الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 28 ديسمبر، 1787 إلى أهالي ولاية نيويورك: سبق أن أشير إلى وجوب أن تمتلك الفدرالية السلطة الكافية للإنفاق على القوات الوطنية ومساندتها؛ وضمن ذلك الاقتراح كان المقصود أن يشمل إنشاء الكتائب، وبناء الأساطيل وتجهيزها، وجميع النفقات الأخرى في كل مكان يتصل بالترتيبات الحربية والعمليات الحربية. بيد أن هذه ليست وحدها هي الأهداف التي يجب أن يشملها تخويل الهيئة التشريعية في الاتحاد فيما يتعلق بالموارد المالية فيه. فالتخويل يجب أن يشتمل أيضاً شرطاً يتعلق بمساندة اللائحة المدنية، الوطنية؛ بُغية تسديد الديون الوطنية التي تم الالتزام بها، أو تلك التي قد يتم التعهد بها في المستقبل؛ وبصورة عامة، شرطاً يتضمن جميع تلك المسائل التي تستدعي الإنفاق عليها من الخزينة العامة. والخلاصة أنه يجب أن يشمل إطار الحكومة صلاحيةً عامة لفرض الضرائب، على نحو أو آخر. يُعتبر المال، بكل حق في ذلك، هو المبدأ الحيوي الرئيس في الجسد السياسي؛ فهو الذي يقيم أود حياته وتحركه، ويمكّن ذلك الجسد من أداء معظم وظائفه الأساسية. من ثم كانت الصلاحية الكاملة لضمان توفير مورد منتظم وكاف بالقدر الذي تتيحه الموارد القائمة في المجتمع عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في كل دستور. ومن وجود عيب في هذا المجال، يتولد شر واحد أو اثنان؛ فإما أن يُخضع المواطنون إلى نهب متواصل، عوضاً عن إتباع نهج مقبول لتمويل الضرورات العامة؛ أو أن تتردى الحكومة مأساة ونكبة قاتلة، ومن ثم تتلاشى وتهلك بعد وقت قصير. في الإمبراطورية العثمانية أو التركية، كان السلطان سيداً مطلق التصرف في حياة ومصائر رعاياه، ومع هذا فلم يكن يملك حق أن يفرض ضريبة جديدة. وقد ترتب على ذلك أن جعل السلطان يسمح للباشوات أو حكام الولايات أن ينهبوا أفراد الشعب وفق هواهم، وبالتالي كان هؤلاء يعتصرون المبالغ التي يحتاجها أحدهم للوفاء بضروراته الشخصية وحاجات الولاية. وفي أمريكا، ونتيجة للسبب نفسه، نجد أن حكومة الاتحاد قد ذبلت بالتدريج وآلت إلى حالة من التآكل هي آخذة في الاقتراب السريع من الزوال. من يستطيع أن يشك في أن سعادة الشعب في كلا البلدين ستزداد بتوفر سلطات كفؤة توضع في اليد المناسبة لتوفير الأموال التي يمكن أن تتطلبها الحاجات العامة؟ إن تجمّع الاتحاد الحالي (الكونفدرالية)، على ضعفه القائم، يُقصد منه أن يضع في يدي الولايات المتحدة صلاحية مطلقة لتوفير الضرورات النقدية للاتحاد. ولكنه (المؤتمر) بسيره على مبدأ خاطئ، توصل إلى إحباط ذلك القصد. وأعضاء الكونغرس، بموجب البنود التي تشكل ارتباطهم (كما أشير إلى ذلك في السابق) مخولون حق الجزم في إقرار وطلب أية مبالغ مالية ضرورية حسب رأيهم لخدمة الولايات المتحدة، وفي إقرار متطلبات تلك الولايات، إذا كانت متفقة مع قاعدة Apportionment تخصيص الأنصبة. ويكون ما يفرضونه إجبارياً على الولايات بموجب الدستور. ليس للولايات أن تناقش في مناسبة أو عدم مناسبة ما يُطلب منها؛ ولا رأي لها إلا في إيجاد الطرف والوسائل لتوفير المبالغ المطلوبة. هذا بصراحة وبكل صدق هو الوضع الحاضر. ومع أن فرض هذا الحق يشكل خرقاً لبنود الاتحاد، ومع أنه قلما يدعي، بل لم يدّعي على الإطلاق، فإنه ذلك الحق قد مورس في الواقع على الدوام، وستستمر ممارسته، طالما ظلت موارد الكونفدرالية تعتمد على الوكالة المتوسطة لأعضائها. إن ما ترتب على نتائج هذا النظام ليعرفه أي رجل مطلع على الشئون العامة في بلدنا، وقد تم الكشف عن ذلك في أكثر من موضع واحد في الاستفسارات. هذا هو ما يخلق سبباً كبيراً للشعور بالإحباط والألم لنا نحن، والفوز والظفر لأعدائنا. أهناك علاج لمثل هذا الوضع، إلا في تغيير النظام الذي خلقه – في تغيير النظام الغلط والمنحرف، نظام الكوتا (الحصص) واللوازم؟ أي بديل يمكن تصوّره لهذه الجهنم الحقيقية في التمويل، إلا في السماح للحكومة الوطنية بأي تجمع خزينتها من خلال الطرق العادية في عرض الضرائب المخولة بموجب الدستور في أية حكومة مدنية؟ قد يستنكر الباطل والتزييف الإنفاق على أي موضوع؛ لكنه ليس هنا بُطل أو تزييف قد يشير إلى أي علاج بمقدوره أن ينقذنا من المتاعب والإحراجات التي تنتج بصورة طبيعية من موارد غير كافية للخزينة العامة. إن خصوم الدستور الجديد الأذكى يعترفون بقوة هذا التعليل والمحاكمة: لكنهم يصنفون هذا الاعتراف بأنه تمييز بين ما يدعونه فرض الضرائب الداخلية والخارجية. فالأولى وأعني الداخلية منها يبقونها في يد حكومة الولاية، أما الأخيرة والتي يوضحون أنها ضرائب تجارية، أو ضرائب جمركية على السلع المستوردة فيتنازلون عنها لتكون تحت إشراف الرأس الفدرالي. ومن شأن هذا التمييز، على كل حال، أن يتناقض مع مسلمة المنطق العام والسياسة السليمة التي تفرض أن تكون أية صلاحية متناسبة مع الهدف منها؛ كما يتركون الحكومة العامة في مستوى الرضوخ لحكومات الولايات، وذلك لا يتفق أبداً مع أي تفكير في منحها القوة ولا الكفاءة. من الذي يستطيع أن يزعم أن المكوس التجارية وحدها هي الآن أو سوف تكون في المستقبل، كفيلة بالوفاء بمطالب الاتحاد الحالية أو المستقبلية؟ لو أخذنا في اعتبارنا الدين القائم، الخارجي أو المحلي، وفق أية خطة للتخلص منه، يستطيع من يهتم باعتبار العدالة العامة، علاوة عن اهتمامه بالمؤسسات والمنشآت التي تقر بضرورتها جميع الأطراف، أن يسير؟ إننا إن نضحك على أنفسنا فنقول أن هذا المورد وحده، حتى على أفضل مستوى من التحسين كان سيكون كافياً لتغطية الحاجات المتطلبة في الوقت الحاضر. ولا تقبل الضرورات المستقبلية لا الحساب ولا وضع الحدود؛ وبخاصة وفق المبدأ الذي كثيراً ما يتم عكسه لصالح القدرة على توفير المتطلبات الناشئة، فهذه يجب ألا تكون مقيدة. وأنا أعتقد بصفته موقفاً يفرض التاريخ الإنساني أنه وحسب سير الأمور العادي، فإن حاجات أية أمة، في كل مرحلة من مراحل وجودها تكون مساوية للموارد فيها على الأقل. أما الزعم بأن هذه العجوزات سوف يتم توفيرها عن طريق إعادة طلب التمويل من الولايات فهو إقرار بأن هذا النظام نظام لا يُعتمد عليه. هذا من جانب. أما من الجانب الآخر فإن الاعتماد عليه في كل شئ، إلى درجة معينة، سوف يترك الذين أدركوا رذائله ومشوهاته، إدراكاً واعياً، وعلى أساس ما عرضته الممارسة أو لبسطته في مساق هذه الأوراق يشعرون بنفور لا يقاوم تجاه العهد بمصالح الأمة، بأية درجة، إلى تشغيل ذلك النظام. إن اتجاهه الحتمي، حين يوضع موضع التطبيق، يشير إلى إخفاق الاتحاد وبذر بذور الفوضى والتنازع بين الرأس الفدرالي وبين أعضاء تلك الفدرالية بل فيما بين الأعضاء فيها أنفسهم. هل يمكن أن يتوقع المرء إمكان سد هذه العجوزات بصورة أفضل من هذا الأسلوب، من سد مجمل حاجات الاتحاد حتى الآن بهذه الطريقة؟ يجب أن يتذكر الجميع أنه إذا ما احتيج قدر أقل من الإرادة من جانب الولايات نفقت قدرتها على تلبية الحاجة والطلب. وإذا كانت آراء دعاة التفريق (التمييز) الذي سبق ذكره قد أعتبرت حجة ودليلاً للحقائق، فإن المرء سيجد نفسه مضطراً إلى استنتاج أنه هناك نقطة ما معروفة في شئون الاقتصاد الوطني عندما يغدو من الأسلم للمرء أن يتوقف ويقول: إلى هذا الحد سوف تتحسن أهداف الصالح العام بضمان حاجات الحكومة، أما كل ما وراء ذلك فهو غير جدير باهتمامنا وقلقنا. كيف يتسنى لحكومة تنقصها الموارد وتظل دائماً في حاجة لأن تفي بحاجاتها وتحقق الأهداف من إنشائها، وأن توفر المال للسلامة، والتقدم، والازدهار، أو تعضد حسن سمعة الخير العام؟ كيف لها أصلاً أن تحوز القدرة أو الاستقرار، الكرامة أو الأهلية، والثقة في الداخل والاحترام في الخارج؟ كيف تستطيع الإدارة فيها أن تسير عن طريق أي شئ آخر غير تعاقب الأزمات المؤقتة، والعجز، والبقاء في موضع الخزي والعار؟ كيف ستكون قادرة أن تتحاشى التضحية المتكررة بالتزامها بالحاجات المباشرة؟ كيف بمقدورها أن تتعهد بتنفيذ أية خطط ليبرالية أو موسعة للخير العام؟ دعنا ننتبه إلى ما سيترتب على هذا الوضع في أول حرب قد ننغمس فيها. سنفرض، من أجل الانغماس هذا، أن الموارد المتأتية من المكوس المفروض تفي بحاجات تسديد الدين العام والإنشاءات السلمية للإتحاد ككل. وفي هذه الحيثية تنشب الحرب. ما هو التصرف المحتمل من جانب الحكومة في هذه الحالة الطارئة؟ تشير الممارسة إلى أن الاعتماد مهما بلغ ليس اعتماداً كافياً على نجاحها في توفير متطلبات الحرب، وأنها عاجزة، لا يمكن بحكم صلاحياتها، على أن تضع يدها على موارد مالية جديدة، كما أنها تنطلق من اعتبارات الخطر الداهم على الوطن... أفلن تضطر في تلك الحال إلى تحويل الأموال المتوفرة لديها عن الأهداف الأصيلة المخصصة لها تلك الأموال، إلى الدفاع عن الدولة؟ ليس من السهل أن نرى كيف يمكن تجنب خطوة من هذا القبيل؛ وإذا ما أخذ بها، فمن الواضح أنها سوف تؤدي إلى تدمير الثقة العامة فيها في اللحظة نفسها التي تكون فيها تلك الثقة أمراً أساسياً في ضمان السلامة العامة. إن تصور إمكان التخلي عن هذه الثقة تحدث أزمة هي الفتنة المتطرفة ذاتها. في نظام الحرب الحديثة، تُضطر حتى أغنى الأمم إلى الاقتراض. وبلاد قليلة السكان مثل بلادنا يجب أن تستشعر هذه الحاجة إلى درجة أكبر بكثير. لكن من الذي يُقرض حكومة جعلت في مقدمة شروط الاقتراض تشريعاً يبين أنه لا يجوز الاعتماد على ثبات القوانين والإجراءات للسداد؟ إن القروض التي يمكن الحصول عليها ستكون محدودة من حيث المبالغ بقدر ما هي شروطها ثقيلة. كذلك سيتم تقديمها على أساس المبادئ التي يعرض بها المرابون ويقدمونها للمدينين المفسدين والنصّابين – بيد مترفعة وفوائد باهظة. ولربما أمكن المرء أن يتصور أن نتيجة لضآلة الموارد المالية في البلاد فإن الضرورة تفرض تحويل الأموال المقررة في الحالة المفترض وقوعها – ومن ثم إن الحكومة الوطنية يجب أن تحوز صلاحية غير مقيدة فيما يخص فرض الضرائب. إلا أن اعتبارين اثنين من شأنهما أن يهدّئا المخاوف في هذا الخصوص: الأول هو أننا مطمئنون إلى أن موارد المجتمع الكبير، سيستفاد منها ويتم تسخيرها لينتفع منها الاتحاد؛ والثاني هو أنه مهما كانت العجوزات في تلك الحال، فإنه يمكن تغطيتها عن طريق القروض بكل سهولة. إن صلاحية خلق موارد مالية جديدة عن طريق فرض ضرائب جديدة على السلع لهي صلاحية ستمكّن الحكومة الوطنية من الاقتراض قدر ما تتطلبه حاجاتها. وسيكون في مقدور الأجانب، شأن المواطنين الأمريكيين الاطمئنان إلى قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاههم، والإركان إلى حكومة بمقدورها لوحدها أن تعتمد على ثلاث عشرة حكومة أخرى للوفاء بعقودها. بمجرد أن يتم تفهم موقفها بوضوح، وأن تطلب قدراً من الموثوقية نادراً ما يتم تلبيته في المعاملات النقدية للناس، وقلما تتم مواءمته مع عين الحسد القصيرة النظر. إن تطلعات وأفكاراً من هذا القبيل لن تكون ذات وزن في نظر الأشخاص الذين يأملون أن يروا إن تهيؤات العصر الأسطوري الشاعري قد تحققت في أمريكا، بل في نظر أولئك الذين يدركون واقعياً ذلك القدر العام من التقلبات والنكبات التي سبق أن خبرتها الأمم الأخرى، وأنه عليهم إظهار كفاءتهم وأهميتهم للاهتمام بها بشكل خاص. مثل هؤلاء الرجال يجب أن يشهدوا الوضع الواقعي في بلادهم بعزاء مؤلم، ويستنكروا الشرور التي قد يعكسها عليهم الطموح أو الانتقام بقدر كبير من السهولة. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 209-215. العودة للصفحة الرئيسية |