اللجنة المعنية بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية
الدورة الرابعة (1990)
التعليق العام رقم 2
التدابير الدولية للمساعدة التقنية (المادة 22 من العهد)
1- تنشئ المادة 22 من العهد آلية يمكن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بواسطتها أن يوجه انتباه هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة إلى أية مسائل تنشأ عن التقارير المقدمة بموجب العهد "ويمكن أن تساعد تلك الأجهزة، كلا في مجال اختصاصه، على تكوين رأي حول ملاءمة اتخاذ تدابير دولية من شأنها أن تساعد على فعالية التنفيذ التدريجي لهذا العهد". وفي حين أن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق المجلس بموجب المادة 22، فمن الواضح أن من الملائم للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن تقوم بدور نشط في تقديم المشورة والمساعدة إلى المجلس في هذا الصدد.
2- ويمكن تقديم توصيات، وفقا للمادة 22، إلى أي من "هيئات الأمم المتحدة وهيئاتهـا الفرعيـة والوكالات المتخصصة المعنية بتوفير المساعدة التقنيـة". وتـرى اللجنة أنه ينبغي تفسير ذلك الحكم بحيث يتضمن فعليا جميع أجهزة الأمم المتحدة والوكالات المشاركة في أي وجه من وجوه التعاون الإنمائي الدولي. ولذا، فقد يكون من الملائم أن توجه التوصيات الموضوعة بموجب المادة 22، من بين من توجه إليهم، إلى الأمين العام والأجهزة الفرعية للمجلس مثل لجنة حقوق الإنسان ولجنة التنمية الاجتماعية ولجنة مركز المرأة، وهيئات أخرى مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسيف ولجنة التخطيط الإنمائي، ووكالات مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي، وأي وكالات متخصصة أخرى مثل منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ومنظمة الصحة العالمية.
3- ويمكن أن يترتب على المادة 22 إما توصيات لها طابع السياسة العامة أو توصيات أدق تركيزا تتعلق بحالة معينة. وفي السياق الأول، قد يبدو أن الدور الرئيسي للجنة هو التشجيع على إيلاء اهتمام أكبر للجهود المبذولة لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار أنشطة التعاون الإنمائي الدولية التي تضطلع بها الأمم المتحدة ووكالاتها أو تقدم إليها المساعدة. وتلاحظ اللجنة في هذا الصدد أن لجنة حقوق الإنسان دعتها في قرارها 1989/13 المؤرخ في 2 آذار/مارس 1989 "إلى النظر في الوسائل التي يمكن بها لسائر وكالات الأمم المتحدة العاملة في ميدان التنمية أن تدمج في أنشطتها على أفضل وجه التدابير التي تستهدف تعزيز الاحترام الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
4- وتلاحظ اللجنة، كأمر عملي أولي، أنه مما يساعد مساعيها الخاصة، ومما يجعل الوكالات ذات الصلة أفضل إطلاعا أيضا، أن تولي تلك الوكالات اهتماما أكبر لعمل اللجنة. وفي حين تسلم اللجنة بأنه يمكن إظهار هذا الاهتمام بطرق شتى، فإنها تلاحظ أن حضور ممثلي هيئات الأمم المتحدة المناسبة في دوراتها الأربع الأولى كان ضعيفا جدا، باستثناء منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ومنظمة الصحة العالمية، وهو استثناء جدير بالذكر. وبالمثل، فقد تلقت اللجنة مواد ومعلومات مكتوبة وثيقة الصلة بالموضوع من عدد قليل جدا فقط من الوكالات. وترى اللجنة أن فهما أعمق لأهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سياق أنشطة التعاون الإنمائي الدولي سيتيسر إلى حد كبير من خلال زيادة التفاعل بين اللجنة والوكالات المناسبة. وعلى أقل القليل، فإن يوم المناقشة العامة لقضية محددة، وهو ما تضطلع به اللجنة في كل دورة من دوراتها، يوفر سياقا مثاليا يمكن الاضطلاع فيه بتبادل للآراء يمكن أن يكون مثمرا.
5- وبالنسبة إلى القضايا الأعم الخاصة بتعزيز الاحترام لحقوق الإنسان في سياق الأنشطة الإنمائية، لم تشهد اللجنة حتى الآن سوى دليل محدود على قيام هيئات الأمم المتحدة بجهود محددة. وتلاحظ اللجنة بارتياح في هذا الصدد المبادرة التي اشترك في اتخاذها كل من مركز حقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالكتابة إلى الممثلين المقيمين للأمم المتحدة وغيرهم من المسؤولين الميدانيين لدعوتهم إلى تقديم "اقتراحاتهم ومشورتهم، وعلى وجه الخصوص بشأن الأشكال الممكنة للتعاون في المشاريع الجارية [التي تم تعيينها] بوصفها ذات بعد من أبعاد حقوق الإنسان أو في المشاريع الجديدة التي تعد استجابة لطلب من حكومة معينة". وقد أبلغت اللجنة أيضا بالجهود الطويلة الأمد التي تضطلع بها منظمة العمل الدولية للربط بين المعايير في مجال حقوق الإنسان وغيرها من المعايير الدولية في مجال العمل التي وضعتها هي نفسها وبين أنشطة التعاون التقني التي تقوم بها.
6- وهناك، بالنسبة إلى تلك الأنشطة، مبدآن عامان لهما أهمية. الأول أن مجموعتي حقوق الإنسان لا تتجزآن ومترابطتان. وهذا يعني أنه ينبغي للجهود المبذولة لتعزيز إحدى مجموعتي الحقوق أن تأخذ في اعتبارها بالكامل المجموعة الأخرى أيضا. وينبغي لوكالات الأمم المتحدة المشاركة في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن تبذل أقصى ما بوسعها لكي تكفل اتساق أنشطتها تماما مع التمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وهذا يعني، من الناحية السلبية، أنه ينبغي للوكالات الدولية أن تتجنب، على نحو دقيق، المشاركة في مشاريع تنطوي، مثلا، على استخدام السخرة بما يتنافى مع المعايير الدولية، أو على تعزيز أو توطيد التمييز ضد الأفراد أو الجماعات بما يتناقض مع أحكام العهد، أو تنطوي على عمليات إخلاء أو تشريد واسعة النطاق للأشخاص دون توفير كل أشكال الحماية والتعويض المناسبة. ويعني، من الناحية الإيجابية، أنه ينبغي للوكالات، حيثما أمكن، أن تعمل على دعم المشاريع والنهج التي تساهم ليس فقط في التنمية الاقتصادية أو الأهداف الأخرى ذات التعريف الواسع، وإنما أيضا في التمتع المعزز بجميع حقوق الإنسان.
7- والمبدأ الثاني الذي له صلة عامة بالموضوع أن أنشطة التعاون الإنمائي لا تساهم تلقائيا في تعزيز الاحترام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالكثير من الأنشطة المضطلع بها باسم "التنمية" قد تبين فيما بعد أنها أنشطة لم يحسن التفكير فيها، بل إنها أنشطة معوقة من حيث حقوق الإنسان. وينبغي، من أجل تقليل حدوث مشاكل كهذه، أن يولى النظر، على نحو خاص ومتأن، في كل نطاق القضايا المعالجة في العهد، كلما أمكن ذلك وكان مناسبا.
8- ورغم أهمية السعي إلى إدماج الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان في الأنشطة الإنمائية، فمن الصحيح أن المقترحات الخاصة بهذا الإدماج يمكن بسهولة تامة أن تبقى على مستوى العموميات. وهكذا، وسعيا إلى تشجيع إضفاء الطابع العملي على المبدأ الوارد في المادة 22 من العهد، ترغب اللجنة في توجيه الانتباه إلى التدابير المحددة التالية التي تستحق أن تنظر فيها الهيئات الوثيقة الصلة بالموضوع:
(أ) ينبغي، من ناحية المبدأ، لأجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المناسبة أن تسلم على وجه الخصوص بالعلاقة الجوهرية التي ينبغي إنشاؤها بين الأنشطة الإنمائية والجهود الرامية إلى تعزيز الاحترام لحقوق الإنسان بصفة عامة، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصفة خاصة. وتلاحظ اللجنة في هذا الصدد قصور كل من استراتيجيات عقود الأمم المتحدة الإنمائية الثلاث الأولى عن إدراك تلك العلاقة، وتحث على ضرورة أن تصحح الاستراتيجية الرابعة، التي ستعتمد عام 1990، هذا الإغفال؛
(ب) ينبغي لوكالات الأمم المتحدة أن تولي الاعتبار للاقتراح الذي قدمه الأمين العام في تقرير في عام 1979
(1) بأن يطلب إعداد "بيان عن تأثير حقوق الإنسان" بالنسبة إلى جميع أنشطة التعاون الإنمائي الرئيسية.
(ج) ينبغي أن يشمل التدريب أو التوجيه المقدمين إلى موظفي المشاريع وغيرهم من الموظفين الذين تستخدمهم وكالات الأمم المتحدة عنصرا يعالج معايير حقوق الإنسان ومبادئها؛
(د) ينبغي بذل كل جهد ممكن، في كل مرحلة من مراحل أي مشروع إنمائي، لكفالة مراعاة الحقوق الواردة في العهد على النحو الواجب. وينطبق ذلك، مثلا، في التقييم الأولي للحاجات ذات الأولوية لبلد معين، وفي تحديد ملامح مشروع معين، وفي تصميم المشروع، وفي تنفيذ المشروع، وفي تقييمه النهائي.
9- ومن الأمور التي شغلت اهتمام اللجنة بوجه خاص أثناء بحث تقارير الدول الأطراف، الأثر المعاكس لعبء الدين ولتدابير التكيف ذات الصلة بالموضوع على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلدان كثيرة. وتسلم اللجنة بأنه كثيرا ما سيكون من غير الممكن تجنب برامج التكيف، وبأن هذه البرامج ستنطوي مرارا على عنصر تقشف رئيسي. بيد أنه، في ظل ظروف كهذه تصبح المساعي الرامية إلى حماية أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أكثر إلحاحا وليس العكس. وهكذا، ينبغي للدول الأطراف في العهد، علاوة على وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة، أن تبذل جهدا خاصا لكفالة أن تكون تلك الحماية، إلى أقصى حد ممكن، مدمجة في البرامج والسياسات المصممة لتعزيز التكيف. ومثل هذا النهج، الذي يشار إليه في بعض الأحيان باسم "التكيف ذي الوجه الإنساني" أو باعتباره يعزز "البعد الإنساني للتنمية"، يتطلب أن يصبح هدف حماية حقوق الفقراء والمعرضين للمخاطر هدفا أساسيا للتكيف الاقتصادي. وبالمثل، ينبغي للتدابير الدولية الخاصة بعلاج أزمة الديون أن تأخذ في اعتبارها تماما الحاجة إلى حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق جملة أمور منها التعاون الدولي. ومن الممكن، في كثير من الحالات، أن يشير ذلك إلى الحاجة إلى مبادرات رئيسية لتخفيف عبء الدين.
10- وأخيرا، ترغب اللجنة في توجيه الانتباه إلى الفرصة الهامة المتاحة للدول الأطراف، وفقا للمادة 22 من العهد، لكي تحدد في تقاريرها ما قد يكون لديها من حاجات خاصة إلى المساعدة التقنية أو التعاون الإنمائي.
ـــــــــــــــــــ
* وارد في الوثيقة E/1990/23.
(1) "الأبعاد الدولية للحق في التنمية باعتباره حقا من حقوق الإنسان يتصل بحقوق أخرى للانسان على أساس التعاون الدولي، بما في ذلك الحق في السلم، مع إيلاء الاعتبار لمتطلبات النظام الاقتصادي الدولي الجديد واحتياجات الإنسان الأساسية" (E/CN.4/1334، الفقرة 314).
|