الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 2 يناير، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: مع أنني مع الرأي الذي يقول بأنه لن يكون هناك خطر حقيقي مما يبدو أن حكومات الولايات تخشاه من سيطرة الاتحاد على التحكم بحكومات الولايات فيما يخص جمع الأموال، فأنا مقتنع تماما من أن حس المواطنين، والتخوف الشديد من استثارة نقمة حكومات الولايات، والاعتقاد الراسخ في استخدام الحكومات المحلية وضرورة احتياجاتها لأغراضها المحلية – كل ذلك – سوف يكون حاجزاً قوياً يحول دون الاستخدام القسري من الاتحاد لتلك السلطة، ومع هذا فإنني أرغب في الاعتراف وإلى أبعد مدى بعدالة وصواب التفكير الذي يطالب أن تتمتع الولايات بصورة إفرادية بصلاحية مستقلة لا قيود عليها في أن تجمع موارد خزيناتها الخاصة لتمويل حاجاتها الخاصة. وحين أقوم بهذا التنازل، فأنا أؤكد أنه (باستثناء المكوس على الواردات والصادرات) الوحيد، فإن الولايات الأعضاء، حسب خطة الميثاق، تحتفظ لنفسها بتلك الصلاحية، بالمعنى المطلق وغير المحدد لذلك، وإن أية محاولة من جانب حكومة الاتحاد لاختصار تلك الصلاحية عند تطبيقها، سوف تكون تجاوزاً عنيفاً لحدود سلطة الاتحاد، لا يؤيده أي بند أو فقرة في دستور الاتحاد. إن التجسيد الكلي لسيادة الولايات ضمن سيادة وطنية واحدة سوف يتضمن إخضاعاً كاملاً للأجزاء ضمن كل واحد، وأي سلطات تحتفظ بها الولايات لنفسها سوف تكون سلطات فرعية تعتمد على الإدارة العامة (في الاتحاد). بيد أنه لما كانت خطة الميثاق لا تهدف إلى أكثر من اتحاد جزئي أو تجميع للولايات، فإن حكومات الولايات سوف تحتفظ بجلاء حقوق السيادة التي تمتعت بها من قبل والتي لم تكن، حسب نص الميثاق مفوضة بصورة كلية، إلى حكومة الاتحاد. إن هذا التفويض الشامل، أو بالأحرى ذلك الإقصاء، لسيادة الولاية سوف يحصل في ثلاث حالات فقط: أي حيث يمنح الدستور بكل صراحة كامل السلطة إلى الاتحاد؛ وحيث يمنح كل الصلاحية للاتحاد ويحرم على الولايات ممارسة الصلاحية المماثلة في موضع آخر؛ وحيث يمنح الاتحاد صلاحية يكون وجود مثلها لدى الولايات نقيضاً كاملاً وعدوانياً غير مقبول. وأنا استخدم لفظة النقيض وغير المقبول لتمييز الحالة الأخيرة عن حالة أخرى قد تشبهها، لكنها في الحقيقة مختلفة عنها أساساً، وأعني حيث قد يتولد عن تطبيق القوانين السارية بين حين وآخر تداخلات في سياسة أي فرع من فروع الحكومة الوطنية "الإدارة"، لكنه لا يتضمن أي تناقض مباشر أو تنافر مع السلطات الدستورية. هذه الحالات التشريعية الثلاث يمكن التمثيل عليها في حال الحكومة الفدرالية بضرب الأمثلة التالية: بنص الفقرة الثانية قبل الأخيرة في الفصل الثامن من البند الأول وبكل صراحة أن "الكونغرس وحده سوف يمارس سن القوانين" على المنطقة التي يتفق على أنها مقر الحكومة. وهذا يجيب عن الحالة الأولى وتخول الفقرة الأولى من الفصل نفسه الكونغرس صلاحية أن يفرض ويجبي الضرائب والمكوس، والرسوم، "والإعفاءات منها"؛ أما الفقرة الثانية في الفصل العاشر في البند نفسه فهي تنصّ "أنه ليس لولاية، دون موافقة من الكونغرس، أن تفرض أية رسوم أو مكوس على الواردات أو الصادرات، إلا بهدف تنفيذ القوانين المتعلقة بتحرّي تطبيقها". ومن ثم يتحصل أن تكون الصلاحية مطلقة للاتحاد في أن يضع مكوساً على الواردات والصادرات، مع الاستثناء المحدد المذكور سابقاً، لكن هذه الصلاحية مقيدة بفقرة أخرى، تصرّح أنه لا يجوز أن تُفرض ضريبة أو مكوس على السلع المصدرة من أية ولاية، يترتب على ذلك أن الفقرة تقتصر على المكوس على الواردات. وهذا يجيب عن الحالة الثانية. أما الحالة الثالثة فيمكن العثور عليها في تلك الفقرة التي تصرّح أن الكونغرس سوف يتمتع بصلاحية أن ينشئ قاعدة موحدة للتجنس في جميع الولايات المتحدة"، وهذا أمر تفرض الضرورة أن يكون شاملاً لأنه إذا كان لكل ولاية حق أن تعيّن قاعدة متميزة عن الغير، فإنه لن تكون هناك قاعدة موحدة. ولربما ظن البعض أن هناك حالة شبيهة بمثل الحالة الأخيرة، غير أنها في الحقيقة مختلفة عنها كثيراُ، تؤثر في السؤال المطروح للبحث. وأعني بذلك صلاحية فرض الضرائب على جميع السلع ماعدا الصادرات والواردات وأنا أؤكد أن هذه الصلاحية قائمة وبقدر مكافئ لدى كل من اتحاد الولايات وكل ولاية بمفردها، فليس هناك أي تعبير صريح في فقرة التفويض تجعل تلك الصلاحية مقصورة على الاتحاد وحده. ليس هناك فقرة أو عبارة تمنع الولايات من ممارسة ذلك. إن ذاك بعيد جداً عن الواقع حتى أنه يمكن استخلاص مناقشة صريحة وشاملة لصالح النقيض من القيد الموضوع على الولايات فيما يتعلق بالمكوس على الواردات والصادرات. فهذا القيد ذاته يتضمن إقراراً بأنه ما لم يتم إيراد ذلك صراحة فإن الولايات تظل تملك الصلاحية التي يأتي نص الفقرة على ذكرها، بل إنه يتضمن إقراراً أوسع يشمل جميع الضرائب الأخرى، أي أن صلاحية الولايات تبقى غير منقوصة أبداً. ولو نُظر إليه من أية زاوية أخرى لكان القيد غير ضروري أصلاً، بل أنه يتضمن خطراً، فسيكون غير ضروري، لأنه إذا تضمّن منح صلاحية وضع المكوس إلى حكومة الاتحاد استبعاد تلك الصلاحية من الولايات بل حتى جعل الولايات خاضعة للاتحاد في هذا الأمر على الخصوص انعدمت الحاجة إلى هذا التقييد، وسيكون خطيراً، لأن إيراده يفضي مباشرة إلى الاستنتاج الذي ذكرناه آنفاً، والذي إذا كان في تفكير المعارضين أي إنصاف، فإنهم لم يقصدونه، وأعني بذلك أن الولايات، في جميع الحالات التي لم يوردها التقييد ستظل تملك صلاحية فرض الضرائب شراكة مع الاتحاد. والتقييد المطروح للبحث يرقى إلى مستوى ما يدعوه المحامون – الحمل الوهمي Negative Pregnenet – أي نفي صلاحية الولايات في فرض ضرائب على الواردات والصادرات، وإثبات صلاحيتها في فرض ضرائب على جميع السلع الأخرى. وسيكون مجرد سفسطة لا أكثر أن يناقش المرء أن المقصود كان هو استبعاد الولايات بالكلية عن حق فرض الضرائب على الواردات والصادرات وترك الحرية لها في فرض ضرائب أخرى، خاضعة لإشراف التشريع الوطني. إن الفقرة التي تورد التقييد تقول فقط "أنها (الولايات) لا يجوز لها، بدون موافقة من الكونغرس، أن تفرض مكوساً، فإذا فهمنا ذلك بالمعنى المذكور آنفاً، فإن الدستور سيكون آنذاك قد أدخل شرطاً عادياً من أجل استنتاج سخيف جداً، هو: يجوز للولايات، بموافقة من التشريع الوطني أن تضع ضرائب على الواردات والصادرات، كما يجوز لها أن تفرض ضرائب على كل شئ إذا خضعت للتشريع الوطني نفسه، إذا كان هذا هو القصد، فلماذا لم يُترك في الحالة الأولى، التي يُنسب إليها أنها الإعمال الطبيعي للفقرة الأصلية، والتي تجعل الصلاحية العامة في فرض الضرائب من حق الاتحاد؟ من الجليّ أن هذا لم يكن هو المقصود، وأنه لا يحمل أي مقولة فكرية من هذا القبيل. وفيما يتعلق بفرضية التصادم بين كون صلاحية فرض الضرائب في يد الولايات وكونها في يد الاتحاد، فالفرضية لا يمكن تأييدها بهذا المعنى الذي يطلب إليه أن يكون استبعاداً للولايات. فمن الممكن حقاً أن تفرض ولاية ضريبة على سلعة معينة تجعل من غير الضروري ولا المناسب أن تفرض عليها (السلعة) ضريبة أخرى من قبل الاتحاد، غير أن ذلك لا يتضمن، من وجهة نظر دستورية، عدم إمكان أن تُفرض تلك الضريبة الأخرى. إن كمية الضريبة المفروضة، وملاءمة أو عدم ملاءمة حصول زيادة فيها من أي من الطرفين (الولاية أو الاتحاد)، سوف تكون بطبيعة الحال مسألة حكمة في التصرف، لكنه لن يكون هناك تناقض مباشر في الصلاحيات. إن السياسة المحددة في نظام التمويل الوطني وفي نظام تمويل الولاية قد لا تتفق مع بعضها، في كل الحالات، تمام الاتفاق، وقد تستدعيان مراجعة متبادلة لكل منهما. وعلى كل حال، فالأمر ليس مجرد احتمال عدم التوافق في ممارسة الصلاحيات، بل إنه تعارض دستوري مباشر بمقدوره عند التطبيق أن يُقضى وحق السيادة القائم من قبل. وبناءً عليه إن الحاجة إلى تشريع متساوي في حالات معينة لهي ضرورة تنشأ من تقسيم سلطة السيادة، أما قاعدة أن جميع السلطات التي خوّلها الدستور صراحة إلى الاتحاد تبقى قائمة للولايات بكل قوة فهي ليست مجرد تنازل نظري من جانب ذلك التقسيم، بل أمر معترف به في جميع نسيج الآلة التي تحتوي فقرات الدستور المقترح. ففيه نجد أنه، بغض النظر عن المنح الإيجابية للسلطات العامة، كان الاهتمام بالغاً بتلك الحالات التي قُدر أنه من غير المناسب أن تستقر سلطات مماثلة لدى الولايات لإدخال فقرات سلبية تحرّم على الولايات ممارستها، والفصل العاشر من البند الأول يتألف بكلّيته من مثل هذه الشروط. وهذا في حد ذاته إشارة واضحة إلى المعنى المقصود في الميثاق، وهو يوفر قاعدة للتفسير يمكن استخلاصها من بنية الميثاق، ومن شأنها أن تبرز الموقف الذي أسلفته وترفض أي فرضية لصالح نقيض ذلك. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 221-225. العودة للصفحة الرئيسية |