الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 14 ديسمبر، 1787 إلى أهالي ولاية نيويورك: علاوة على النقائص التي سبق تعدادها في النظام الفدرالي القائم، هناك مساوئ أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها وتلتقي معها في جعل ذاك النظام غير صالح لإدارة شئون الاتحاد. فالحاجة إلى سلطة لتنظيم التجارة حاجة تعترف بها جميع الأطراف بصفتها واحدة من هذه المساوئ. والفائدة من هذه السلطة أمر تمت الإشارة إليه تحت العنوان الأول من تساؤلاتنا هذه؛ ولهذا السبب، وبتأثير الاعتقاد الشامل في العالم الذي عالج هذا الموضوع، تغدو الحاجة قليلة لبحثه في هذا الموضع. ومن الواضح تماماً، حتى من أشد النظرات سطحية إلى الموضوع، إنه ليس هنالك غاية أو هدف يحترم مصلحة التجارة أو الموارد المالية إلا ويتطلب بقوة أن يكون الإشراف على تلك السلطة في يد الاتحاد الفدرالي. ولقد عمل غياب ذلك من قبل كحاجز حال دون عقد معاهدات ذات منفعة لنا مع الدول الأجنبية، كما خلق مناسبات لعدم الرضا بين ولايات الاتحاد نفسها. ليس هناك أمة تعرف طبيعة الارتباط السياسي عندنا ثم تقبل أن تكون على قدر من عدم الحكمة فتدخل في التزامات مع الولايات المتحدة، متنازلة من طرفها عن امتيازات مهمة لها، في حين تعلم أن ارتباطها مع جزء من ذلك الاتحاد قد يتعرض للمساس به في أية لحظة من قبل أعضاء الاتحاد، وفي حين تجد، بحكم ممارستها، أن بمقدورها الحصول على جميع الفوائد التي تبتغيها في الأسواق دون أن تمنحنا أي مردود إلا ما تسمح به الظروف الآنية. ومن ثم فإنه لا عجب أن نجد المستر جانكنسون، عند تقديمه لائحة إلى مجلس العموم البريطاني لتنظيم الاتصال المؤقت بين بريطانيا والولايات المتحدة – يجعل مقدمة تلك اللائحة الإعلان عن أن شروطاً شبيهة بما في اللوائح السابقة قد وجدت تلبي كل أغراض تجارة بريطانيا العظمى، وأن من الحكمة أن يتم الإصرار في مشروع لائحته على ذلك حتى يتبين ما إذا كانت الحكومة الأمريكية قد تحصل أو لا تحصل على قدر أكبر من الثبات.1 لقد سعت عدة ولايات، عن طريق وضع موانع وقيود منفصلة واستثناءات من طرفها في أن تؤثر في سلوك تلك المملكة في هذا الخصوص، ولكن غياب التنسيق بين الولايات، والناتج عن عدم وجود سلطة عامة (تعالج الموضوع)، ونتيجة للتعارض واختلاف وجهات النظر فيما بين الولايات، قد أحبط حتى الآن كل تجربة من هذا النوع وسيظل ذلك الغياب يفعل ذلك طوال ما ظلت العقبات نفسها قائمة في وجه توحيد القوانين المتعلقة بذلك الأمر بين ولايات الاتحاد. إن تعليمات التدخل وعدم مراعاة حسن الجوار، التي تصدرها بعض الولايات، والمناقضة للروح الصادقة في الاتحاد، قد أثارت في أحيان مختلفة، سبباً عادلاً للامتعاض والتذمر في ولايات أخرى. وإنه ليخشى أن أمثلة من هذا القبيل، إذا لم يتم تداركها وإيقافها بتحكم وطني عام - سوف تتزايد وتتسع حتى تصبح مصادر خطيرة للعداوة وعدم الاتفاق لا أقل خطراً من العوائق الضارة للاتصال بين الأجزاء المختلفة من الكونفدرالية ذاتها. "إن تجارة الإمبراطورية الألمانية تظل تعاني تعقيدات موصولة جراء تضخم الضرائب التي يفرضها عدة أمراء وولايات يتقاضونها على البضائع المارة بممتلكاتهم، وبفعل ذلك تغدو النهيرات اللطيفة والأنهار الصالحة للملاحة التي من حسن حظ ألمانيا أنها متوفرة فيها – عديمة الفائدة تقريباً." ورغم أن عبقرية الشعب في بلدنا هذه لن تسمح أن ينطبق هذا الوصف علينا، فإننا وبقدر معقول، نتوقع من المصادمات التدريجية بين تعليمات الولايات أن تجعل معاملة مواطني كل منها في الولايات الأخرى، تتم آخر الأمر باعتبارهم لا أفضل من أجانب وغرباء. إن صلاحية تجهيز الجيوش، حسب أوضح فقرات تشكيل الكونفدرالية لهي مجرد سلطة الاتحاد أن يطلب من الولايات تقديم حصصها من الرجال. وقد وجد بالممارسة في الحرب الأخيرة أنها كانت تجربة مليئة بالمعوقات التي تعترض خلق نظام دفاع قوي واقتصادي في البلاد أيضاً. فلقد ولدت تلك الممارسة منافسة بين الولايات خلقت بدورها سوقاً للمزاد طلباً للرجال. فمن أجل توفير الحصص المطلوبة منها أخذت الولايات تزايد على بعضها حتى ارتفعت المكافآت المدفوعة إلى قدر هائل لا يمكن تحمله. وقد شكل الأمل في زيادة أعلى، منتظرة، إغراء لأولئك الذين كانوا مستعدين للانخراط في الخدمة وفاءً بلائحة تجنيدهم، وصرفهم عن التعاقد لفترات معتبرة آنذاك واجهنا تجنيداً بطيئاً، وبأعداد قليلة من الرجال، في أشد الظروف الطارئة خطراً على شؤون البلاد. كما واجهنا الخدمة لفترات قصيرة، وبكلفة لا موازي لها وواجهنا التذبذب المتواصل في عدد أفراد الكتائب، وهو أمر يدمر النظام فيها، كما يخضع السلامة العامة في البلاد إلى أزمة خطرة من جيش تم تسريحه. ومن ثم أيضاًً، واجهنا تلك العقبات التي تقوم في وجه تجهيز جيش، والتي تمت تجربتها في عدة مناسبات، والتي لا شئ غير الحماسة وتعشق الحرية هو وحده الذي دفع الشعب لتحملها. إن هذا الأسلوب في تجهيز الجيوش لهو صديق غير ودود للاقتصاد ولتوفير قوة الجيش بقدر لا أقل من كونه صديقاً غير ودود لتوزيع غير منصف للعبء. فالولايات القريبة من موقع الحرب، اندفاعاً منها للحفاظ على الذات، بذلت جهوداً لتوفير حصصها من الأفراد، وكانت تفوق قدراتها، في حين أن الولايات البعيدة عن الخطر كانت في الأغلب متراخية بقدر ما كانت الأخريات جاهدة في البذل. ولم يكن الضغط الفوري لعدم المساواة هذا في هذه الحالة كما كان في حالة دفع المساهمات المالية، والتي لطّف من أثرها الأمل في تصفية نهائية للموضوع. نعم قد تٌكلًّف الولايات التي لم تدفع أنصبتها من الأموال على الأقل بسداد عجوزاتها؛ لكنه ليس من المستطاع تقديم حساب عن النقص في عدد الرجال المطلوبين منها. ونحن، على كل حال، لا نرى سبباً معقولاً للشعور بالأسف على عدم وجود هذا الأمل، حين نفكر في ضآلة التصور، وفي أن معظم الولايات المنحرفة ستغدو قادرة على أن تعوض النقص في عجزها النقدي.. والحقيقة أن نظام الحصص والمتطلبات، سواء تم تطبيقه في حال الرجال أو الأموال، لهو بحد ذاته بلاهة في الاتحاد، بل نظام عدم إنصاف ولا عدالة فيما بين أعضائه. كذلك حق المساواة في الأصوات ما بين الولايات، فهو بدوره جانب استثنائي في الكونفدرالية. فكل فكرة ذات اعتبار نسبي، وكل قاعدة منصفة في التمثيل، تتظافر في رفض المبدأ الذي يمنح رودأيلند ثقلاً مساوياً في سلم السلطة لما يمنحه إلى ماساشوستس أو كونكتكت، أو نيويورك، ويمنح ديلاوير صوتاً مساوياً في المداولات الوطنية لولاية بنسلفانيا، أو فيرجينيا، أو كارولينا الشمالية. إن إعمال هذا النظام يناقض تلك البدهية الرئيسة في الحكم الجمهوري، والتي تتطلب أن تكون مشاعر الأكثرية هي التي يجب أن تسود. وقد تستطيع السفسطة أن تجيب بالقول: السيادات (بين الولايات) متساوية، والأكثرية في أصوات الولايات ستكون أكثرية في أمريكا الاتحادية. بيد أن هذا النوع من التحايل المنطقي لن يكون، بصورة من الصور، مقابلاً كفؤاً للاقتراحات البسيطة التي يطرحها العدل والحس العام، فقد يحصل أن تكون هذه الأكثرية في عدد الولايات هي أقلية ضئيلة من الشعب في أمريكا، ولن يطول إقناع ثلثي أهل أمريكا بصوابية الامتيازات الاصطناعية، والحذاقات اللفظية فيتنازلوا عن مصالحهم للإدارة، ويستغنوا عن ثلثهم. سوف تثور الولايات الأكبر بعد فترة ضد تسلم القانون من الولايات الأصغر منها. واسترضاءها عن خصوصية الأهمية المستحقة لها في السلم السياسي في الاتحاد، لن يجعله أمراً غير مقبول منها أن ترغب في تسلم السلطة، بل حتى في التضحية بالرغبة في المساواة. وليس عقلانياً أن نتوقع الأول، ولا عدلاً أن نطلب الأخير. فالولايات الأصغر، ناظرة إلى عظم أهمية سلامتها وصالحها العام واعتمادها على الاتحاد، من واجبها فوراً استنكار هذا الزعم الذي إذا لم يتم التخلي عنه، سيكون قاتلاً لاستمرار بقائها. ومن الممكن أن يثار الاعتراض على ذلك بأنه لا سبع ولايات بل تسع منها، أو ثلثا عدد الولايات ككل، هي التي يجب أن توافق على القرارات الأهم من غيرها. ومن هذا يمكن استنتاج أن تسع ولايات ستظل على الدوام تشكل الأكثرية في الاتحاد. لكن هذا لا يطمس عدم ملاءمة التساوي في الأصوات بين الولايات غير المتساوية من حيث المساحة ولا عدد السكان. كما أن الاستنتاج لن يكون دقيقاً تماماً في الحقيقة لأن بمقدورنا أن نذكر أسماء تسع ولايات تضم أقل من أكثرية المواطنين في الاتحاد؛2 ومن المسموح به دستورياً لهذه الولايات التسع أن تدلي بصوتها. وإلى جانب ما سبق، فإن هناك أموراً على قدر من الاستعجال يمكن الحسم فيها بالأكثرية المطلوبة. وهناك قضايا أخرى يدور حولها التساؤل، إذا ما أولت لصالح كفاية أصوات سبع ولايات، فإن مفعولها سوف يمتد إلى مصالح بالغة الأهمية. فإضافة إلى هذا يتوجب ملاحظة أن هناك احتمالاً في أن يزيد عدد الولايات، ولا شرط هناك ولا قيد على زيادة نسبة الأصوات. لكن هذا ليس كل شئ؛ فالذي يبدو لأول وهلة كأنه علاج، هو في الحقيقة سم ناقع. فإعطاء أقلية حق رفض ما تريده الأكثرية، والذي هو الحال حين يكون أكثر من الأكثرية هو المطلوب لإنقاذ قرار هو ميل إلى إخضاع رأي العدد الأكبر إلى رأي العدد الأقل. ولقد أصبح الكونغرس، جراء تغيب عدد قليل من الولايات، ولأكثر من مرة، في وضع مجلس الديات البولندي، حيث كان يكفي صوت بمفرده لإيقاف جميع تحركات الأعضاء الآخرين. إن جزءاً واحداً من ستين جزءاً في الاتحاد، والذي هو في حجمه قدر رودأيلند وديلاوير، قد استطاع في أكثر من مرة الوقوف حائلاً دون مضي الكونغرس في العمل. وهذه واحدة من التحسينات، التي تترك أثراً عكسياً في التطبيق على ما هو متوقع منها في النظرية. إن ضرورة الحصول على الإجماع في الهيئات العامة، أو على شئ مقارب له، قد أقيمت على أساس افتراض أن ذلك يساهم في ضمان الأمن. لكن عملها في الواقع هو إعاقة عمل الإدارة، وتدمير قدرة الحكومة، والاستعاضة باللذة، والجشع، والحيل البارعة من طرف عصبة مسيطرة لا أهمية لها، وكثيرة الاضطراب، أو فاسدة – عن المداولات المنتظمة والقرارات (الجادة) من لدن أكثرية جديرة بالاحترام. وفي الحالات الطارئة على أمة، حيث يكون حسن الإدارة أو سوءها، وقوة الحكومة أو ضعفها هو صاحب الأهمية العظمى – هناك في الغالب ضرورة للتحرك. إن على العمل العام بشكل أو آخر أن يتابع سيره قدماً. فإذا كانت أقلية مؤذية بمقدورها أن تتحكم في رأي الأكثرية، فيما يخص تسييرها، فإنه يغدو على الأكثرية أن تتمشى مع رأي الأقلية؛ وهكذا فإن آراء العدد الأقل سوف تطغى على رأي الأكثرية، مما يصبغ بذلك مجريات الأمور. ومن ثم تبرز التأخيرات المتعبة، والتفاوض الموصول والمكائد، وتتم التصالحات الداعية إلى الاحتقار، على حساب الخير العام، ومع ذلك، وفي نظام من هذا القبيل، سوف يكون حسناً أن تحصل مثل تلك التصالحات؛ ففي بعض المناسبات لن تتيح الأمور إجراء بعض التعديل، وبالتالي يتوجب تعليق قوانين الحكومة مع ما يترتب على ذلك من أضرار، أو إلغاؤها بالكلية. وبحكم عسر تطبيق ضرورة الحصول على موافقة العدد اللازم من الأصوات كثيراً ما تظل الحكومة في وضع غير فعال، إن وضعها على الدوام كمخلص للضعيف (من تحكم الغاشم) كثيراً ما يدفعها إلى أن تكون على حافة الوقوع في الفوضى. وليس من العسير اكتشاف أن مبدأ من هذا النوع يتيح مجالاً أكبر للإفساد الأجنبي من الخارج، كما يتيح مجالاً للانقسام في الداخل، وبقدر أكبر مما يتيح مجالاً للأكثرية أن تقرر وتحسم. مع أن نقيض ذلك هو المفروض. ولقد برزت الغلطة من إيلاء اهتمام زائد إلى الشرور التي قد تحصل جراء إعاقة تقدم الحكومة في العمل في بعض الأوقات الحرجة المعينة. فحين يكون توافق عدد كبير أمراً مطلوباً دستورياً لإصدار أية لائحة وطنية، نكون مستعدين للقعود قانعين أن كل شئ يجري بسلام، لأنه ليس من المحتمل أن يحدث أي شئ غير مناسب، لكننا ننسى قدر الخير الذي حيل دونه، وقدر السوء الذي يحتمل أن يحصل من جراء القدرة على إعاقة ما كان يجب أن يفعل، عن الفعل، وعن إبقاء الأمور في الوضع غير المواتي الذي قد يحصل أن تكون فيه الأمور في فترات خاصة. افرض، لمجرد المثل، أننا مشتبكون في حرب إلى جانب دولة أجنبية ضد دولة أجنبية أخرى، وافرض أن ضرورة الموقف تتطلب السلام، وأن مصلحة أو طموح حليفنا قادته إلى الاستمرار في الحرب، انطلاقاً من وجهات نظر تبرر لنا شروطاً منفصلة. في مثل هذا الوضع من الأشياء، سوف يجد حليفنا أنه من اليسير عليه، عن طريق الرشاوى والمكائد، أن يكبل يدي الحكومة عن بلوغ السلام، حيث إن ثلثي الأصوات ككل مطلوبة لبلوغ ذلك الهدف (السلام)، أكثر مما يجده حين تكون أصوات الأكثرية المطلقة تكفى لذلك. ففي الحالة الأولى، سيكون عليه إفساد عدد أقل، وفي الحالة الثانية سيكون عليه إفساد عدد أكبر. وتمشياً مع المبدأ نفسه، سيكون أسهل كثيراً على دولة أجنبية نخوض ضدها حرباً أن تشوش مجالسنا وتربك جهودنا. ومن وجهة النظر التجارية، يمكن أن نضطر إلى الخضوع إلى مضايقات مشابهة. إذ تستطيع دولة ما، يمكن أن نعقد معها معاهدة تجارية، وبسهولة كبيرة، إن تحول دون تشكيل ارتباط لنا مع دولة منافسة لها في التجارة، مع أن الارتباط قد يكون لصالحنا نحن. ولا ينبغي اعتبار شرور من هذا القبيل شروراً يصورها الخيال. كلا، فأحد الجوانب الهشة في النظم الجمهورية، بين حسناتها العديدة، هو كون تلك النظم تتيح منفذاً سهلاً للإفساد الوافد من الخارج. نعم، كثيراً ما يميل ملك، عن طريق الوراثة، إلى التضحية بأفراد رعيته في سبيل تحقيق مطامحه، لكنه تظل لديه مصلحة شخصية كبيرة في الحكم، وفي المجد الخارجي لأمته.. أي أنه ليس من السهل على دولة أجنبية أن تعطيه مكافئاً لما يطلب منه أن يضحي به عن طريق خيانته لدولته. ومن ثم فإن العالم قد شهد عدداً ضئيلاً من أمثلة هذا الصنف من عهر الملوك، ووفرة في عينات العهر الوطني من أصناف أخرى. في الجمهوريات، قد يجد أولئك الذين ارتقوا عن مستوى الجمهور بفضل الاقتراع العام من مواطنيهم، ونالوا مراكز رفيعة وجاهاً – تعويضاً لخيانتهم ثقة المواطنين فيهم، وتعويضاً يبدو، لغير أصحاب الفضيلة الأرفع، أنه يفوق مصلحتهم لدى الناس العاديين ويرجح التزامهم تجاه الواجب. ولهذا نجد التاريخ يزودنا بنماذج أليمة من نجاح الإفساد الخارجي في الحكومات الجمهورية، أما إلى أي مدى أسهم ذلك في تدمير حكومات الخير العام، فذاك شئ أميط اللثام عنه من قبل. ومن المعروف جيداً أنه تم شراء مندوبي الأقاليم المتحدة. في كثير من الأحيان، من قبل مبعوثي الدول المجاورة. فأمير شيسترفيلد (الذي يحمل لقب إيرل) – إذا لم تخني الذاكرة – يسر في رسالة بعثها إلى بلاطه أن نجاحه في مفاوضات مهمة كان يقوم بها إنما يعتمد على حصوله على عمولة كبرى لأحد مبعوثيه. وفي السويد، تم شراء الأحزاب فيها من قبل فرنسا وبريطانيا على التناوب.. جرى ذلك بصورة مكشوفة وفاضحة إلى درجة أن الأمر أثار احتقاراً شاملاً في أوساط الأمة، وكان سبباً رئيسياً في جعل أكثر ملك صلاحياته محددة في أوروبا، وفي يوم واحد، وبدون أية ضجة، ولا عنف، ولا معارضة، واحداً من أعظم ملوك أوروبا من حيث السلطة المطلقة التي ليس لها حدود. وهناك ملابسة تتوج مساوئ الكونفدرالية يتبقى علينا أن نذكرها – وهي غياب السلطة القضائية. إن القوانين حروف ميتة إذا ظلت دون محاكم تفسرها وتحدد معانيها وأعمالها. وكيما تغدو معاهدات الولايات المتحدة نافذة المفعول. أصلاً، لابد لها أن تعتبر جزءاً من قانون البلاد. وعلى مضمونها الحقيقي، بالقدر الذي يحترم فيه الأفراد المواطنين، شأن بقية القوانين الأخرى، أن يرسخ بقرارات قضائية. ومن أجل إكساب انسجام ووحدة بين تلك القرارات، يتوجب أن ترفع جميعها، آخر الأمر، إلى قاض أعلى يتوجب إنشاء مركزه من قبل ذات السلطة التي تعقد المعاهدات نفسها. وسلطته العليا وإنشاء مركزه عنصران لا يمكن الاستغناء عنهما. فلو كان في كل ولاية محكمة عليا للقضاء، لأصبح هناك قرارات مختلفة حول النقطة الواحدة بقدر عدد تلك المحاكم. ونحن نعرف أن هناك خلافات في آراء الرجال لا يحصرها عدد. وكثيراً ما نرى محاكم لا تختلف الواحدة منها عن الأخرى في الرأي فحسب، بل يختلف قضاة المحكمة نفسها الواحد منهم عن الآخر. ومن أجل تحاشي الفوضى التي لا مناص من حصولها نتيجة للقرارات المتعارضة التي يصدرها عدد من رجال القضاء المستقلين، وجدت جميع الأمم أن من الضروري أن تقيم الواحدة منها محكمة واحدة ترئس جميع غيرها، ويكون لها حق الإشراف العام، وسلطة الحسم وإصدار الحكم النهائي؛ وفق قاعدة موحدة من العدالة المدنية. تكون الحاجة إلى هذا أكثر ضرورة، حيثما يكون إطار الحكم موسعاً إلى درجة أن تغدو قوانين الكل مهددة بالتعارض من جانب قوانين أجزاء ذلك الكل. في هذه الحالة، إذا خول القضاة الأعلى الخاصون (بالولايات) حق إصدار الحكم النهائي، فإنه إلى جانب التناقضات التي يمكن توقع حدوثها بحكم الاختلاف في الرأي، سيكون هناك خشية كبيرة من تحيز إلى وجهات النظر المحلية، ومن التغرض، ومن تدخل التعليمات المحلية، أيضاً. وبقدر ما يمكن أن يحصل ذلك التدخل، ستكون الخشية من أن يتم تفضيل القوانين الخاصة على القوانين العامة، وذلك بفعل الإذعان الذي ينظر منه الناس بطبيعة الحال، إلى السلطة التي منها يصدر وجودهم الرسمي في الوظيفة. إن معاهدات الولايات المتحدة، حسب الدستور الراهن، معرضة لأن يتم خرقها من قبل ثلاثة عشر قضاء مختلفاً، بعدد المحاكم العليا المختلفة للقضاء، والتي تعمل في ظل سلطات التشريع هذه. ومن ثم فإن صدق الاتحاد، وسمعته، والسلام فيه بكامله تظل على الدوام تحت رحمة تحامل، وأهواء، ومصالح كل عضو في تلك المحاكم. فهل تتقبل الدول الأجنبية أن تحترم حكومة من هذا الصنف وتثق فيها؟ وهل يوافق أفراد الشعب الأمريكي بتسليم شرفهم، وسعادتهم، وسلامتهم إلى مثل هذا الأساس المشكوك فيه؟ في هذه المراجعة حول الاتحاد الكونفدرالي حصرت بحثي في عرض نقائصه الأساسية، ضارباً الصفح عن المساوئ الموجودة في تفصيلاته، تلك التفصيلات التي يزمع أن يوكل إليها قدر معتبر من السلطة يجعل الاتحاد مجهضاً إلى درجة كبيرة. وإنه ليجب في هذا الحين أن يكون واضحاً لدى جميع ذوي البصيرة سواء كانوا متحررين من حمل آراء مسبقة خاطئة، أو كانوا يستطيعون إزاحة تلك الأفكار، أن الاتحاد الكونفدرالي نظام شرير أصلاً، وأنه غير سليم، إلى درجة أنه لا يقبل التعديل إلا عن طريق تغيير كلي في معالمه والسمات الرئيسة فيه. إن تشكيل الكونغرس (الراهن)، هو في ذاته غير صالح بالكلية لممارسة هذه السلطات، والتي يجب بالضرورة أن تُمنح للاتحاد. إن جمعية تشريعية واحدة (أو مجلساً واحداً) قد تكون وعاءً (كافياً) لهذه السلطات الهزيلة، أو بالأحرى المكبلة، والتي تم تفويضها إليه حتى الآن، لكنه لا ينسجم مع جميع مبادئ الحكومة الجيدة بأن تعهد إليه سلطات إضافية يعترف حتى أشد المناوئين أنها يجب أن تستقر في الولايات المتحدة. إذا لم يتم تبني تلك الخطة، وإذا كانت ضرورة قيام اتحاد توجب أن تساير الأهداف الطموحة لدى أولئك الرجال الذين قد يجلبون مشاريع رائعة للتعظيم الشخصي من جرّاء حلّه – فقد نجابه عند ذاك فكرة إضفاء سلطات مساعدة إلى الكونغرس، سلطات يتم الآن جعلها دستورية. عندئذ إما أن تتفكك الماكينة، بحكم هشاشة تكوينها، فتغدو أجزاء، رغم جهودنا التي أسئ الحكم عليها، لدفعها؛ أو أننا بفعل زيادة قوته بصورة متلاحقة ورفد طاقاته، كما قد تستدعي الضرورة – سوف نراكم آخر الأمر في هيئة واحدة، جميع الشروط الأعظم أهمية من غيرها للسيادة. وبذلك نخلف لأحفادنا حكومة من أشد أنواعها مقتاً ظلت تفتن خيال الإنسان منذ الأبد. وهكذا، نكون في الحقيقة قد خلقنا ذلك الطغيان ذاته الذي يراود أعداء الدستور الجديد أن يتجنبوه، أو أنهم يسعون إلى ذلك. لم يسهم بقدر قليل في نواحي ضعف النظام الفدرالي القائم أنه لم يحظ بقبول أبداً لدى المواطنين. فاعتماده على أساس ليس أفضل من قبول عدة هيئات تشريعية، يظل عرضةً لتساؤلات متكررة ومعقدة حول سلطاته، وفد ولّد ذلك الاعتماد في بعض الأحوال ذلك المبدأ الهائل، مبدأ حق إبطال التشريع. بحكم جعل إقرار التشريع خاضعاً لقانون الولاية، فهو يؤكد أن السلطة نفسها تستطيع أن تبطل القانون الذي تم قبولها بفضله. ومهما كان قدر الهرطقة في قبول أن حزباً ما تجمع ما له الحق في إلغاء ذلك التجمع، فإن هذه القاعدة تلقى مدافعين عنها محترمين، وإمكان إثارة سؤال من هذا الصنف تثبت ضرورة وضع أسس لحكومتنا الوطنية تكون أرسخ من مجرد إقرار تفويض السلطة. إن نسيج الإمبراطورية الأمريكية يجب أن يستقر على أساس صلب من موافقة الشعب ورضاه، وعلى ينابيع السلطة الوطنية أن تنبثق مباشرة من ذلك النبع الصافي الذي هو كل السلطة الشرعية الأصيلة. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 154-164. 1- هذا ما اذكر أنه المعنى الذي قصده في خطابه حين قام بعرض تلك اللائحة. 2- أضف كونكتكت ونيويورك إلى السبع ولايات المذكورة، وستكون جميعها اقل من الأكثرية. العودة للصفحة الرئيسية |