عن تأسيس المجلس وطريقة إدارة مناقشاته وحسن معاملة أعضائه من الجناب الخديوي، إلى البيك الكتخدا:1 لقد كان دأبنا إزاء كل أمر مما يتعلق بالمصالح المصرية وتقضي حكمة الحكومة بتنظيمه وتسويته أن نجتنب عند البت فيه الانفراد برأينا والاكتفاء بحكمنا، بل نحوّله على المجلس وفقاً لأصولنا المقررة وأسلوبنا المعلوم، كما قد جرت عادتنا إزاء كل شأن من الشئون المرهونة تسويتها بقرار المجلس، أن نحمل التسوية التي سوي بها على ما أبداه رجال المجلس من تضامن واتحاد، وما أظهره كل واحد منهم من سعي واجتهاد، وأن نعتبرها ويعتبرها معنا النظار والحكام كافة جديرة بالقبول، ليتاح لها أن توضع موضع التنفيذ والإجراء، وما دام هذا دأبنا وأسلوبنا، فإنه لواجب عليك محتوم الأداء وفرض مستلزم الوفاء والقضاء، أن تراعى مقتضيات الحال، فتنسج في المجلس على هذا المنوال. كن في كل خطيرة وحقيرة من المسائل التي تقضي الأصول ببحثها في المجلس حريصاً على أن تحيلها برمتها على أعضاء المجلس، مفوضاً إليهم وحدهم أن يتصرفوا فيها حلاً وعقداً، وفتقاً ورتقاً ومتوقياً أن تسوق فيها حرفاً واحداً من الكلام قبل أن يبلغ المجلس من بحثها الختام، ومتوخياً كمال الدقة في التزام الإنصات لهم إذكاء لشوق المتكلمين منهم، حتى إذا فزع المجلس من تمحيصها، ورئيت الحاجة ماسة إلى التكلم فيها، فإياك أن تنسب الكلام إلى نفسك، بل انظر: فأي أعضاء كان في ملاحظته مصيباً، فإليه وجه خطابك، قائلاً: إن رأيي أنا الآخر لموافق لرأيك، وإني لأراك قد أحسنت التدابير وأجدت التقرير، ثم تناول من قوله ما كان مبهماً، فاخلع عليه بالنيابة عنه حلة من البيان، وما كان مجملاً فأوضحه عن لسانه حتى تجلوه للعيان، لئلا يطرأ على همته فتور، ولا يتطرق إلى نشاطه وهن أو قصور، ولتوفي كل أمر حقه من تداول الرأي والملاحظة، وتبلغ به غاية المقدور من البحث والمناقشة، وليحظ أعضاء المجلس في أثناء المناقشة وينعموا بمرتبة من الحرية والترخيص تضطرهم إلى إبداء آرائهم في غير مبالاة، وإلى الإدلاء بثمرة تدابيرتهم بدون ممالأة ولا محاباة، وذلك لأن اضطرارهم هذا يستوجب منهم الاهتمام بالمناقشة المحولة على عهدتهم، فيعيرون هذه المناقشة صميم عنايتهم، كما يستنجز تسويتهم لكل أمر من الأمور الموكول إليهم تسويتها، فيقدمون هذه التسوية بموجب ما تقضي إليه المناقشة، حتى إذا قيض لأحدهم أن يجد الحل المنشود أقبل الآخرون على إمضائه، فيكونون كلهم على اتحاد، سواء في استنباط الحل ومعرفته أو في صوغه ووضعه، وليس المراد سوى هذا الاتحاد الذي متى جعل دستوراً للعمل صدر حكم المجلس موفقاً للمرام، وتحققت الغاية المرجوة من نظامنا وأصولنا، ووفق كل ذي جهد إلى رؤية ثمرته، وهي ثمرة من شأنها أن تبعث في المجلس القوة وتسبغ على أعضائه العزة، حتى يصيب رأيهم من الغرض السويداء، وتكون تدابيرهم محمودة في نظر العقلاء، هذا وإلى جانب التزامكم حيالهم لكل هذه المعاملة الطيبة ينبغي عليكم كلما أنستم منهم استهتاراً بأمر المناقشة أن تفتحوا للسانكم باب الكلام فتخاطبوهم في إنصاف بما يناسب المقام، كأن تقولوا لهم: أيها الإخوان أيها الزملاء إن هذا المجلس منوط بكم، فما عرض فيه من أمر فمناقشته موكولة إليكم، وبحثه محول على عهدتكم، وأنا مأمور بأن أقتصر على الحضور بينكم وأضم قلبي إلى قلبكم فإن أنا تخلفت عنكم في ميدان القول ولزمت الصمت مراعاة لمقتضى الوظيفة فإني في ذلك لمعذور وما دامت هذه المصلحة مفوضاً أمرها إلى المجلس فإني مجبر على الإهابة بكم أن أبدوا فكرتكم وقولوا كلمتكم، فإن قدرتم مهمتكم ونطقتم بما تؤدون به واجب البحث والمناقشة، كنتم ملبين لدعوتي، مستمعين لكلمتي ناهضين بعملكم على وجه الإحسان والإتقان، وإن قعدتم دون إيفاء لوازم المجلس ولم تؤدوا للنعمة حقها، فما علي إلا أن أكتب إلى صاحب المجلس، فأبلغه الحقيقة وأنبئه بالواقع، فكونوا على هدى وبينة لكيلا ترموني يومئذ بالدعاوى الباطلة، حرضوهم واحداً واحداً بهذه الأقوال، أقنعوهم بوجوب الأخذ بهذا المثال فإن تلقوا شرطكم هذا بالقبول أعاروا نصحكم أسماع الرضى والانتباه فبها ونعمت وإلا فاكتبوا إلينا بفحوى الحال لنجد الوسيلة التي بها يقبلون ويسمعون ولنحافظ على ثمرات ما أنفقنا من السعي، فلا تضيع هباء ولا تذهب جفاء، وبالجملة فإن مما يحتمله الواجب أن ينظر بعين الرعاية إلى هذا الأسلوب الذي بينا أنه أعظم أساس لحكومتنا وأهم دعامة لمصلحتنا، وما أكثر ما بصرتك به الواجب ونبهتك إليه، فإنه يكن قولي لم يحظ منك بالإصغاء ولا لقى ما يستحقه من التنفيذ والإجراء، فإن قد أصبح لزاماً عليك من الآن فصاعداً أن تضعه نصب عينيك وتشمر لتحقيقه عن ساقيك وساعديك، وإن شيئاً سميناه قاعدة وأصولاً، وأجمعنا الرأي على إتباعه لجدير منك أيضاً بالإتباع والامتثال، وما دمنا محاذرين أن تمنى هذه الأصول بعوارض الإهمال والتعطيل، فجدير بك كذلك أن تحذر، فلا تمسها أو تعرض نفسك للندامة من أجلها. _______________________ 1- هو محمد بك لاظ أوغلي كتخدا جناب والى مصر، وتوفي إلى رحمة الله في 22 رمضان سنة 1242 هـ (18 ابريل سنة 1827). العودة للصفحة الرئيسية |