الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 26 ديسمبر، 1787 إلى أهالي ولاية نيويورك: قد تحدث حالات تضطر فيها الحكومة الوطنية أن تلجأ إلى القوة.. ذاك أمر لا يمكن إنكاره، فقد ضمت الخبرة الخاصة لدينا دروساً علمتنا إياها أحداث الأمم الأخرى؛ مفادها أنه قد تحصل حالات طارئة في كل المجتمعات؛ وأن الفتن والانتفاضات هي، لسوء الحظ، آفات ملازمة للجسد السياسي كما هي الأورام والطفوح ملازمة لجسم الإنسان؛ وأن فكرة الحكم في جميع الأوقات بقوة القانون وحده (والتي قيل لنا أنها المبدأ الوحيد المسموح به في الحكم الجمهوري) ليس لها مكان إلا في أحلام اليقظة لدى دهاقنة السياسة الذين ينظر حكمتهم باحتقار إلى مواعظ الوقائع المجرّبة. إذا ما حصل أي من هذه الحالات الطارئة في أي وقت في ظروف الحكم الوطني، فلن يكون هناك علاج إلا استخدام القوة. أما الوسيلة التي يمكن استعمالها إذ ذاك فيجب أن تُجعل متناسبة مع مدى الأضرار. فإذا كانت الحالة اضطراباً طفيفاً في جزء صغير من ولاية، فإن المليشيا الدائمة فيها كفيلة بإخمادها؛ والمفروض بالطبيعة أن يكون أفرادها مستعدين للقيام بواجبهم. إن الثورة، أياً كان السبب المباشر لحدوثها تهدد نفوذ الحكومة كلها في بعض الأحيان. وسوف يدفع الحرص على السلام العام، إذا لم يفعل ذلك احترام حقوق الاتحاد جميع المواطنين الذين لم تصبهم عدوى الاضطراب إلى الوقوف في وجه مثيري الفتنة؛ وحين يتحقق لهم في الواقع أن الحكومة تسلك طريق يفضي إلى ازدهار المواطنين، فمن غير المنطق المعقول افتراض أنهم سوف يكونون غير ميّالين لذلك السلوك. أما إذا حصل نقيض ذلك وعمّ الاضطراب الولاية كلها، أو قسماً كبيراً رئيسياً منها، فإن استخدام نوع آخر من القوة (غير الميليشيا وأثر الرأي العام) يغدو أمراً لا مناص منه. ويبدو أن ولاية ماساشوستس وجدت أنه من الضروري أن تجهّز قوات عسكرية لإخماد الاضطراب في تلك الولاية، وإن ولاية بنسلفانيا، لمجرد التخوف من حدوث الفتنة بين طائفة من مواطنيها وطائفة أخرى، وجدت من المناسب أن تلجأ إلى ذّلك الإجراء ذاته. افرض أن ولاية نيويورك غدت ميالة لأن تعيد تطبيق قوانينها الخاصة على أهل فيرمونت. فهل كان سيكون لديها أمل بالنجاح في تلك المقامرة بجهود الميليشيا بمفردها؟ أما كانت ستجد نفسها مضطرة لتجهيز وإبقاء عدد أكبر من الأفراد في الجيش النظامي لتنفيذ مخططها ذاك؟ وإذا كان قبول السماح بضرورة اللجوء إلى قوة غير المليشيا، في حالات ذات طبيعة شاذة ينطبق على حكومات الولايات أنفسها، فلماذا يتم جعل ذلك اعتراضاً على وجودها ذاته على إمكان لجوء الحكومة الوطنية إلى ذلك في مواجهة تلك الضرورة، وفي الحالات المتطرفة القصوى؟ أليس من العجيب أن يكون الأشخاص الذين يعلنون ولاءهم للاتحاد نظرياً هم الذين يثيرون في معارضتهم الدستور المقترح أمراً ينطبق بعشرة أضعاف اعتباره على الخطة التي يكافحون من أجلها؛ وأمراً، بقدر أساسه من الصحة والصدق، هو نتيجة حتمية لأن يحصل في مجتمع مدني، على نطاق واسع؟ من الذين يرفض أن يفضل ذلك الاحتمال على المناكفات غير المنقطعة والثورات المتكررة التي هي السوط واللعنة الدائمة في حال الجمهوريات الصغيرة؟ دعنا نتابع هذا التفحص في ضوء آخر. افرض، عند غياب وجود نظام عام واحد، اثنان، أو ثلاث، أو حتى أربع كونفدراليات يتم تشكيلها، ألن تبرز هذه العقبة نفسها لتعترض عمليات أي من تلك الكونفدراليات؟ ألن تكون كل منها معرضة لأن تواجه نفس الأحداث، وحين تقع تلك الأحداث، ألن تكون مجبرة على اللجوء إلى الذرائع ذاتها للتمسك بصلاحياتها وسلطتها التي يُعترض عليها الآن في حكومة تشمل جميع الولايات؟ هل ستكون الميليشيا، في حال هذا الافتراض أكبر استعداداً أو أعظم قدرة على مساندة الفدرالية أكثر مما هي في حال الاتحاد العام؟ إن على جميع الرجال الطيبين والأذكياء، انطلاقاً من التفكير السليم، أن يقرروا بأن المبدأ الذي يقوم عليه الاعتراض ينطبق بالقدر نفسه على كل من الحالتين؛ وأنه سواء في حال الحكومة الواحدة لجميع الولايات أو الحكومات المختلفة لأجزاء متفرقة فيها، أو حكومات غير مترابطة عددها بقدر عدد الولايات، فإنه يظل هناك ضرورة، في بعض الأحيان، لاستخدام القوة تتشكل على نحو ما من أفراد الميليشيا لصيانة الأمن في المجتمع وضمان سيادة القانون ضد تلك الهجمات العنيفة عليه التي قد تبلغ درجة العصيان والثورة. وبصرف النظر عن جميع التعليلات المتعلقة بهذا الموضوع فإنه جواب كاف لأولئك الذين يطلبون شرطاً محدداً شاملاً يمنع إنشاء المؤسسات العسكرية في أوقات السلم أن يقال لهم إن السلطة بكاملها في الحكومة المقترحة سوف تكون في يدي ممثلي الشعب. هذا هو الأمر الأساس، والذي هو الضمان الفعال، في نهاية الأمر، لتأمين حقوق وامتيازات الأفراد المواطنين الذي يمكن الحصول عليه في مجتمع مدني. إذا خان ممثلوا الشعب مبادئهم فلن يبقى ملاذاً أبداً إلا في تنفيذ الحق الأصيل في الدفاع عن النفس الذي هو أرقى أشكال الحكم جميعها، والذي يمكن أن يكون مدى نجاحه ضد افتئاتات الحكام الوطنيين أكثر بكثير جداً من كونه ضد حكام ولاية بمفردها. فإذا غدا الموكلون بالسلطات العليا في ولاية واحدة، هم أنفسهم المغتصبين لحقوق الأفراد فيها، فإن الأجزاء المختلفة، والفرعية والمقاطعات التي تتكون فيها الولاية حين لا يجدون حكومة متميزة عن البقية في أي منها، لن يستطيعوا اتخاذ إجراءات للدفاع عن حقوقهم. عندئذ يتوجب على المواطنين أن يبادروا إلى حمل السلاح بصورة جماعية، دون تنسيق فيما بينهم ولا تنظيم في العمل، ودون موارد للإنفاق منها، إلا من شجاعتهم ويأسهم من إصلاح الحال. أما المغتصبون، المتسربلون بأشكال السلطة الشرعية، فكثيراً ما يسحقون الثورة وهي في طورها الجنينيّ. وكلما ضاق مدى اتساع الأرض زادت الصعوبة على الناس أن يشكلوا معارضة نظامية أو خطة منتظمة وسهل التغلب على مجهوداتهم المبكرة في هذا الخصوص. إذ ذاك يسهل الحصول على المعلومات عن استعدادهم وحركاتهم. بسرعة أكبر. كما يمكن توجيه القوة الحربية التي يمتلكها الغاصبون ضد الجزء الذي بدأت منه المعارضة بسرعة أكبر، كذلك الوضع في هذا الموقف يجب أن يتم توافق خاص في الظروف كيما يُضمن نجاح المقاومة الشعبية. إن العقبات التي تقف في وجه اغتصاب السلطة والتسهيلات التي تلقاها المعارضة تزداد مع ازدياد رقعة الولاية، شرط أن يعي المواطنون حقوقهم ويكونون مستعدين للدفاع عنها. ذلك أن القوة الطبيعية لدى الشعب في مجتمع كبير. مقارنة بالقوة الاصطناعية عند الحكومة، هي أكبر في المجتمع الصغير وأقدر على النهوض في وجه محاولات الحكومة لأن تؤسس طغياناً. أما في الكونفدرالية، فإن الشعب، دون مبالغة، يظل قادراً تمام القدرة على أن يكون المواطنون فيها هم سادة مصائرهم. إن السلطة هي دائماً ند منافس للسلطة، ولذا فإن الحكومة العامة في جميع الأحوال ستكون مستعدة لكبح محاولات اغتصاب السلطة في حكومات الولايات. وحين يلقي أفراد الشعب بقوتهم في إحدى الكفتين سيجعلون منها كفة راجحة على التأكيد. فإذا هوجمت حقوقهم من أي منهما فبمقدورهم استخدام الأخرى كواسطة للتعديل. ما أعظم حكمتهم حينذاك، عن طريق تقوية الاتحاد في أن يحفظوا لأنفسهم امتيازاً لا يمكن تقديره حق قدره أبداً. ومن السهل أن يتقبل الناس لبديهية في نظامنا السياسي أن تضمن حكومات الولايات، وفي جميع الظروف الزمان الكامل ضد الاعتداء على حريات الشعب، عن طريق السلطة الوطنية. ولا يمكن إخفاء نوايا الاغتصاب تحت قناعات الإدعاءات التي يجوز أن تنجو من النفاذ إليها واكتشافها من قبل الهيئات المنتخبة كما تنجو من جميع أفراد الشعب ككل. سيكون للمشرعين وسائل إعلام أفضل. وسيكون بمقدورهم أن يكتشفوا الخطر من بعد، وبحكم أنهم يسيطرون على جميع أجهزة السلطة المدنية ويمتلكون ثقة الشعب، فإنه يستطيعون على الفور أن يتبنوا خطة منتظمة للمعارضة يجمعون في أعطافها جميع موارد البلاد. وبمقدورهم بكل سهولة الاتصال ببعضهم في مختلف الولايات وأن يوحدوا قواتهم المشتركة لحماية حريتهم العامة أيضاً. ويشكل اتساع البلاد ضماناً آخر. وقد سبق أن جربنا فائدة ذلك في حال هجمات دولة أجنبية. وسيكون له نفس الأثر في حال مغامرات الحكام ذوي الطموح في المجالس الوطنية. وإذا استطاع الجيش الفدرالي أن يخمد المقاومة في ولاية واحدة، فإن الولايات القصية من الاتحاد ستكون قادرة على رفده بقوات إضافية جديدة. فالمكاسب التي تم الحصول عليها في مكان واحد يجب التخلي عنها لإخضاع المعارضة في أمكنة أخرى؛ وفي اللحظة التي يترك فيها الموقع الذي سُحقت ثورته، فإن جهود الخير فيه تتجدد ومقاومته تنبعث فيها الحياة من جديد. إن علينا أن نتذكر في جميع الأحوال القوة العسكرية، يجب أن يتم تنظيم قدرها تبعاً لموارد البلاد المالية. وإلى وقت طويل في المستقبل. يمكن الاحتفاظ بجيش كبير، وكلما زادت الوسائل الكفيلة بذلك، تكاثر الناس وازدادت القوة الطبيعية للمجتمع بنفس النسبة. وحين يحين الوقت الذي تستطيع فيه الحكومة الفدرالية إنشاء جيش يمكنه خلق طغيان والاحتفاظ به قائماً، فإن ضخامة عدد السكان في إمبراطورية هائلة ستجعل المواطنين في وضع تستطيع معه حكومات الولايات الوطنية أن تتخذ الإجراءات الكفيلة لحماية أنفسها بكل سرعة وانتظام وبنظام الدول المستقلة؟ إن ذلك التخوف تخوف يمكن النظر إليه كوباء ولا يمكن العثور على علاج واق منه لا في الموارد المالية ولا المناقشة والرجوع إلى التعليل المنطقي. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 197-201. العودة للصفحة الرئيسية |