الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 19 ديسمبر، 1787 إلى أهالي ولاية نيويورك: تجاه الصلاحيات المقترح أن تنقل إلى الحكومة الفدرالية، فيما يتعلق بإنشاء إدارة القوات الوطنية وتوجيهها، لم ألق إلا اعتراضاَ محدداً واحداً، إذا كنت أدركه جيداً هو ما يلي – ليس هناك شرط منصوص عليه ضد وجود جيوش دائمة في وقت السلم؛ وهو اعتراض سوف أسعى الآن لبيان أنه يقوم على أسس واهية وغير حقيقية ملموسة. لقد طُرح هذا الأمر في الواقع وبشكل غامض وعمومي، ولم تسنده إلا تأكيدات جريئة لا تتصف بسمة المناقشات العميقة؛ بل حتى دون تكريس من طرف الآراء النظرية؛ وذلك على النقيض لما تطبقه الأمم الحرة الأخرى، والحس العام في أمريكا أيضاً كما تم التعبير عنه في معظم الدساتير القائمة. أما مناسبة هذه الملاحظة وسلامتها، فستبدو لحظة ما يتذكر المرء أن الاعتراض، بعد إعمال الفكر، إنما يعود إلى حاجة افتراضية لكبح السلطة التشريعية للأمة، في الفترة المتعلقة بالمؤسسات العسكرية؛ وهو مبدأ لم يُسمع به إلا في واحد أو اثنين من دساتير ولاياتنا، في حين رفضته دساتير الولايات الأخرى. لو قرأ غريب عن السياسة عندنا صحفنا في الوقت الحاضر، دون أن يسبق له تفحص الخطة التي يطرحها الميثاق، لأفضت به قراءته بصورة طبيعية إلى أحد استنتاجين: إما أن الميثاق يحوي نصيحة إيجابية بجيوش دائمة تظل قائمة في أوقات السلم فقط، أو أنه خول السلطة التنفيذية كامل الصلاحية في تجهيز الجيوش دون إخضاع استنسابه، بأي صورة من الصور، لإشراف السلطة التشريعية. ولو قام ذاك المرء نفسه بتمعن الخطة نفسها، فسيفاجأ حين يكتشف أن الأمر ليس على الاستنتاج الأول ولا الآخر، وإن كامل السلطة في تجهيز الجيوش إنما هي مستقرة في يدي السلطة التشريعية؛ لا السلطة التنفيذية، وأن التشريع يجب أن ينبثق من هيئة شعبية تتشكل من ممثلي الشعب الذين يتم انتخابهم بصورة دورية، وإنه بدلاً من النص الذي افترض هو أنه لصالح الجيوش الدائمة، يجب أن تكون هناك مواصفات محددة ومهمة فيما يتعلق بهذا الهدف حتى في استنساب السلطة التشريعية، ترد في البند الذي يحرّم حيازة الأموال للإنفاق على جيش لمدة أكثر من سنتين – وهو احتياط لو نُظر إليه عن قرب لظهر أنه ضمانة عظيمة وحقيقية ضد قيام المؤسسات العسكرية دون حاجة ظاهرة إلى قيامها. وحين يشعر ذلك المرء بخيبة الأمل في فهمه الأول، فأنا أفترض أن سيكون مستعداً للتمعن من جديد في تخميناته لمدة أطول. سيحدّث نفسه عند ذاك فيقول: من المستحيل أن يحصل كل هذا الرفض العنيف والمرضي دون سابقة غرّارة خادعة. لابد أن هذا الشعب، الشديد الحرص على حرياته، قد أدخل، في جميع نماذج الدساتير السابقة التي وضعها أشد الاحتياطات صرامة وتحديداً على هذه النقطة، والتي خلق حذفها من الخطة الجديدة كل هذا الخوف والجلبة. وإذا ما واصل ذلك الرجل، بتاثير هذا الانطباع، البحث في مراجعة دساتير عدة ولايات فما أعظم خيبة أمله حين يجد أن دستورين اثنين فقط منها جميعاً قد حويا تحريماً للجيوش الدائمة في أيام السلم، أما الأحد عشر دستوراً الأخرى فقد لاذت بالصمت العميق حيال هذا الموضوع، أو أقرّت بعبارات واضحة بحق السلطة التشريعية في أن تسمح بوجود تلك الجيوش. ومع هذا، وفي أي حال، سيغدو الرجل مقتنعاً أنه لابد أن يكون هناك أساس معترف به ومقبول للصرخة ضد هذه المسألة. ولن يكون بوسعه أن يتصور بينما لا يزال لديه مصدر لمعلومات لم يطّلع عليه، أنه لا شئ غير تجربة على سذاجة الشعب العامة هي التي أملت ذلك، إما بغرض مقصود من طرفها لأن تخدع، أو بفعل فيض من الحماسة للإفراط أكثر منه للإخلاص والصدق. وقد يقع في ظنه أنه من المحتمل أن يجد الاحتياطات التي كان يبحث عنها في التعاقد الأوّلي بين الولايات. هنا، آخر الأمر، سيتوقع أن يجد حلاً لهذا اللغز. ولا شك أنه سوف يلحظ بنفسه أن على الكونفدرالية الحالية، أن تحوي أشد الشروط صراحة ضد وجود المؤسسات العسكرية في أيام السلم؛ وأن التخلي عن هذا الأنموذج في نقطة مواتية قد فرض التذمر الذي يبدو أنه يؤثر في أبطال السياسة. ولو انكب الرجل على مسح نقدي حريص لبنود الكونفدرالية، فإن دهشته لن تزداد فحسب، بل سوف تكتسب مزيجاً من الشعور بالضعة عند الاكتشاف غير المتوقع أن تلك البنود، بدلاً من احتوائها على التحريم الذي بحث عنه، ومع أنها بإحاطة غيورة قد قيّدت صلاحية التشريع في الولاية فيما يتعلق بهذه النقطة، إلا أنها لم تضع قيداً واحداً على نظيرتها في الولايات المتحدة. وإذا صدف أن كان الرجل على قدر كبير من الحساسية والمعقولية، والمزاج الحاد، فإنه لن يتريث في التصريح بأن تلك التذمرات لم تكن إلا خبايا غير شريفة لمعارضة شريرة ومبدئية ضد خطة كان يجب، على الأقل، أن تلقى تفحصاً منصفاً وخيراً لدى جميع محبي بلادهم المخلصين! وإلا، كيف تم إغراء من وضعوا تلك الدساتير أن ينفثوا تلك الأحقاد والضغائن ضد تلك الخطة حول نقطة يبدو أنها تتفق مع الحس العام في أمريكا كما هو معلن في مختلف أشكال حكوماتها، ونقطة أضافت حتى حارساً جديداً وقوياً لم تعرفه أي من الدساتير الأخرى؟ وإذا صدف أن كان الرجل نقيضاً لما افترضناه، بل كان ذا مزاج هادئ ومشاعر نزيهة، فإنه سينفث تنهيدة على ضعف البشرية، وسيندب أنه في أمر مهم لسعادة الملايين قد وجد حسنات المسألة المطروحة إنما شوشت (أربكت) وتجوهلت جراء عقبات غير ودودة للحزم السليم غير المتحيز. ولن يستطيع مثل ذلك الرجل أن يتجاوز عن ملاحظة أن سلوكاً من هذا القبيل ينم إلى درجة كبيرة عن النية والقصد في تضليل الشعب بإثارة مشاعر الأفراد بدلاً من إقناعهم عن طريق المناقشة الموجهة إلى أفهامهم. لكنه مهما كان الاعتراض تافهاً كما تجده السابقات التي خبرناها فيما بيننا، فقد يكفي أن نلقي نظرة أقرب إلى ميزاته الذاتية. ومن تفحص الأمر عن قرب سيبدو أنه من غير اللائق أن تفرض كوابح أو قيود على حسن تمييز السلطة التشريعية فيما يتعلق بإنشاء المؤسسات العسكرية، وإذا ما فرضت جراء ضرورات المجتمع، فمن غير المحتمل أن تتم مراعاتها. إن محيطاً شاسعاً يفصل الولايات المتحدة عن أوروبا.. ومع هذا، فإن هناك اعتبارات معينة تحذرنا من الإفراط في الثقة بأمان بلادنا. فعلى جانبنا، وبامتداد بعيد أمام بلدنا، تتنامى مستوطنات خاضعة لسيطرة بريطانيا. وفي الجانب الآخر وعلى امتداد يلقي المستوطنات البريطانية تقوم مستعمرات ومؤسسات خاضعة لإسبانيا. ومن شأن هذا الوضع، وكوننا مجاورين لجزر الهند الغربية، الخاضعة لتلكما الدولتين، أن يخلق فيما بين الدولتين مصلحة مشتركة تجاه الممتلكات الأمريكية ومن ثم فإنه يجب أن تظل القبائل المتوحشة على حدودنا الغربية تعتبر أعداء طبيعيين لنا، وحلفاء طبيعيين لتلكما الدولتين، فهي تخشانا نحن أكثر مما تخشاهما، وتتأمل فيهما أكثر مما تتأمل منا. ولقد يسرت التحسينات في الملاحة الاتصال بين الأمم البعيدة، إلى درجة كبيرة وجعلتها جيراناً. وبريطانيا وأسبانيا دولتان بحريتان كبريتان بين دول أوروبا. ولا يجوز اعتبار الاتفاق المتنامي في وجهات نظر هاتين الدولتين في المستقبل أمراً غير محتمل. فالابتعاد المتزايد في الصلة يُنقص يوماً فيوماً قوة التحالف والاتفاق ما بين فرنسا وأسبانيا. ولدى السياسيين سبب كاف على الدوام لأن يعتبروا قرابة الدم رابطة واهية وارتباطاً غير مستقل. إن هذه الظروف متضافرة تحذرنا من المغالاة في اعتبارنا أنفسنا بمنجاة كلية عن الخطر. منذ قبل الثورة، بل منذ أول عهد السلام، ظل هناك على الدوام حاجة قائمة لإبقاء حاميات صغيرة على حدودنا الغربية. وليس هناك من يشك في أن هذه الحاميات ستظل موجودة ولا يمكن الاستغناء عنها، ولو لم يكن هناك إلا غارات الهنود وتعدياتهم للسلب والنهب. والأمر يوجب ان تزود هذه الحاميات من وقت لآخر بفصائل من الحرس الوطني أو كتائب دائمة على نفقة الحكومة. فالأمر الأول غير عملي، وإذا تسنى ذلك، ظل مؤذياً. فلن يصطبر أفراد الحرس الوطني طويلاً، إذا اصطبروا، أن يخضعوا لأن يسحبوا من مهنهم وبعيداً عن أسرهم للقيام بواجب هو أشد ما لا يتقبلونه في حال السلام المستقر. وإذا أمكن إقناعهم بذلك أو إكراههم عليه، فإن النفقات المتزايدة للخدمة المتكررة، وخسارة انقطاع الأفراد عن أعمالهم، ستشكل اعتراضات حاسمة على المشروع. وسيكون ذلك عبئاً وإضراراً بالناس كما أنه مدمر لمصالح الأفراد الخاصة. أما البديل الآخر واللجوء إلى الكتائب الدائمة على نفقة الحكومة فسيتزايد الأمر فيه حين تصبح كلفته كلفة جيش دائم في أوقات السلم؛ نعم، إنه جيش صغير، لكنه جيش حقيقي على الأقل رغم صغره. وهنا، يُتبين لنا بنظرة بسيطة إلى الموضوع عدم سلامة وضع قيد دستوري على تلك المؤسسات، والحاجة إلى ترك المسألة خاضعة لحسن تصرف السلطة التشريعية وحكمتها. وبالتناسب مع تزايد قوتنا، ربما أمكن القول، بل الواجب قوله على التأكيد، أن بريطانيا وأسبانيا ستزيدان قوتهما العسكرية في المنطقة المجاورة لنا. فإذا رغبنا ألا نكون معرّضين للوقوف في موقف غير محمي تجاه إهانتهما لنا واعتداءاتهما علينا، فسنجد أنه من الضروري أن نزيد من حامياتنا بنسبة ما إلى درجة تمنع المضايقات في المستوطنات الغربية. وهناك الآن، وسيكون في المستقبل، مواقع معينة، من شأن امتلاكها أن يضمن السيطرة على مناطق واسعة من الأرض. وأن يسهل غزو المناطق الأخرى في المستقبل. ويمكن الاستطراد إلى أن بعض هذه المواقع ستكون مفاتيح إلى التجارة مع قبائل الهنود. هل هناك من يرى أن من الحكمة ترك هذه المواقع في وضع تغدو فيه، في أية لحظة، عرضةً لأن تحتلها إحدى الدولتين القويتين المجاورتين؟ إن التصرف على هذه الشاكلة سيكون تنكراً لجميع بديهيات التعقل وحسن التدبير. إذا كنا ننوي أن نغدو أمة تجارية، بل حتى آمنين في هذا الجانب من المحيط الأطلنطي، فإن علينا أن نجهد، بأسرع ما نستطيع، في أن نمتلك أسطولاً. ومن أجل هذا الغرض يجب علينا أن يكون لدينا أحواض سفن ودور للصناعة. ولحماية كليهما يتوجب أن تتوفر لدينا تحصينات، بل ربما حاميات أيضاً. وحين تغدو أمة ما قوية في البحار فإنها تستطيع أن تحمي أحواضها وأساطيلها؛ وهذا يغني عن الحاجة إلى حاميات لهذا الغرض؛ أما حيث تكون المؤسسات البحرية لا تزال في مرحلة الطفولة، فإنه سيظل يوجد في جميع الاحتمالات، أنه لا يمكن الاستغناء عن حاميات غير كبيرة، لضمان السلامة من مخاطر التعدّيات لتدمير دور الصناعة وأحواض السفن، بل الأسطول نفسه أحياناً. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 171-176. العودة للصفحة الرئيسية |