جيمس مادسون James Madison 20 فبراير، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: والتهمة المتبقية ضد مجلس الممثلين والتي سأبحثها الآن، مبنية على فرضية عدم زيادة الأعضاء من وقت إلى آخر، كما تتطلب زيادة عدد السكان. تمت الموافقة على أن هذا الاعتراض، إذا لقى تأييداً، سوف يكون له وزن كبير. وستبين الملاحظة التالية، أن هذا الاعتراض، كأكثر الاعتراضات الأخرى على الدستور، إنما ينشأ من نظرة متميزة إلى الموضوع أو من الغيرة التي تغير صبغة كل شئ ينظر إليه من خلالها وتشوّه طبيعته. 1- يبدو أن أولئك الذين يرفعون راية هذا الاعتراض لا يتذكرون أن الدستور الفدرالي لا يخشى المقارنة بدساتير الولايات، فيما يتعلق بالضمان الذي يوفره لزيادة تدريجية في عدد الممثلين. فلقد أعلن أن العدد المنتظر في الفترة الأولى سيكون مؤقتة، ولفترة محددة هي ثلاث سنوات. وخلال كل عشر سنوات بعد ذلك يتم إحصاء للسكان. والأهداف غير الصريحة لهذه التعليمات هي: أولاً: إعادة تعديل عدد الممثلين إلى نسبة السكان من وقت إلى آخر، خضوعاً للاستثناء الوحيد في أن يكون لكل ولاية ممثل واحد على الأقل؛ وثانياً: لزيادة عدد الممثلين في الفترات نفسها خضوعاً للقيد الوحيد الذي هو أن لا يزيد العدد الكلي عن ممثل واحد لكل ثلاثين ألف مواطن. ولو راجعنا دساتير عدة ولايات لوجدنا أن بعض تلك الدساتير لا يحتوي أية تعليمات محددة بصدد هذا الموضوع، فيما يتجاوب بعضها بخصوص هذه النقطة كثيراً مع الدستور الفدرالي؛ ولوجدنا أن أكبر أمن فعال في أي من هذه الدساتير قد جاء في صورة شرط توجيهي لا أكثر. 2- وانطلاقاً من الخبرة التي حصلت لدينا حول هذا الموضوع، فإن زيادة تدريجية في عدد الممثلين بموجب دساتير الولايات قد تمشت في خطواتها مع تزايد السكان على الأقل، بل يبدو أن الأولى كانت جاهزة لأن تتم بالمعايير التي استدعتها الأخيرة. 3- هنالك خصوصية في الدستور الفدرالي تضمن اهتماماً حذراً من أكثرية السكان وممثليهم على السواء بزيادة دستورية في عدد الممثلين. وتتمثل تلك الخصوصية، في أن يكون فرع واحد من الهيئة التشريعية لتمثيل المواطنين، والفرع الثاني لتمثيل الولايات: ففي الفرع الأخير، بالتالي سيكون للولايات الأكبر وزناً أكثر، وفي غيره سيكون الرجحان لصالح الولايات الأصغر. من هذه الحيثية، بكل تأكيد، يمكن استنتاج أن الولايات الأكبر ستكون محامية تحبذ زيادة عدد ووزن ذاك القسم في الهيئة التشريعية التي يسود نفوذها فيه. وبالصدفة، أن أربعاً فقط من تلك الكبريات ستكون لها أكثرية الأصوات في مجلس الممثلين. ولو حدث أن عارض سكان أو ممثلو الولايات الأصغر في أي وقت إحداث زيادة معقولة في عدد الأعضاء، فإن تآلفاً يضم عدداً صغيراً جداً من الولايات سيكفي لإسقاط المعارضة، تآلفاً إذا غض النظر عن المنافسة والأحقاد المحلية التي قد تمنعه في الظروف العادية، فإنه سيبرز، ولا يكون مدفوعاً بالمصلحة المشتركة فحسب، بل يجد له تبريراً من جانب الإنصاف ومبادئ الدستور. وربما زعم بعضهم أن مجلس الشيوخ سيكون مدفوعاً بمثل هذه الدوافع إلى تشكيل ائتلاف معاكس؛ ولما كان تزامن الائتلافين سيكون أمراً لا مناص منه، فإن وجهة نظر الفرع الآخر، العادلة والدستورية قد تنهزم. هذه هي العقبة التي ربما خلقت معظم المخاوف الخطيرة لدى الأصدقاء الغيورين من تمثيل كبير العدد. ولحسن الحظ أنها إحدى العقبات الموجودة في الظاهر فقط، وما أسرع أن تزول عند البحث عن قرب والتدقيق فيه. وستكون الأفكار التالية، أن لم أخطئ، أفكاراً مقبولة بصفتها نهائية ومقنعة بخصوص هذه النقطة. بصرف النظر عن السلطة المساوية التي ستقوم بين المجلسين في جميع موضوعات التشريع، ما عدا اللوائح المالية – ليس هناك شك في أن مجلس الممثلين، بحكم أنه يتشكل من عدد أكبر من الأعضاء، حين تؤيده الولايات الأقوى ويتحدث بحسّ الأكثرية من السكان، لن يلقى رجحاناً قليلاً عند بحث قضية تعتمد على الحزم النسبي من طرف كلا المجلسين. هذه ميزة يجب أن تزاد من خلال الوعي الذي يشعر به أعضاء المجلس، وعيهم أن الحق، والمنطق، والدستور جميعها تسند مطالب مجلسهم، ومن خلال وعي الجانب المقابل أنهم يكافحون ضد قوة جميع هذه الاعتبارات الرصينة. ويجب التفكير إلى أبعد من ذلك بصدد التسوية ما بين الولايات الصغرى والكبرى، وفي أن عدة ولايات، تندرج، على الأغلب، بين الكبريات، لكنها سوف تتحرك قليلاً من حيث المساحة وعدد السكان من صف الولايات الصغيرة إلى صف الولايات الكبيرة وتؤيد معارضة دعاواها بصفتها عادلة. من ثم فإنه ليس من الأكيد أبداً أن أكثرية في الأصوات، حتى في مجلس الشيوخ، سوف تعارض الزيادة المناسبة في عدد الممثلين. وليس من قبيل الشطط أن نضيف أنه يمكن كسب الشيوخ من جميع الولايات الجديدة إلى جانب الآراء العادلة من مجلس الممثلين بفعل طارئ بارز لا يمكن تخطّيه ولا تجاوزه. فحين يزداد عدد سكان هذه الولايات، خلال فترة طويلة وبسرعة كبيرة، فإن تلك الولايات تصبح شديدة الاهتمام بتكرار إعادة تعديل عدد الممثلين بحسب عدد السكان. عند ذاك لن يكون في يد الولايات الكبيرة، التي ستسود في مجلس الممثلين ما تفعله أكثر من إعادة التوزيع والزيادات المتبادلة، الواحدة منها تجاه الأخرى، وسيكون الشيوخ القادمون من جميع الولايات الأكثر نمواً ملزمين بالنضال في سبيل ذلك، نظراً للفائدة التي تشعر بها ولاياتهم. وتبدو هذه الاعتبارات أولاً وأخيراً قادرة على توفير ضمان كبير بخصوص هذا الموضوع، بل أراها تكفي وحدها لإزالة جميع الشكوك والمخاوف التي راودت من فكروا في هذا الأمر. ولو قبلنا، على كل حال، أنها لن تكفي لإزالة السياسة غير العادلة للولايات الصغرى ولا غلبة نفوذها في مجالس الشيوخ، فإن مرجعاً دستورياً لا يخطئ سيظل في يد الولايات الكبرى تستطيع عن طريقه أن تبلغ أهدافها العادلة حين تشاء. ذلك أن مجلس الممثلين ليس بمقدوره أن يرفض فحسب، بل بمقدوره وحده أن يقترح الموارد الضرورية لإسناد الحكومة. فأعضاؤه يقبضون على مالية الدولة – وهذه السمة أداة قوية من خلالها نشهد، في تاريخ الدستور البريطاني، تمثيلاً رضيعاً وبسيطاً للشعب يضخّم مجال نشاطه وأهميته تدريجياً، وفي آخر الأمر يقلل، عن رغبة لديه، جميع الاشتراطات المفرطة في النمو لدى الفروع الأخرى في الحكومة. والواقع أن هذه السيطرة على المالية تعتبر سلاحاً كبير الفعالية والاكتمال يستطيع أن يسلّح به الدستور ممثلي الشعب المباشرين للقيام بإزالة أيّ تذمر، ولوضع كل قانون عادل. لكن، ألن يكون لدى مجلس الممثلين القدر نفسه من الاهتمام – مثل مجلس الشيوخ – بالحفاظ على الحكومة في مهماتها المناسبة، ومن ثم يكون الشيوخ غير راغبين في تهديد مجلسهم أو تعريض سمعته لتهمة عناد المجلس الآخر؟ لأنه، إذا عرّضت محاولة الحسم والصرامة بين الفرعين الاثنين أحدهما للخطر، أفليس من المحتمل قبل ذلك أن يلين أحدهما للآخر؟ إن هذه الأسئلة لن تخلق أية مشكلة لأولئك الذين يرون أنه كلما صغر العدد وطالت مدة البقاء في الخدمة، وارتفع مقام الأشخاص الذين في السلطة – زاد دافع المصلحة التي يشعرون بها كأفراد في الحرص على كل ما يهم الحكومة. إن أولئك الذين يمثلون احترام بلدهم في أعين الدول الأخرى يظلون حساسين بصورة خاصة تجاه أي قدر من الخطر العام والعفن غير المشرف في الشئون العامة. إلى هذه الأسباب علينا أن نعزو الظفر الموصول لمجلس العموم البريطاني على الفروع الأخرى من حكومته في كل مرة يتم فيها استخدام ماكينة اللائحة المالية. ذلك أن أي عدم مرونة من جانب المجلس، وإن لم تبلغ حد العجز عن زج كل دائرة من دوائر الدولة في فوضى عامة، ما أسرع أن يُستشعر بها، فلا تقع. إن أعلى درجة من الجزم يمكن أن يظهرها مجلس الشيوخ الفدرالي أو الرئيس لن تتخطى حد مقاومة تساندها المبادئ الدستورية والمشاعر الوطنية. بهذه المراجعة حول تشكيل مجلس للممثلين، أكون قد تخطيت الوضع الاقتصادي الحالي الذي من شأنه أن يترك أثراً في نقص العدد المؤقت للمثلين، بل ربما كان اعتباره موضوعاً خصباً للتشهير ضد الدستور مثلما هو صغر العدد المقترح. هذا، وأنا أتجاوز هنا جميع الملاحظات المتعلقة بالصعوبة التي قد نواجهها في الظروف الحالية، عند إلحاق عدد كبير من الأفراد الذين سوف ينتخبهم الشعب بالخدمة الفدرالية. وعليّ أن أضيف ملاحظة أخرى حول هذا الموضوع، مطالباً، في رأيي، باهتمام كبير بتلك الملاحظة. وهي: في جميع المجالس التشريعية يصح القول أنه كلما زاد عدد الأعضاء الذين يشكلون المجلس نقص بالفعل عدد الأشخاص الذين يوجهون سير الأمور في ذلك المجلس. ففي المقام الأول: كلما زاد عدد الأعضاء في اجتماع، مهما كانت نوعية شخصياتهم، تزايد إمكان غلبة العاطفة في تصرفاتهم على العقل. وفي المقام الثاني، كلما كبر العدد، زادت نسبة الأعضاء ذوي المعلومات المحدودة والقدرات المتدنّية. والآن: على أساس هاتين النقطتين بالضبط تغدو فصاحة وتوجه العدد القليل منهم هما اللتان تفعلان فعلهما. ونحن نذكر حال الجمهوريات القديمة، حيث كانت جمهرة المواطنين شخصياً تعقد الاجتماع، لكن خطيباً واحداً، أو رجل سياسة حاذق، هو الذي يسيطر سيطرة كاملة على الحكم وكأن صولجاناً قد وضع في يده وحده. وعلى أساس هذا المبدأ يصدق القول أنه كلما كان الاجتماع التمثيلي أكثر تجمهراً زاد أخذه بنصيب من نواحي الضعف الملازمة للاجتماعات العامة للمواطنين. عند ذاك يغدو الجهل هو المغفّل أمام الحذق والدهاء، وتصبح العاطفة عبداً للسفسطة والتشهير. إن المواطنين لا يقعون في خطأ أكبر من افتراض أن مضاعفة عدد ممثليهم، إلى أكثر من حد معين، تقوّي لهم السد في وجه حكومة القلّة، وستظل الخبرة تعظهم إن واقع الأمر هو عكس ذلك؛ فبعد تأمين عدد يكفي لضمان أهداف الأمن والسلامة، وتوفير المعلومات المحلية، وإفشاء الود والتعاطف مع المجتمع ككل – تغدو زيادة العدد في الممثلين معاكسة لوجهات نظر المواطنين أنفسهم. نعم، يغدو مظهر الحكومة أكثر ديمقراطية إلا أن الروح التي تبعث فيها الحياة تغدو أكثر أوليغاركية تماماً. إن الماكينة ستتضخم، لكن المصادر التي توجه حركاتها تغدو أقل، وأكثر لجوءاً إلى السرية. ومما يرتبط بالاعتراض على عدد الممثلين يمكن الإشارة هنا بصورة مناسبة إلى أن ما أقترحه خصوم العدد قد جعل القيام بالعمل التشريعي متقناً. لقد قيل: كان يجب أن يطلب أكثر من الأكثرية المطلقة من أجل النصاب القانوني؛ وفي حالات خاصة، إن لم يكن فيها جميعاً يطلب أكثرية من أكثرية النصاب القانوني من أجل اتخاذ قرار. صحيح أنه ربما تحققت بعض الحسنات من احتراز مثل هذا، فذاك أمر لا يمكن إنكاره. فلربما كان درعاً إضافياً لبعض المصالح الخاصة، وعقبة إضافية في وجه التسرّع في القوانين والتحيز فيها. لكن هذه الاعتبارات مرجحة بفعل المتاعب التي تنشأ في الكفة المقابلة. ففي جميع الحالات التي يتطلب العدل أو الخير فيها سنّ قوانين جديدة أو اتخاذ إجراءات فعالة فإن المبدأ الأساسي في الحكومة الحرة سينقلب إلى ضده. لن تظل الأكثرية آنذاك هي التي تحكم: بل تنتقل السيطرة إلى الأقلية. ولو كان الامتياز الدفاعي مقصوراً على حالات خاصة لأمكن لأقلية ذات اهتمام أن تستفيد من ذلك الامتياز، فتحتجب عن تقديم التضحية العادلة لصالح الرّفه العام، وفي الحالات الطارئة تشوه انغماسها في أعمال غير معقولة، وأخيراً تسهل وتغذي تلك الممارسة المنفّرة، أي الانشقاق، وهي الممارسة التي يُطلب فيها مجرد الأكثرية؛ وهي ممارسة تناقض جميع مبادئ النظام والحكم المنتظم؛ وهي ممارسة تقود بصورة مباشرة إلى الاضطرابات العامة وتدمير الحكومات الشعبية بأسرع من أية ممارسات أخرى ظهرت لدينا حتى الآن. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 419-425. العودة للصفحة الرئيسية |