ولصون الحقوق
والحريات
جميعها سواء في
ذلك تلك التي
نص عليها
الدستور أو التي
قررتها
التشريعات
المعمول بها،
فأورد في شأن
هذا الحق حكما
قاطعا حين نص في
الفقرة
الأولى من
المادة 69 من
الدستور على
أن حق الدفاع
أصالة أو
بالوكالة
مكفول، ثم خطا
الدستور خطوة
أبعد بإقراره
الفقرة الثانية
منها التي تنص
على أن تكفل
الدولة لغير
القادرين
ماليا وسائل
الالتجاء إلى
القضاء
والدفاع عن
حقوقهم مخولا المشرع
بموجبها
تقرير
الوسائل
الملائمة التي
يعين بها
المعوزين على
صون حقوقهم
وحرياتهم من
خلال تأمين
ضمانة الدفاع
عنها، وهي بعد
ضمانة لازمة
كلما كان حضور
المحامي في
ذاته ضروريا
كرادع لرجال
السلطة
العامة إذا ما
عمدوا إلى
مخالفة
القانون
مطمئنين إلى
انتفاء
الرقابة على
أعمالهم أو
غفوتها، بما
مؤداه أن
ضمانة الدفاع
لا تقتصر
قيمتها العملية
على مرحلة
المحاكمة
وحدها بل تمتد
كذلك مظلتها
وما يتصل بها
من أوجه
الحماية إلى المرحلة
السابقة
عليها التي
يمكن أن تحدد
نتيجتها
المصير النهائي
لمن قبض عليه أو
اعتقل وتجعل
بعدئذ من
محاكمته
إطارا شكليا لا
يرد عنه ضررا،
وبوجه خاص
كلما أقر
بالخداع أو
الإغواء بما يدينه،
أو تعرض
لوسائل قسرية
لحمله على
الإدلاء بأقوال
تناقض مصلحته،
بعد انتزاعه
من محيطه
وتقييد حريته على
وجه أو آخر.
وتوكيدا لهذا
الاتجاه وفي
إطاره، خول
الدستور في
المادة 71 منه
كل من قبض
عليه أو اعتقل
حق الاتصال
بغيره
لإبلاغه بما
وقع أو
الاستعانة به
على الوجه الذي
ينظمه
القانون، بما
يعنيه ذلك من
ضمان حقه في
الحصول على
المشورة
القانونية التي
يطلبها ممن
يختاره من
المحامين، وهي
مشورة لازمة
توفر له سياجا
من الثقة
والاطمئنان،
وتمده
بالمعاونة
الفعالة التي تقتضيها
إزالة
الشبهات
العالقة به
ومواجهة
تبعات القيود التي
فرضتها
السلطة
العامة على
حريته
الشخصية. والتي
لا يجوز معها
الفصل بينه
وبين محاميه بما
يسئ إلى مركزه،
وذلك سواء
أثناء
التحقيق الابتدائي
أو قبله
وضمانة
الدفاع هذه هي
التي اعتبرها
الدستور ركنا
جوهريا في
المحاكمة
المنصفة التي
تطلبها في
المادة 67 منه
كإطار للفصل في
كل اتهام جنائي
تقديرا بأن
صون النظام الاجتماعي
ينافيه أن
تكون القواعد التي
تقررها
الدولة في
مجال الفصل في
هذا الاتهام
مصادمة
للمفهوم
الصحيح
لإدارة العدالة
الجنائية
إدارة فعالة،
وانطلاقا من أن
إنكار ضمانة
الدفاع أو فرض
قيود تحد منها
إنما يخل
بالقواعد
المبدئية التي
تقوم عليها
المحاكمة
المنصفة، والتي
تعكس نظاما
متكامل
الملامح
يتوخى صون
كرامة
الإنسان
وحماية حقوقه
الأساسية،
ويحول
بضماناته دون
إساءة
استخدام
العقوبة بما
يخرجها عن
أهدافها. كما
ينال الإخلال
بضمانة
الدفاع من أصل
البراءة، ذلك
أن افتراض
براءة المتهم
من التهمة
الموجهة إليه
يقترن دائما
من الناحية
الدستورية -
ولضمان
فعاليته -
بوسائل
إجرائية
إلزامية
تعتبر كذلك -
ومن ناحية
أخرى - وثيقة
الصلة بالحق في
الدفاع
وتتمثل في حق
المتهم في
مواجهة
الأدلة التي
قدمتها
النيابة
العامة
إثباتا
للجريمة،
والحق في
دحضها بأدلة النفي
التي يقدمها،
وهو ما جرى
عليه قضاء هذه
المحكمة
وقررته النصوص
الصريحة للتعديل
السادس
للدستور الأمريكي
والمادة 6 من
الاتفاقية
الأوروبية
لحقوق الإنسان.
متى كان ذلك،
وكانت الفقرة
الأولى من
الماد 67 من
الدستور التي
افترض
بموجبها
براءة المتهم
إلى أن تثبت
إدانته في
محاكمة
قانونية
تتوافر له
فيها ضمانات
الدفاع عن
نفسه، تعكس
الموازنة التي
أجراها بين حق
الفرد في
الحرية من
ناحية وحق
الجماعة في
الدفاع عن
مصالحها
الأساسية من
ناحية أخرى،
وكان المتهم
بجناية غالبا
ما يكون
مضطربا،
مهددا
بإدانته
بارتكابها
وبأن تفرض
عليه عقوبة
متناسبة مع
خطورة
الجريمة إذا
أساء عرض دفاعه
وأعوزته
الحجة
القانونية، وهو
ما يقع في
الأرجح إذا
حرم من حقه في
الاتصال
بمحاميه في
حرية وفي غير
حضور أحد، أو
افتقد
المعاونة
الفعالة التي
يقدمها، فقد
حتم الدستور
بنص الفقرة
الثانية من
المادة 67 أن
يكون لكل متهم
بجناية محام
يدير دفاعه ويوجهه
بما يصون
حقوقه ويكفل
من خلال
الأدلة الواقعية
والنصوص
القانونية
الحماية
الواجبة لها
سواء كان هذا المحامي
منتدبا أو
موكلا. والحق
أن دور ضمانة
الدفاع في
تأمين حقوق
الفرد
وحرياته يبدو
أكثر لزوما في
مجال الاتهام الجنائي
باعتبار أن
الإدانة التي
قد يؤول إليها
قد تفصل من
الناحية
الواقعية بينه
وبين الجماعة التي
ينتمي إليها
منهية -
أحيانا آماله
المشروعة في
الحياة،
ويتعين بالتالي
أن يكون حق
النيابة
العامة في
تقديم أدلة
الاتهام
موازنا
بضمانة
الدفاع التي يتكافأ
بها مركز
المتهم معها في
إطار النظام الاختصامى
للعدالة
الجنائية كي
يتمكن
بوساطتها من
مقارعة حجمها
ودحض الأدلة
المقدمة منها.
ولقد غدا أمرا
مقضيا أنه إذا
كان حق الدفاع
- في هذا
المجال - يعني في
المقام الأول
حق المتهم في
سماع أقواله،
فإن حق الدفاع
يغدو سرابا
بغير اشتماله
على الحق في
سماعه عن طريق
محاميه، ذلك
أن ما قد يبدو
واضحا في
الأذهان
لرجال
القانون،
يكون شائكا
محاطا بغلالة
كثيفة من
الغموض
بالنسبة إلى
غيرهم أيا كان
حظهم من
الثقافة
وبوجه خاص
إزاء الطبيعة
المعقدة لبعض
صور الاتهام
وخفاء
جوانبها المتعلقة
بالقواعد التي
تحكم الأدلة
بما يعزز الاقتناع
بأنه بغير
معونة المحامي
الذي يقيمه
الشخص
باختياره
وكيلا عنه إذا
كان قادرا على
الوفاء
بأتعابه أو
معونة من
تندبه المحكمة
له إذا كان
معسرا، فإنه
قد يدان بناء
على أدلة غير
متعلقة بواقعة
الاتهام أو
غير جائز
قبولها. وحيث
إن النصوص التي
أوردها
الدستور في
شأن حق الدفاع
على النحو
السالف بيانه
تتضافر
جميعها في
توكيد أن هذا
الحق ضمانة
أساسية يوفر
الدستور من
خلالها
الفعالية
لأحكامه التي
تحول دون
الإخلال
بحقوق الفرد
وحرياته بغير الوسائل
القانونية التي
يقرها
الدستور سواء في
جوانبها
الموضوعية أو
الإجرائية وهي
بعد حماية
تؤمن لكل
مواطن حماية
متكافئة أمام
القانون
وتعززها
الأبعاد
القانونية
لحق التقاضي الذي
قرر الدستور في
المادة 68
انصرافه إلى
الناس كافة،
مسقطا عوائقه
وحواجزه على
اختلافها،
وملقيا على
الدولة
بمقتضاه
التزاما
أصيلا بأن
تكفل لكل
متقاض نفاذا
ميسرا إلى محاكمها
للحصول على
الترضية
القضائية التي
يقتضيها
رد العدوان
على الحقوق التي
يدعيها أو
الإخلال
بالحرية التي
يمارسها،
وكان حق
الدفاع -
بالنظر إلى
أبعاده وعلى
ضوء الأهمية التي
يمثلها في
بلورة الدور الاجتماعي
للقضاء كحارس
للحرية
والحقوق على
اختلافها انتقالا
بمبدأ الخضوع
للقانون من
مجالاته
النظرية إلى تطبيقاته
العملية - قد
أضحى مستقرا
كحقيقة
مبدئية لا
يمكن التفريط
فيها، مندرجا في
إطار المبادئ
الأساسية
للحرية
المنظمة،
واقعا في نطاق
القيم التي
غدا الإيمان
بها راسخا في
وجدان
البشرية،
وكانت ضمانة
الدفاع بالتالي
لم تعد ترفا
يمكن التجاوز
عنه، فإن
التعلق
بأهدابها
الشكلية دون
تعمق لحقائقها
الموضوعية
يعتبر إنكارا
لمضمونها الحق
مصادما لمعنى
العدالة
منافيا
لمتطلباتها،
ومن ثم لم يجز
الدستور
للسلطة
التشريعية
إهدار هذا
الحق أو
الانتقاص منه
بما يعطل
فعاليته أو
يحد منها،
كاشفا بذلك عن
أن إنكار
ضمانة الدفاع
أو تقييدها
بما يخرجها عن
الأغراض
المقصودة
منها، إنما
يؤول في أغلب
صوره إلى
إسقاط
الضمانة التي
كفلها
الدستور لكل
مواطن في مجال
الالتجاء إلى
قاضيه الطبيعي،
ويعرض حق
الإنسان في
الحياة
والحرية
الشخصية
والكرامة
الواجبة لصون آدميته لمخاطر
مترامية في
أبعادها
عميقة في
آثارها، وهو
ما يعتبر هدما
للعدالة
ذاتها بما
يحول دون
وقوفها سوية
على قدميها،
سواء كان
الإنكار أو
التقييد
منصرفا إلى حق
الدفاع
بالأصالة -
بما يقوم عليه
من ضمان
الحرية
الكاملة لكل
فرد في أن
يعرض وجهة
نظره في شأن
الوقائع
المنسوبة
إليه وأن يبين
حكم القانون
بصددها - أم
كان متعلقا
بالدفاع
بالوكالة -
حين يقيم
الشخص
باختياره
محاميا يراه
أقدر على
تأمين
المصالح التي
يرمي إلى
حمايتها، على
أساس من
الخبرة
والمعرفة
القانونية
والثقة. وحيث
إن ضمانة
الدفاع وإن
كانت لا ترتبط
لزوما بمرحلة
المحاكمة
وحدها كما سلف
القول، إلا أن
الخصومة
القضائية
تمثل مجالها
الأكثر أهمية
من الناحية
العملية،
ومما يحتم
انسحابها إلى
كل دعوى سواء
كانت الحقوق
المثارة فيها
من طبيعة
مدنية أم كان
الاتهام الجنائي
موضوعها. ولقد
كان تقدير هذه
المحكمة لحق
الدفاع
وإقرارها
لأهميته
واضحا في مجال
تحديدها
للشروط التي
يتعين استجماعها
لاعتبار
العمل قضائيا،
وذلك بما جرى
قضاؤها من أن
القرار الذي
يصدر عن جهة
خولها المشرع
ولاية الفصل في
نزاع معين، لا
يكون قرارا
قضائيا إذا
كانت ضمانة
الدفاع غائبة
عن النصوص
القانونية التي
تنظم هذه
الولاية
وتبين حدودها. وحيث
إنه وإن صح
القول بأن
المعسرين لا
حق لهم في
اختيار
محاميهم، وإن
حقوقهم في
مجال ضمانة
الدفاع لا
تجاوز الحق في
تمثيل ملائم
يرعى مصالحهم
ويرد غائلة
العدوان عنها
عن طريق من
يندبون من
المحامين
لهذا الغرض،
فإن من الصحيح
كذلك أن اختيار
الشخص لمحام
يكون قادرا
على تحمل أتعابه،
إنما يتم في
إطار علاقة
قانونية
قوامها الثقة
المتبادلة
بين طرفيها،
ويتعين بالتالي
أن يظل الحق في
هذا الاختيار
محاطا
بالحماية التي
كفلها
الدستور لحق
الدفاع كي
يحصل من يلوذ
بهذا الحق على
المعونة التي
يطلبها
معتصما في
بلوغها بمن
يختاره من
المحامين
متوسما فيه أنه
الأقدر -
لعلمه وخبرته
وتخصصه - على
ترجيح كفته،
ذلك أنه في
نطاق علاقة
تقوم على
الثقة
المتبادلة
بين الشخص
ومحاميه،
فإنه يكون
مهيأ أكثر
للقبول
بالنتائج التي
يسفر عنها
الحكم في
دعواه، فضلا
عن أن حدود
هذه العلاقة
توفر لمن كان
طرفا فيها من
المحامين
حرية إدارة
الدفاع
وتوجيهه
الوجهة التي
يقدر أنها
الأفضل لخدمة
مصالح موكله في
إطار أصول
المهنة
ومقتضياتها.
وعلى ضوء هذه
الوكالة
القائمة على
الاختيار الحر
والتي يودع من
خلالها
الموكل بيد
محاميه أدق
أسراره وأعمق دخائله
اطمئنانا منه
لجانبه، يتخذ
المحامي قراراته
حتى ما كان
منها مؤثرا في
مصير موكله،
بل أن حدود
هذه العلاقة
تحمله على أن
يكون أكثر
يقظة وتحفزا في
متابعته
للخصومة
القضائية
وتعقبه
لمسارها ومواجهته
بالمثابرة
لما يطرح
أثناء نظرها مما
يضر بمركز
موكله فيها أو
يهدده، وبوجه
خاص كلما كان
الحكم
بالإدانة
أكثر احتمالا
أو كانت
النتائج
المحتملة
للحكم في
النزاع بعيدة في
أثارها
العملية
والقانونية. وحيث
إن ضمانة الدفاع
قوامها تلك
المعاونة
الفعالة التي
يقدمها المحامي
لمن يقوم
بتمثيله، وهي
ترتد على
عقبيها إذا ما
حمل الشخص على
أن يختار
محاميا أقل
خبرة منحيا
بذلك -
وإعمالا للنص التشريعي
المطعون عليه -
من يقدر أنه
أكثر موهبة
وأنفذ بصرا.
متى كان ذلك،
فإن حق الشخص في
اختيار من
يوليه ثقته من
المحامين
يغدو لازما
لفاعلية
ضمانة الدفاع،
والانتقال
بها إلى آفاق
تعزز معاونة
القضاء في
مجال النهوض
بالرسالة التي
يقوم عليها،
وتحقق لمهنة
المحاماة
ذاتها تقدما
لا ينتكس بأهدافها
بل يثريها
بدماء الخبرة
والمعرفة وبغيرها
قد يؤول أمر
الدفاع - في
عديد من صوره -
إلى النمطية
العقيمة التي
لا إبداع
فيها، وإلى
إفراغ
متطلباته من
محتواها. وحيث
إنه إذ كان ما
تقدم، وكان
الأصل في
الحقوق التي
كفلها
الدستور أنها
لا تتمايز
فيما بينها، ولا
ينتظمها
تدرج هرمي
يجعل بعضها
اقل شأنا من
غيرها أو في
مرتبة أدنى
منها، بل تتكافأ
في أن لكل
منها مجالا
حيويا لا يجوز
اقتحامه
بالقيود التي
تفرضها
النصوص
التشريعية،
وكان هذا
المجال يتحدد
بالنسبة إلى
الحقوق التي
نص عليها
الدستور في
صلبه على ضوء
طبيعة كل حق
منها،
وبمراعاة
الأغراض
النهائية التي
قصد الدستور
إلى تحقيقها
من وراء إقراره،
وفي إطار
الرابطة
الحتمية التي
تقوم بين هذا
الحق وغيره من
الحقوق التي
كفلها
الدستور
باعتباره مدخلا
إليها أو
معززا لها أو
لازما لصونها،
وكان إنكار حق
الشخص في أن
يختار من
المحامين من
يقدر تميزه في
الدفاع عن
المصالح التي
يتوخى
تأمينها
والذود عنها،
لا يتمخض عن
مصلحة مشروعة
بل هو سعى إلى
نقيضها،
باعتبار أن
فعالية ضمانة
الدفاع
ينافيها ما قرره
النص المطعون
فيه من حرمان
فئة بذاتها من
المحامين -
الأصل أن
تتوافر لها
الخبرة
العريضة
والإحاطة
بفروع
القانون
المختلفة مع
تعمقها لأغوارها
وتقصيها
لدقائقها - من
مباشرة مهنة
المحاماة
أمام المحاكم
الجزئية
والابتدائية
وما في حكمها،
لمجرد كون
أفرادها
يشغلون وظيفة
بعينها أو كانوا
قائمين
بأعبائها،
وذلك لما ينطوي
عليه هذا النص
من إنكار حق
كل متقاض في
اختيار محام
من بينهم يكون
محل ثقته -
سواء في مجال
قدراته
القانونية أو
القيم التي يتحلى
بها أداء عمله
أو الكيفية التي
يواجه بها
مسئولياته
المهنية من
الناحية العملية
- وليس ذلك كله
إلا عدوانا
على حق الدفاع
ينال من
القيمة
العملية لحق التقاضي
مهدرا كذلك
مبدأ الخضوع
للقانون
ومجردا الحقوق
والحريات التي
نص عليها
الدستور من
أبرز
ضماناتها. ومن
ثم يكون النص
المطعون فيه
قد اقتحم
الحدود التي
رسمها
الدستور
مجالا حيويا
لحق الدفاع،
وأخل بالحقوق
الأخرى
المرتبطة به
برابطة وثيقة،
ووقع من ثم
باطلا. يؤيد
هذا البطلان
ما ينعاه
المدعيان -
بحق - على النص
التشريعي
المطعون فيه
من مخالفته مبدأ
المساواة
أمام القانون
المنصوص عليه في
المادة 40 من
الدستور ذلك
أن الدساتير
المصرية
المتعاقبة
بدءا بدستور 1923
وانتهاء
بالدستور
القائم، رددت
جميعها مبدأ
المساواة أما
القانون وكفلت
تطبيقه على
المواطنين
كافة،
باعتباره
أساس العدل
والحرية
والسلام الاجتماعي،
وعلى تقدير أن
الغاية التي
يستهدفها
تتمثل أصلا في
صون حقوق
المواطنين
وحرياتهم في
مواجهة صور
التمييز التي
تنال منها أو
تقيد
ممارستها،
وأضحى هذا
المبدأ - في
جوهره - وسيلة
لتقرير
الحماية
القانونية
المتكافئة التي
لا يقتصر نطاق
تطبيقها على
الحقوق
والحريات المنصوص
عليها في
الدستور، بل
ينسحب مجال
إعمالها كذلك
إلى الحقوق التي
يكفلها
المشرع
للمواطنين في
حدود سلطته
التقديرية،
وعلى ضوء ما
يرتئيه محققا
للمصلحة
العامة. ولئن
نص الدستور في
المادة 40 على
حظر التمييز
بين
المواطنين في
أحوال بينتها هي
تلك التي يقوم
التمييز فيها
على أساس من
الجنس أو
الأصل أو
اللغة أو
الدين أو
العقيدة، إلا
أن إيراد
الدستور لصور
بعينها يكون
التمييز
محظورا فيها
مرده أنها
الأكثر شيوعا في
الحياة
العملية ولا
يدل البتة على
انحصاره فيها
دون غيرها، إذ
لو صح ذلك،
لكان التمييز
بين
المواطنين
فيما عداها
جائزا
دستوريا، وهو
ما يناقض
المساواة التي
كفلها
الدستور
ويحول دون
تحقيق
الأغراض التي
قصد إليها من
إرسائها. وآية
ذلك أن من صور
التمييز التي
أغفلتها
المادة 40 من
الدستور ما لا
تقل في
أهميتها - من
ناحية
محتواها
وخطورة
الآثار
المرتبة عليها
- عن تلك التي
عينتها بصريح
نصها؛
كالتمييز بين
المواطنين - في
مجال الحقوق التي
يتمتعون بها
وفقا لأحكام
الدستور أو في
نطاق حرياتهم التي
يمارسونها
بمراعاة
قواعده -
لاعتبار مرده
إلى الملكية
أو المولد أو
الانتماء إلى
أقلية عرقية
أو عصبية
قبلية أو مركز
اجتماعي معين
أو الانحياز
إلى آراء
بذاتها أو
الانضمام إلى
جمعية أو
مساندة
أهدافها أو
الإعراض عن تنظيم
تدعمه الدولة
وغير ذلك من
أشكال التمييز
غير المبررة
مما يؤكد أن
صوره
المختلفة التي
تناقض مبدأ
المساواة
وتفرغه من
محتواه،
يتعين
إخضاعها لما
تتولاه هذه
المحكمة من رقابة
دستورية. لما
كان ذلك، وكان
الدستور قد
كفل حق الدفاع
بالوكالة بما يعنيه
ذلك أصلا من
ضمان حق
الموكل في
فرصة مواتية
يؤمن من
خلالها
اختيار محام
يطمئن إليه
ويثق فيه - ما
دام قادرا على
أداء أتعابه -
وكان الحق في
هذا الاختيار
يلعب دورا
متميزا - سواء في
مجال فعالية
المعونة التي
يقدمها
الوكيل إلى
موكله أو
باعتباره
مكونا أساسيا لحق
الدفاع
بالوكالة في
مجالاته
العملية
الأكثر أهمية -
وكانت
المعاونة
الفعالة التي
يقدمها المحامي
في علاقته
بموكله أمام
المحاكم لا
تقتصر على درجاتها
العليا،
وإنما تمتد
إلى الخصومة
القضائية في
مراحلها
الأولى أمام
المحاكم
الجزئية أو
الابتدائية -
وما في حكمها -
وذلك لإرساء
أسسها من
البداية على
دعائم قوية
تؤمن مسارها
وترجح كفتها
سواء من ناحية
عناصرها
الواقعية أو
دعاماتها
القانونية
بما قد يضع
نهاية مبكرة
لها ويوفر
لموكله جهدا
يهدر ومالا
يتبدد إذا
استطال أمرها،
وكان المحامون
الذين منعهم
النص التشريعي
المطعون فيه
من مباشرة
المهنة أمام
المحاكم الجزئية
والابتدائية
وما في حكمها،
هؤلاء الذين
يشغلون وظيفة
معينة أو
كانوا يقومون
بأعبائها -
ولا يعتبرون
بسببها أقل
خبرة أو علما
بالقانون ممن
خولهم ذلك
النص حرية
ممارستها
أمام هذه
المحاكم
ذاتها بل هو مهيأون
للاضطلاع
بمسئولياتهم
المهنية
أمامها بالنظر
إلى خبراتهم
المتميزة
وأحاطتهم
المتعمقة
بعلم
القانون،
ولكونهم من
المقبولين
للمرافعة
أمام المحاكم
الأعلى درجة
وكان من المقرر
أن المحامين
ورجال القضاء
يلعبون معا دورا
متكاملا في
مجال ضمان
إدارة أفضل
للعدالة،
وأنه في مجال
مهنة
المحاماة،
فإن الحماية
الملائمة
لحقوق
الأفراد
وحرياتهم
مناطها أن
تزيل الدولة
من خلال
تنظيماتها
التشريعية
القيود غير
المبررة التي
تحول دون
النفاذ
الفعال إلى
الخدمات
القانونية التي
يقدمها
المحامون لمن
يطلبونها،
وكان مبدأ
المساواة
أمام القانون
مؤداه ألا يخل
المشرع
بالحماية
القانونية
المتكافئة
فيما بين
الأشخاص
المتماثلة
مراكزهم القانونية
- في حين حرم
النص التشريعي
المطعون فيه
الفئة التي
شملها الحظر
من الحق الذي
كفله لغيرهم
من المحامين -
دون أن يستند في
التميز بين
هاتين الفئتين
إلى مصلحة
مشروعة - بل
عمد إلى
نقيضها - فإن
هذا التميز
يكون مفتقرا
إلى الأسس
الموضوعية التي
تسوغه، ويكون بالتالي
تحكميا
ومنهيا عنه
بنص المادة 40
من الدستور. وحيث
إنه على ضوء
ما بسطناه
فيما تقدم
يكون حكم الفقرة
الأولى من
المادة 15 من
قانون
المحاماة الصادر
بالقانون رقم
17 لسنة 1983 مخالفا
للمواد 40، 67، 68، 69،
71 من الدستور.
إذ كان ذلك
وكانت
الفقرتان
الثانية
والثالثة من
المادة 15 من
قانون
المحاماة -
فيما تنصان
عليه من عدم
سريان الحظر
المشار إليه في
فقرتها
الأولى على
المحامين
المقيدين لدى
غير المحاكم
المنصوص
عليها في هذه
الفقرة وقت
صدور ذلك
القانون،
ووقوع كل عمل
يتم
بالمخالفة
لأحكام هذه
المادة باطلا -
مرتبطتين
بفقرتها
الأولى
ارتباطا لا
يقبل التجزئة،
إذ لا قوام
لهما بدونها
ولا يتصور
إعمالهما استقلالا
عنها، ومن ثم
فإنهما
يسقطان تبعا
لها. فلهذه
الأسباب حكمت المحكمة
بعدم دستورية
المادة 15 من
قانون المحاماة
الصادر
بالقانون رقم
17 لسنة 1983،
وألزمت
الحكومة
المصروفات،
ومبلغ مائة
جنيه مقابل
أتعاب
المحاماة. العودة للصفحة الرئيسية |