هذه ترجمة أمينة باللغة العربية لكتاب "الأوراق الفدرالية" التي كتبها ثلاثة أعلام من أعلام الفكر السياسي الأمريكي وهم جيمس مادسون، والكسندر هاملتون، وجان جي. وقد نشرت هذه الأوراق التي بلغ عددها 85 ورقة في الصحف المحلية في ولاية نيويورك مخاطبة أهالي تلك الولاية منذ النصف الثاني من عام 1787 وحتى منتصف 1788 تقريباً. وسوف لن أكرر في هذه المقدمة الصغيرة ما جاء على لسان كتابها أو أعيد صياغة أهم أفكارهم، فهم وحدهم القادرون على إيصال أفكارهم للقارئ مباشرة وبلا وسيط، ولكنني سأكتفي هنا بذكر بعض من الدروس والتي من الممكن أن يستفيد منها القارئ العربي. وأرغب أن يعرف القارئ منذ البداية في أن يفكر في بهذه الأوراق كتجربة تستحق التعلم منها. وأود أن أذكر القارئ في هذا الجزء من العالم بالأهمية الكبيرة لهذه الأوراق خاصة وهو يستعد للانتقال للقرن الحادي والعشرين. الدرس الأول الذي يمكن تعلمه من هذه الأوراق هو كيفية التعلم من الأحداث التاريخية. فهذه الأوراق تذهب إلى أعمق من مجرد وصف الأحداث إلى تحليل الأسباب التي أدت إليها، فمثلاً ماذا يستطيع الشخص أن يتعلم من الديمقراطية اليونانية؟ كيف يمكن أن نتجنب تكرار حدوث نظام إسبارطة الديكتاتوري؟ ما هي الدروس الرئيسية التي يمكن أن نتعلمها من التجربة الرومانية؟ ما هي الأخطاء التي حصلت في العصور الوسطى؟ فهذه الأوراق لا تصف الأحداث فقط ولكنها تقترح الحلول من أجل عدم تكرار هذه الأخطاء. فهي تقترح دستوراً فدرالياً لتخفيف الآلام والشرور لأي نظام سياسي. الدرس الثاني الذي نتعلمه من هذه الأوراق هو أن الثورة التي تهدف إلى بناء دولة عصرية وأمة عصرية وتتوقف عند إعلان استقلالها، ليست بثورة. فهذه الأوراق تخبرنا بكل وضوح أن الثورة هي وسيلة وليس غاية بحد ذاتها، حيث يجب من خلالها تحقيق الحرية والعدالة والسعادة للجميع. فالثورة هي عملية مستمرة تغير قوانينها تبعاً لهذا العالم المتغير. وحيث أن الطبيعة محكومة بالقوانين المتغيرة، عليه يجب أن تساير قوانين الأرض هذا التغيير. وقد قامت الثورة الأمريكية من أجل تحقيق العدالة والازدهار على حسب قول كرين برنتون Crain Brinton في كتابه "الثورات الكلاسيكية "The Classical Revolution فهذه الثورة قامت ضد السلطة التي تحجب حرية الفرد وتمنعه سعيه من أجل تحقيق السعادة. فقد صارعت لإقامة نظام جديد لم يوجد مسبقاً. كانت ضد سلطة القوى الخارجية، أو سلطة الحكم الفرد. فقد كانت من الجميع وللجميع. الدرس الثالث الذي يمكن أن نستقيه من هذه الأوراق هو الطريقة التي يمكن للسياسيين وواضعي التشريع والمثقفين من خلالها خلق الوحدة من بين التنوع. فالنظام السياسي الأمريكي الفضفاض الذي برز بعد الثورة الأمريكية عام 1776 كاد أن يخلق صراعاً بين الثلاث عشرة ولاية حول المصالح الاقتصادية. فقد اقترح كتاب الأوراق "الأوراق الفدرالية" حلاً لهذه القضية: وهو الدولة الفدرالية، ولفتوا الانتباه إلى "أن أولئك الذين يدعون إلى الانفصال إنما يعملون ضد مصالحهم". الدرس الرابع، وهو درس مهم، فهو يفيد بأن لا شيء يمكن أن يؤخذ على أنه مسلّم به. فكل شيء يجب أن يخضع للتجربة. فالواقعية هي طريق حياة. والحالة تفرض طبيعة القانون وليس العكس صحيحاً. فقوانين العالم المتغير يجب أن تكون مستمرة التغير. ويجب أن تتوافر تفسيرات جديدة دائماً. هناك دروس كثيرة يستطيع المرء أن يتعلمها من هذه الأوراق. وأود هنا أن اقترح على القارئ العربي أن يتمعن في هذه الأوراق وأن يتعلم من الفلسفة السياسية التي تتضمنها.
المراجع د. أحمد ظاهر أربد – 25/1/1966 _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 7-8. العودة للصفحة الرئيسية |