الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 23 فبراير، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: لقد رأينا أن السلطة غير المقيدة على انتخابات الحكومة الفدرالية لا يجوز أن توكل إلى مجالس تشريع الولايات دون تعرضها للخطر. دعنا الآن نرى ما هو الخطر في الجانب الآخر؛ أي في جانب إيكال الحق كله في تنظيم الانتخابات الفدرالية إلى الاتحاد نفسه. نحن لا ندّعي أنه سوف يتم استخدام هذا الحق من أجل إقصاء أية ولاية عن نيل نصيبها من التمثيل. كلا، إن مصلحة الجميع، في هذا الخصوص على الأقل، هي تأمين حق الجميع. لكننا نزعم أنه يمكن استخدام ذلك الحق بطريقة من شأنها أن تزيد إمكان انتخاب فئة محظوظة من الأشخاص وإقصاء الآخرين.. وذلك من خلال حصر أماكن الانتخابات في مقاطعات معينة وجعل مشاركة المواطنين في ذلك الاختيار، بصورة عامة، أمراً غير عملي، ويبدو، بين جميع البدائل الوهمية الأخرى أن هذا الإجراء هو أكثرها مخادعةً وتضليلاً. فلم يجر أي حساب عقلاني للاحتمالات التي ستجعلنا نتصور أن الميل الذي سيبديه مثل ذلك التصرف العنيف والشاذ، وينطوي عليه – قد يجد متنفساً له في المجالس الوطنية. هذا من جانب؛ ومن الجانب الآخر فإنه يجوز الجزم باستنتاج أنه: إذا سُمح لهذه الروح غير المناسبة أن تجد مدخلاً إلى تلك المجالس فإنها سوف تتبدى في صورة مختلفة بالكلية وأكثر حسماً بكثير. إن عدم احتمال حصول المحاولة ربما تم التوصل إليه بصورة مقنعة من الفكرة الوحيدة التالية: يتعذر أن يحدث ذلك بدون أن يخلق ثورة فورية ومباشرة لدى جمهرة المواطنين تتولى رئاستها وتوجيهها حكومات الولايات. وليس من الصعب أن نتصور أن هذا الحق الذي تتصف به الحرية، قد يتم الإخلال به، في ظروف مضطربة وانقسامية، من لدن فئة معينة من المواطنين ومن جانب أكثرية منتصرة. غير أن امتيازاً أساسياً من هذا النوع، في بلاد شعبها متنور، وهذا موقعها، يمكن أن يحصل اعتداء عليه من جمهور الشعب بعد سياسة مدروسة للحكومة وبدون إحداث ثورة شعبية، لهو شيء لا يمكن تصوره ولا تصديقه. وإضافة إلى هذه الفكرة العامة هناك اعتبارات ذات طبيعة أدق منها، تزيل جميع المخاوف المتعلقة بهذا الموضوع. فالتباين في العناصر التي سوف تؤلف الحكومة الوطنية، وأكثر من ذلك في الطريقة التي تسيّر أفرادها، والتباين بين الدوائر المتنوعة فيها سوف تشكل عقبة قوية تحول دون اتفاق وجهات النظر تجاه أي مشروع جزئي للانتخابات. هنالك تنوع كبير في حال الملكية، وفي العبقرية، وفي العادات والتصرفات، لدى سكان الأجزاء المختلفة من الاتحاد – يكفي لأن يخلق تبايناً محسوساً في ميول ممثليهم تجاه مختلف الطبقات والأوضاع في المجتمع. ومع أن تواصلاً حميماً في ظل الحكومة نفسها سوف يزيد من التمثّل التدريجي لأمزجتهم ومشاعرهم، فإن هناك أسبابا طبيعية، كما هي معنوية، سوف تغذّي إلى درجة كبيرة أو صغيرة، وعلى الدوام، الاندفاعات المختلفة والاتجاهات في هذا الخصوص. لكن الملابسة التي ربما كان لها الأثر الأكبر في الأمر هي الأنماط المتغايرة في تشكيل العناصر العديدة في الحكومة. فمجلس الممثلين، الذي يتم انتخابه مباشرة من جانب المواطنين، ومجلس الشيوخ الذي يتم انتخابه من طرف مجالس الولايات، والرئيس الذي ينتخبه أفراد يتم اختيارهم من جانب الشعب لذلك الغرض – يظل يخلق احتمالاً ضعيفاً في أن توجد مصلحة مشتركة تجمع هذه الفروع المختلفة لتفضيل أية فئة معينة من الناخبين. أما بخصوص مجلس الشيوخ، فمن المستحيل أن أية تنظيمات تتعلق "بالوقت والأسلوب"، وهذا كل ما يُقترح رفعه إلى الحكومة الوطنية بخصوص ذلك المجلس – تستطيع أن تؤثر في الروح التي سوف توّجه اختيار أعضائه. فالحسّ الجماعي لمجلس تشريع الولاية لن يتأثر أبداً بظروف غريبة من هذا النوع. وذاك اعتبار بمقدوره وحده أن يقنعنا أن التفريق المخوف منه لن يحاوله أحد. ما الإغراء الذي سوف يطرحه مجلس الشيوخ في تفضيل لا يكون هو نفسه مشمولاً به؟ أو ما الهدف الذي يضعه المجلس، بخصوص فرع واحد من التشريع، إذا كان يتعذر مدّه إلى فرع آخر؟ إن تركيب الفرع الواحد في هذه الحالة سوف يعادل نظيره في الفرع الآخر. ونحن لا نستطيع أبداً أن نفترض أن ذلك المجلس سوف يتحمس لتعيين أوقات وأمكنة انتخابات مجلس الشيوخ ما لم نفترض في الوقت نفسه توفر التعاون الطوعي من جانب مجالس تشريع الولايات. وإذا قبلنا بالافتراض الأخير، عند ذاك يغدو أمراً غير حقيقي أن نتساءل: أين يجب أن تستقر السلطة المطروحة للبحث – أفي يدي مجالس الولايات أم في يدي مجلس الاتحاد؟ تُرى ما الذي سيكون الهدف من هذا الانحياز الحاقد في المجالس الوطنية؟ هل لتتم ممارسته في التمييز ما بين الدوائر المختلفة في مجال الصناعة، أم بين الأصناف المختلفة من العقار، أم بين الدرجات المختلفة من الممتلكات؟ أتراه سيميل لصالح فائدة مالكي الأراضي أم ذوي الثروات النقدية أم مصلحة أهل التجارة أم أرباب الصناعة؟ بل دعنا نتكلم باللغة الدارجة عند خصوم الدستور، أتراه يغازل رفع قدر "الأثرياء وذوي النسب الرفيع" لإقصاء بقية أفراد المجتمع والحطّ من قيمتهم؟ إذا كان هذا الانحياز سيبذل لمصلحة أولئك الذين يهمهم أي صنف معين في الصناعة أو الملكية، فأنا أفترض أن الجميع سيقبلون على الفور أن تقع المنافسة عليه بين ملاكي الأراضي وبين التجار. ولن أتورع عن تأكيد أن هناك احتمالاً قليلاً لأن تكسب أي من الفئتين الفوز في المجالس الوطنية أكثر من أن تسيطر هذه أو تلك منهما في جميع المجالس المحلية. وسيكون وسيتم استخلاص أن أي سلوك يعطي أفضلية غير حقة لأي من الفئتين هو أضعف كثيراً من أن تخشاه مجالس الولايات من أن يفعل ذلك مجلس الاتحاد. إن الولايات، وبدرجات مختلفة، تكرس اهتمامها في الزراعة والتجارة. وفي أكثرها، إن لم يكن فيها جميعاً، تسود الزراعة. وفي عدد قليل منها على أي حال، توزّع التجارة إمبراطوريتها، وفي معظمها يكون للتجارة نصيب كبير من النفوذ. وبقدر نسبة نجاح أي من تلك الأنشطة ينتقل تمثيل تلك النسبة إلى التمثيل الوطني؛ وللسبب نفسه في كون هذا الأمر انبثاقاً من تنوع أكبر من المصالح، وبنسب أكثر تنوعاً مما هو في أي ولاية بمفردها – ستكون الولاية أقل استعداداً لتقبّل التحيز لأي من تلك الأنشطة أكثر مما هو في تمثيل أية ولاية بمفردها. في بلاد تتألف في معظمها من فلاحين يشقون وجه الأرض، وحيث تطبق قواعد التمثيل المتساوي، تكون مصلحة الملاكين على وجه العموم هي التي ترجح في الحكومة. وطيلة ما سادت هذه المصلحة في معظم مجالس تشريع الولايات تظل لها سيادة مقابلة في مجلس شيوخ الاتحاد. فهو، بصورة عامة سيكون نسخة صادقة عن أكثريات تلك المجالس. ومن ثم فلا يجوز افتراض أن التضحية بملاّك الأراضي لصالح فئة أصحاب التجارة ستغدو هدفاً محبباً لدى هذا الفرع من التشريع الفدرالي. وعند تطبيق صفة خاصة بمجلس الشيوخ وكأنها ملاحظة عامة يدعو إليها وضع البلاد، أجدني مضطراً إلى التفكير في أن مراكز الاقتراع المشكوك في سلطتها في الولاية – لا يجوز لها، على أساس مبادئها الخاصة، أن تثير الشكوك بخصوص أن مجالس تشريع الولايات سوف تزيغ عن واجباتها بفعل أي تأثير خارجي. لكن الواقع الفعلي يقول: إن الموقف نفسه لا بد أن يترك الأثر نفسه، ففي التشكيل البدائي على الأقل لمجلس الممثلين الفدرالي: يغدو أي تحيز لصالح طبقة التجار أمراً يتوقع القليل منه شأن ما يُتوقع من الانحياز إلى غيرهم. ومن أجل إضفاء مظهر مقبول على الاعتراض، بقدر ما، قد يوجه سؤال أليس يُخشى أن يحصل تحيز معاكس في الحكومة الوطنية، يدفعها إلى السعي لضمان احتقار الإدارة الفدرالية لصالح ملاك الأراضي؟ لما كان هنالك احتمال قليل لأن يشكل افتراض مثل هذا التحيز أية مخاوف لأولئك الذين سيتضررون منه بصورة مباشرة، فإن جواباً مدروسا لهذا السؤال يغدو ضرورياً. ويكفي التنويه أولاً، بأنه للأسباب التي ذكرناها في موضع آخر، يغدو من غير المحتمل أن ينجح أي تحيز مدروس في مجالس الاتحاد أكثر من نجاحه في مجالس أي عضو في ذلك الاتحاد. وثانياً: لأنه لن يكون هناك أي إغراء للإخلال بالدستور لصالح طبقة ملاك الأراضي إذ أن هذه الطبقة، بحكم سير الأشياء الطبيعي، ستتمتع ويكون لها الثقل العظيم الذي ترغب فيه. وثالثاً: أن من اعتادوا استقصاء مصادر ازدهار الشعب على نطاق واسع – سيكونون مقتنعين تماماً من فائدة التجارة.. فلا يميلون إلى طعنها بجرح عميق كهذا، يكون من شأنه استبعاداً كلياً لأولئك الذين يفقهون مصلحتها من الفوز بنصيب في إدارتهم. إن أهمية التجارة من حيث الخزينة فقط، ستكون حارساً فعّالاً يقيها عداء أي هيئة تلحّ بصورة موصولة في خدمة التجارة، نظراً للحاجة الماسة إليها عند الشعب. وأراني أوثر الاقتضاب في بحث احتمال أي تفضيل ينبني على التمييز بين مختلف أنواع الصناعة، وملكية الأراضي. فبالقدر الذي أفهمه، أرى المعنى الذي يقصده المعترضون، أنهم يفكرون في تمييز من نوع آخر. والظاهر أنهم ينظرون إلى أشياء أخرى يخشون تفصيلها ويسعون بكل جهدهم إلى تحذيرنا منها، مثل أولئك الذين يطلقون عليهم وصف "الأثرياء وذوي النسب". وهؤلاء، كما يبدو سيجري أحلالهم في مقام رفيع يمقته بقية رفاقهم المواطنين. ففي حين ما، يكون رفعهم نتيجة ضرورية تترتب على صغر المجلس التمثيلي، وفي حين آخر نجده يتأتى جرّاء تجريد عموم المواطنين من فرصة ممارسة حقهم في الاقتراع لاختيار ذلك المجلس. إذن، اعتماداً على أي مبدأ سيقوم التمييز في أماكن الانتخاب كيما يتجاوب مع الهدف المتصور من التفضيل؟ هل إن الأثرياء وذوي النسب كما يطلق عليهم، محصورون في مواقع خاصة في الولايات؟ أم إنهم بفضل غريزة عجائبية لديهم، أو بعد نظر خاص، منعزلون في كل ولاية في مكان بعينه للإقامة والسكن؟ هل يلقاهم المرء في المدن الصغيرة أم الكبيرة، أم نجدهم على العكس من ذلك منتشرين في جميع رقاع الوطن حسبما صدف إن رماهم الحظ كي يجربوا حظهم، هم وأسلافهم السابقون؟ إذا كان الوضع الأخير هو الواقع (كما يعلم كل ذي فطنة) فليس من الواضح أن سياسة حصر أماكن الانتخاب ضمن مقاطعات خاصة سوف تأتي نقيضة للهدف منها قدر ما ستكون أمراً استثنائياً بأي اعتبار آخر؟ والحقيقة هي أنه: ليس هنالك طريقة لضمان التفضيل للأغنياء، الذي يُخشى، إلا بتحديد مؤهلات معينة للملكية، إما لأولئك الذين يقترعون أو الذين يُنتخبون. لكن هذا لا يشكل جزءاً من السلطة التي ستخوّل إلى الحكومة الوطنية. إذ أن سلطتها ستقتصر صراحة على تنظيم "أوقات، وأمكنة، وأسلوب إجراء الانتخاب". أما مؤهلات الأشخاص الذين ينتخبون غيرهم، أو ينتخبهم غيرهم، كما أشرنا إلى ذلك في مواضع سابقة، فهي محدّدة وثابتة في الدستور، لا يمكن تغييرها من جانب المجلس التشريعي. دعنا نقبل جدلاً، أن الشرط المقترح ربما يكون ناجحاً؛ ودعنا نفترض أيضاً وفي الوقت نفسه، أن جميع الاختلافات التي يوحيها الحسّ بالواجب أو الخشية من خطر التجربة – قد تم القضاء عليها في صدور الحكام الوطنيين، فأنا سأظل أتصور أنه بالكاد أن يدّعي احد أن أولئك الحكام سوف يأملون في تنفيذ تلك المغامرة فعلاً دون مساعدة قوة عسكرية تكفي لسحق مقاومة كتلة كبيرة من المواطنين. وعدم احتمال وجود قوة كافية لهذا الغرض أمر قد تم بحثه وتوضيحه في مواضع مختلفة من هذه الأوراق؛ لكنه يظهر أن عدم جدوى الاعتراض المبحوث، وبأسطع ضوء، مسألة تم التنازل عنها للحظة، وأن تلك القوة قد توجد فعلاً، وأن على الحكومة الوطنية عندئذ أن تمتلك بالفعل تلك القوة. ماذا ستكون النتيجة حينذاك؟ مع وجود ميل إلى الاعتداء على الحقوق الأساسية للمجتمع، وتوفر الوسائل لتعزيز هذا الاتجاه، ألن يكون من المفروض أن يُلهي الأشخاص الذين دُفعوا إليها أنفسهم بالمهمة المضحكة، مهمة فبركة قوانين انتخاب تضمن أفضلية لطبقة محظوظة من الناس؟ ألن يكون من المحتمل أن يفضلوا تصرفاً أحسن تواؤماً مع جشعهم المباشر؟ أليس أحرى بهم أن يقرروا، بكل وقاحة، تخليد أنفسهم في الوظيفة من خلال إصدار لائحة نهائية تتيح الاغتصاب أكثر من أن يطمئنوا إلى العوائق الاحترازية التي من شأنها، رغم جميع الاحتياطات التي ترافقها – أن تنتهي بهم إلى الطرد وتشويه السمعة وتدمير سلطاتهم نفسها؟ ألن يخشوا أن يهرع المواطنون الحريصون على حقوقهم، والواعون لها، فينصبّوا من أقاصي الولايات التي يقطنونها إلى مواقع الانتخاب، لقلب أولئك الطغاة فيهم واستبدالهم بأشخاص يميلون إلى الانتقام لشرف وجلال المواطنين اللذين تم تدنيسهما. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 432-438. العودة للصفحة الرئيسية |