اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدورة العاشرة 1994 بيان بشأن مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية وعلاقته بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 2- وتدخل نسبة كبيرة من قضايا جدول أعمال القمة الاجتماعية ضمن مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي اعترف بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 بصفة عامة ثم اعترف بها على وجه التخصيص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966. وتواجه القمة تحديات ذات طبيعة تقنينية وإجرائية في آن واحد. فالبُعد التقنيني ينطوي على تحديد وتشكيل المبادئ والأهداف والتوجهات والتحديات العامة في سياسة التنمية الاجتماعية على جميع المستويات. أما البعد الإجرائي فينطوي على "التنفيذ والمتابعة". 3- ولكل من هذين البعدين صلة فورية ومباشرة بالعهد، بحيث أن إهماله ستكون له نتائج سلبية كبيرة سواء من زاوية نظام حقوق الإنسان أو من زاوية الأسلوب الناشئ لمعالجة التنمية الاجتماعية. وسيكون استبعاد العهد أو وضعه في وضع هامشي دليلاً على استمرار فصل حقوق الإنسان عن قضايا التنمية الاجتماعية، وهو ما يتناقض تماماً مع الأسلوب المتكامل الذي كانت ضرورته موضع اعتراف متكرر. وبالمثل فإن إهمال آلية التطبيق والرصد التي أنشأها العهد ينطوي على خطر إحداث تكاثر لا فائدة منه في أساليب التطبيق غير الفعالة بدلاً من العمل على ضمان فاعلية الأساليب الموجودة بالفعل. 4- وقد ناقشت اللجنة التحضيرية لمؤتمر القمة أساليب عديدة لوضع مشروع إعلان ومشروع برنامج عمل، ومحتويات كل منهما. وقائمة "العناصر المذكورة لإدراجها في مشروع الإعلان". المرفقة بتقرير الدورة الأولى تكاد لا تترك هدفاً من الأهداف التي اعترف بها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أن تشير إليه، ولكن ليست هناك إشارة للعهد نفسه، ومعظم الأهداف المذكورة لا توصف بأنها من "حقوق الإنسان" بل توصف بأنها أهداف أو مبادئ. ومن الأمثلة الكثيرة التي يمكن ضربها على ذلك الإشارة في القائمة إلى مفهوم جديد "للأمن البشري" يعطي الأولوية "للأمن الشخصي للأفراد والمجتمعات استناداً إلى توفر قدر كاف من الدخل والتعليم والصحة والإسكان". وتقول نفس الفقرة "يجب أن تـُعتبر التنمية الاجتماعية حقاً..." ولكن لم يرد ذكر حقيقتين هما أن التنمية أصبحت بالفعل حقاً معترفاً به من حقوق الإنسان، وأن كل واحد من العناصر المكوّنة لهذا "المفهوم الجديد" كان موضع اعتراف في العهد بوصفه حقاً من حقوق الإنسان منذ زمن بعيد. 5- وهناك عدة عوامل مثل تضاؤل دور الدولة في مجتمعات كثيرة، وزيادة التأكيد على سياسات تحرير الاقتصاد والخصخصة، والاعتماد بدرجة كبيرة على آليات السوق الحرة، وعولمة جزء متزايد من كل الاقتصادات الوطنية، تتضافر كلها لتتحدى كثيراً من الافتراضات التي كان يعمل واضعو السياسات الاجتماعية على أساسها فيما سبق. والواقع أنه يتضح وضوحاً متزايداً أن هذه التغيّرات جعلت كثيراً من مناهج السياسات المحددة التي اعتمدها المجتمع الدولي في الثلاثين عاماً الماضية تقريباً موضع تساؤل بل إنها جعلتها في بعض الحالات متقادمة وغير صائبة. ولكن هذا الوقت الذي يحدث فيه تغيّر سريع غير متوقع في اقتصاد عالمي تماماً هو بالضبط الوقت الذي يستدعي إعادة تأكيد القيم الأساسية للعدالة الاجتماعية التي يجب أن يهتدي بها واضعو السياسات على جميع المستويات. وهذا ما تعترف به بوضوح ولاية القمة والمساهمات التي قدمها المشاركين فيها. 6- وعلى ذلك فإن السؤال الأول أمام القمة هو تعريف هذه القيم وكيفية إعادة تأكيدها بأفعل الوسائل. وينطوي ذلك على جانبين: أولهما الاعتراف بالمعايير الأساسية ثم التعرف على مبادئ ومناهج السياسات المحددة التي من شأنها أن تجعل لهذه المعايير مضموناً وتأثيراً. وفيما يتعلق بالجانب الأول لا غنى عن أن تكون نقطة البداية هي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما جاء فيه من حقوق معترف بها صراحة. وهناك أسباب قوية عديدة تؤيد هذا النهج: - صدق على العهد أو انضم إليه حتى الآن نحو 130 دولة؛ - وبذلك فإن الأغلبية العظمى من حكومات العالم قد قبلت طوعاً مجموعة من التعهدات القانونية الملزمة لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ - كما أن المطلوب من هذه الحكومات قانوناً أن تقدم تقريراً منتظما إلى جهاز رصد دولي تقع عليه مسؤولية رصد امتثال الحكومات للالتزامات التي تعهدت بها؛ - وردت الالتزامات نفسها بعبارات تقنينية واسعة ويقع على المجتمع الدولي وعلى الدول أنفسها تطوير تفاصيل الالتزامات المحددة التي تنشأ من كل حق من هذه الحقوق (تماماً مثلما حدث عند إعطاء محتوى معقول ومقبول على نطاق واسع لمفاهيم مثل "المحاكمة العادلة" و"الإجراءات الواجبة" و"التعسف" و"المعاملة اللاإنسانية" في سياقات أخرى تتعلق بحقوق الإنسان). 7- وقبل النظر في مسألة التنفيذ والمتابعة يكون من المناسب التساؤل لماذا كان العهد موضع إهمال كبير حتى الآن في التنمية الاجتماعية ولماذا يجب أن ينقلب هذا الإهمال في اتجاه عكسي. ويعود السبب الأول إلى عنصر الجدل السياسي الذي أحاط بالجهود الأولى لتعزيز واحترام حقوق الإنسان، وخصوصاً الجهود ذات الطبيعة الثنائية. فكثيراً ما كانت هذه الجهود لا تهتم اهتماماً كبيراً بالمعايير المقبولة دولياً والإجراءات الدولية المناسبة وكانت تميل إلى الثقة بفاعلية الجزاءات إلى حد المغالاة الكبيرة. والسبب الثاني هو أن الالتزامات الدولية الناشئة من معاهدات حقوق الإنسان كانت منذ قرابة عشر سنوات فقط غير مقبولة إلا من أقلية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ولكن هناك اليوم 150 دولة أصبحت أطرافاً في اتفاقية حقوق الطفل وحدها وأكثر من 170 دولة صدقت على واحدة أو أكثر من المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، أو انضمت إلى هذه المعاهدات. والسبب الثالث هو تأثير الحرب الباردة التي وضعت جزءاً كبيراً من المناقشة العامة في حقوق الإنسان ضمن سياق الجدل الإيديولوجي. وكان لذلك تأثير بوجه خاص في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتصويرها تصويراً خاطئاً على أنها لا تهم إلا البلدان الشيوعية أو فئة قليلة من البلدان النامية. 8- وعلى ذلك لم تعد صائبة تلك الدوافع التي كانت وراء الإحجام الكبير عن الإشارة بصراحة إلى التزامات حقوق الإنسان في مختلف استراتيجيات عقود التنمية، وفي سياقات أخرى تتصل بالتنمية الاجتماعية، بل أصبحت التعهدات الواردة في الإعلان وبرنامج العمل الصارين عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا وفي مجموعة أخرى من صكوك السياسة الدولية الحديثة (بما في ذلك إعلان الحق في التنمية) تـبرز كلها أهمية إدماج حقوق الإنسان مع الأهداف الإنمائية. 9- زد على ذلك أنه إذا كانت المعايير الأساسية التي ستظهر في نتائج عملية القمة الاجتماعية يمكن التعبير عنها بالرجوع إلى مفاهيم مثل "الحاجات الأساسية" أو "الفقر الشديد" أو "الأمن الإنساني" فلا شك أن استمرار الإكثار من هذه التعابير على أمل أن يؤدي الشعار الجديد إلى خلق واقع جديد هو أمر ينتج عكس المطلوب منه. وبدلاً من ذلك فقد حان الوقت للعودة إلى الأساسيات وإعادة تأكيد هذه القيم الأساسية باللغة التي قبلتها الغالبية العظمى من حكومات العالم قبولاً واضحاً والتي تنطوي على قوة تمكينية أكير بكثير مما في أي واحد من التعابير "الجديدة" التي يبدو (مؤقتاً) أنها واجبة في نظر كثير من أخصائيي التنمية ولكنها في نظر أصحاب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية المنكورة أو المهضومة لا تعني أكثر من شعارات براقة ولكنها غير مألوفة وفارغة من أي قوة على إحداث التعبئة أو التغير. 10- ولهذا فمن المقترح، في الإعلان الذي سيصدر عن القمة، اعتماد هدف بلوغ عالمية التصديق على العهد بحلول عام 2000 واستعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحددة التي اعترف بها العهد كإطار لأجزاء برنامج العمل التي ستتناول الأهداف والمقاصد. 11- وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن الحقوق قد صيغت في عبارات عامة نسبياً فسيكون من المفيد جداً في برنامج القمة تحديد أهداف فرعية وعلامات قياس، وغير ذلك من وسائل يمكن بواسطتها الاستمرار في تطوير جوهر الالتزامات الموضوعية المقابلة لتلك الحقوق. 12- وفيما وراء هذا البعد التقنيني سيكون أهم تحد يواجه القمة الاجتماعية ليس في إعادة تأكيد الالتزامات العامة التي كانت موضع تعهد عدة مرات في وثائق مثل الإعلان المتعلق بالتقدم الاجتماعي والتنمية، واستراتيجيات عقود التنمية الدولية الأربعة، والإعلان الصادر عن المؤتمر العالمي، وقمة الطفل، وإعلانات آلما آتا وجومتيين وفيينا وغير ذلك. بل بدلاً من ذلك سيكون التحدي هو استباط وسائل التنفيذ والمتابعة التي تنجح في أن تعطي مضموناً حقيقياً للبيانات حتى لا تنقلب إلى مجرد مجموعة أخرى من الأساليب البلاغية الرفيعة التي يستخف بها المراقبون والمشاركون على السواء. 13- ولا محالة، ولا غضاضة، أن تعتمد اللجنة التحضيرية المسؤوليات الواقعة على مختلف الوكالات والهيئات ضمن أسرة الأمم المتحدة من أجل رصد الالتزامات التي ستأتي في الإعلان سواء كانت قطاعية محددة أو غير ذلك. كما سيُطلب منها تعزيز دور لجنة التنمية الاجتماعية، وربما أيضاً دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وليس في هذه الأعمال ما يتعارض مع إسناد دور مركزي للجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في رصد الالتزامات الواردة في برنامج العمل والمتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتوجد عدة أسباب تبرر هذا النهج: - هناك نحو 130 دولة ملتزمة بالفعل بأن تقدم تقارير منتظمة للجنة عن مدى نجاحها أو عدم نجاحها في إعمال كل من الحقوق المعترف بها في العهد، بما في ذلك حق الحصول على شروط عمل معقولة، والضمان الاجتماعي، والغذاء، والسكن، والصحة، والتعليم والثقافة؛ - واللجنة نفسها، وإن كانت هي التي تتولى مسؤولية الرصد هذه، فإنها جهاز أنشئ بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهي تابعة له؛ وعلى ذلك يمكن توسيع ولايتها وتكييفها لمراعاة المهام الجديدة التي ستنشأ عن القمة الاجتماعية؛ - وهذا هو المحفل المثالي الذي يمكن فيه تحقيق التكامل بين التنمية الاجتماعية والاهتمام بحقوق الإنسان، والذي يمكن فيه الجمع بين جهود التعاون من مختلف الوكالات والهيئات في سياق غير سياسي تستطيع فيه الحكومات إثبات المساءلة الحقيقية عن أهداف التنمية الاجتماعية. 14- ومن الممكن إيراد حجة إضافية وإن كانت سلبية بعض الشيء، وهي أنه لا يحتمل أن يوجد جهاز آخر من أجهزة الخبراء يمكن أن تكون له السلطات الملزمة قانوناً التي تتمتع بها اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمساءلة الدول في هذا المجال. يُضاف إلى هذا أن إنشاء آلية إضافية منفصلة تتجاهل المسؤوليات الملقاة بالفعل على عاتق اللجنة سيؤدي لا محالة إلى ازدواج المهام، وهو ما تعهدت المنظومة بأن تتجنبه، هذا إلى جانب زيادة العبء المُلقى الآن على الحكومات التي عليها بالفعل أن تقدم تقارير إلى مجموعة ضخمة من المحافل الدولية. واللجنة تراعي في عملها تمام المراعاة المساهمات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة الأخرى، وكذلك مساهمات المنظمات غير الحكومية وسائر الخبراء. 15- ولهذا فمن المُوصى به أن تعهد القمة الاجتماعية بالمسؤولية الرئيسية عن رصد الالتزامات التي ستتعهد بها الدول في اجتماع كوبنهاجن إلى اللجنة المعنية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مع تعديل ولاية اللجنة وأساليب عملها وفقاً لذلك حتى تستوعب هذه المسؤوليات. _______________________ * وثيقة الأمم المتحدة E/1995/22، المرفق الخامس. - اعتمدته اللجنة خلال أعمال دورتها العاشرة المنعقدة خلال الفترة من 2 إلى 22 أيار/مايو 1994. العودة للصفحة الرئيسية |