الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 26 فبراير، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: كلما زاد لطف الذين يعارضون الشروط المتعلقة بالانتخابات والتي تحتويها خطة المؤتمر، حين يضيق عليهم الخناق في المناقشة – تجدهم، في بعض الأحيان يوافقون على كونها شروطاً مناسبة، لكنه كان يجب أن يرافقها إعلان يذكر وجوب إجراء جميع الانتخابات في النواحي التي يقيم فيها الناخبون. وأصحاب هذا الرأي يقولون: كان هذا احترازاً ضرورياً ضد سوء استخدام السلطة. صحيح أن إعلاناً له مثل هذه الطبيعة ما كان يعود بضرر، كما أنه سيترك أثراً في تهدئة المخاوف، لكنه أمر غير مرغوب فيه. ومع أنه في الواقع، كان سيقدم ضماناً قليلاً، بل لا ضماناً إضافياً، ضد الخطر المتخوف منه – فإن عدم وجوده ما كان ليُعتبر، في نظر الفاحص غير المتحيز، اعتراضاً خطيراً للخطة، وأقل من ذلك اعتراضاً فائقاً لها. والحق، أن وجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع في الورقتين السابقتين لهي كافية تماماً لإقناع جميع الأشخاص غير المتعاطفين وغير المميزين بأنه، لو كانت الحرية العامة في أي حين ستقع ضحية طموح الحكام الوطنيين، لكانت السلطة موضوع البحث، على الأقل، غير مسئولة عن وقوع تلك التضحية. ولو مارس أولئك الذين يميلون لإظهار غيرتهم هنا، مثلها في تفحص دقيق لدساتير عدة ولايات لما وجدوا إلا فرصة ضيقة لعدم الارتياح والتخوف من المدى الذي تتيحه معظم الدساتير فيما يخص الانتخابات، وكونه أكبر من المدى المقترح إتاحته للحكومة الوطنية في هذا الخصوص. إن مراجعة وضعهم بشأن هذه النقطة، سوف يميل بدرجة كبيرة إلى إزالة جميع الانطباعات السيئة التي قد تبقى لديهم فيما يتعلق بهذا الأمر. لكن، لما كانت وجهة النظر هذه سوف تفضي إلى تفصيلات مستفيضة تورث الملل – فسأكون قانعاً بضرب مثال واحد أستقيه من الولاية التي أكتب منها. إن دستور ولاية نيويورك لا يضع أي شرط آخر على محلّية الانتخابات أكثر من قوله: يتم انتخاب أعضاء مجلس الولاية في النواحي، ويتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ في المقاطعات، التي تنقسم إليها الولاية. وهي في الوقت الحاضر أربع مقاطعات، تتألف الواحدة منها من ناحيتين أو ست نواحي. ومن هذا يفهم المرء بسهولة أنه لن يكون من الصعب كثيراً على المجلس التشريعي في ولاية نيويورك أن يبطل مفعول أصوات المواطنين فيها، عن طريق حصر مواقع الانتخاب في أماكن معينة – أكثر من كونه صعباً على المجلس التشريعي للولايات المتحدة أن يبطل مفعول أصوات المواطنين في الاتحاد بأن يضع عقبة مماثلة. هب مثلاً أن تم تعيين مدينة أولبني مكاناً وحيداً لإجراء الانتخاب في الناحية والمقاطعة التي تشكّل المدينة جزءاً منها. ألن يغدو القاطنون في تلك المدينة على الفور ناخبين وحيدين لأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء المجلس التمثيلي لتلك الناحية والمقاطعة؟ هل بمقدورنا أن نتصور أن الناخبين الذين يقيمون في الأماكن النائية والفرعية من النواحي في أولبني وسراتوغا، وكمبردج وغير هذه، أو في أي مكان من ناحية مونتغومري – سوف يتجشمون عناء المجيء إلى مدينة أولبني للإدلاء بأصواتهم لأعضاء مجلس الولاية أو مجلس شيوخها قبل عودتهم إلى مدينة نيويورك للإسهام في اختيار أعضاء مجلس الممثلين الفدرالي؟ إن اللامبالاة المخيفة التي يسهل اكتشافها في ممارسة هذا الامتياز، الرخيص في ظل القوانين القائمة، مع أنها تقدم كل تسهيل – تزوّدنا بإجابة جاهزة عن هذا السؤال. وتلخيصاً واستخلاصاً من كل خبرة في هذا الموضوع يجوز لنا أن نقول: حين يكون مكان الانتخاب على بعد غير مناسب عن موطن الناخب، يكون تصرفه هو ذاته، سواءً كانت تلك المسافة الفاصلة عشرين ميلاً أو عشرين ألف ميل. وبناء على هذا يظهر أن الاعتراضات على التعديل الخاص بجعل السلطة الفدرالية تتولى تنظيم الانتخابات سوف، تنطبق في الحقيقة وبالقوة نفسها، على التعديل الخاص بالسلطة المماثلة في دستور هذه الولاية؛ ولهذا السبب يغدو من المستحيل تبرئة طرف وإدانة الطرف الآخر. إن مقارنة مماثلة بين دساتير معظم الولايات الأخرى ستفضي إلى الاستنتاج نفسه. وإذا ما قيل أن العيوب الموجودة في دساتير الولايات ليست عذراً يبرر تلك العيوب التي سوف يعثر عليها في الخطة المقترحة، فسيكون جوابي: مثل ما أنه لم يوجه إلى دساتير الولايات أي اتهام بعدم الاهتمام الكافي بضمان الحرية، في حين أن التهم الموجهة إلى الخطة يصح أن توجّه إلى تلك الدساتير أيضاً – فالمفروض أن تكون تلك الاتهامات تنقيحاً لاتهامات مدروسة سبق أن وجهتها المعارضة من قبل أكثر منها تلخيصات متينة الأساس لدراسة متعاطفة تسعى إلى الحقيقة. أما أولئك الذين يميلون إلى اعتبار هذا مجرد حذف غير مقصود في دساتير الولايات، ثم يعتبرونه نقائص لا تغتفر في خطة الميثاق، فليس عندي ما يقال لهم، أو يُطلب إليهم، في أفضل الحالات، أكثر من أن يحددوا سبباً محسوساً يوجب أن يكون ممثلو الشعب في ولاية بمفردها يتحرقون شهوة إلى السلطة، أو تحكمهم الدوافع الشريرة الأخرى، أكثر من نظائرهم ممثلي الشعب في الولايات المتحدة. إذا عجزوا عن فعل ذلك، لزمهم على الأقل، أن يثبتوا لنا أن انتقاص حريات ثلاثة ملايين إنسان مع وجود حكومات محلية تتزعم معارضة ذلك – أمر أكثر سهولة من انتقاص حريات مئتي ألف إنسان ينقصهم ذلك الامتياز. هذا جانب. أما بخصوص النقطة المطروحة للبحث بصورة مباشرة، فإن عليهم أن يقنعونا أن قيام حزب مسيطر في ولاية بمفردها، واتجاهه من أجل المحافظة على استمرار سيطرته في الولاية، إلى تفضيل طبقة خاصة من الناخبين، لهو أقل احتمالاً من أن تستولي روح مشابهة على ممثلي 13 ولاية منتشرة في رقعة شاسعة، وفي عدة مجالات يصعب تمييز الواحدة منها عن الأخرى من حيث اختلاف الظروف المحلية والمصالح والأحقاد. إلى هذا الوقت، كانت ملاحظاتي تهدف فقط إلى إلغاء مفعول الشرط المطروح للبحث على أساس سداده نظرياً من حيث خطورة جعل السلطة في يد غير يد السلطة الفدرالية، وخطر ذلك على سلامة وضعها بالشكل المقترح. لكنه يتبقى أن نذكر حسنة إيجابية سوف تحصل من هذا الاتجاه ما كان يمكن الحصول عليها من أي اتجاه آخر: وأشير هنا إلى ظروف الانسجام في وقت إجراء انتخابات مجلس الممثلين الفدرالي. فمن السهل تماماً واليسير الممكن أن تبيّن الممارسة أن ذلك الانسجام ذو أهمية عظيمة للمصلحة العامة، بصفته ضماناً لعدم دوام الروح نفسها في المجلس، وبصفته علاجاً لعلل الانقسام. فلو اختارت كل ولاية وقتاً خاصاً بها لإجراء الانتخاب فيها لأمكن أن توجد فترات انتخاب بعدد أشهر السنة على الأقل. أما أوقات الانتخاب في الولايات المختلفة، كما هي قائمة في الوقت الحاضر لأغراض محلية، فهي مختلفة، وتقع في حدود واسعة بين أواخر شهر آذار وتشرين الثاني. ومما يترتب على هذا التباين استحالة حدوث حلّ للمجلس بأكمله أو إجراء تجديد لجميع أعضائه في وقت واحد. وإذا صدف أن ساد نفَس غير مناسب من أي صنف، فإن ذلك النفس أو تلك الروح قابلة لأن تسرّب نفسها إلى الأعضاء الجدد حين يقدمون بالتتابع. إن من المحتمل أن تبقى الكتلة الكبيرة هي ذاتها تقريباً، فتظل تمتص بصورة دائمة ما يتم إفرازه تدريجياً. هناك نوع من الوباء مثلاً لا يستطيع إلا نفر معدود من الأشخاص امتلاك قوة عقلية لمقاومته. وأنا ميال إلى الاعتقاد بأنّا لو جعلنا مدة الخدمة ثلاثة أمثالها، مع اشتراط حل كلّي للمجلس في الوقت نفسه – لكان ذلك أقل خطراً على الحرية من جعل مدة الخدمة ثلث ما هي مع الخضوع لتغيرات تدريجية متعاقبة. إن توحيد وقت الانتخابات لا يبدو متطلباً أقل ضرورة من غيره لتنفيذ فكرة خلق دورة منتظمة في مجلس الشيوخ، وبغية اجتماعات المجلس التشريعي بشكل ملائم وفي وقت محدد من كل عام. وقد يسأل أحدهم: لماذا إذن لم يحدد لذلك وقت في الدستور؟ لما كان أكثر خصوم الخطة التي يقترحها المؤتمر غير متحمسين في هذه الولاية، على العموم، وأقل إعجاباً بالدستور أيضاً – بات يمكن عكس السؤال وتوجيهه بصورة أخرى: ولماذا لم يتم تحديد وقت لغرض مشابه في دستور هذه الولاية؟ ليس هنالك إجابة أفضل يمكن تقديمها أكثر من القول: هذا أمر يمكن تركه باطمئنان إلى عهدة الحكمة التشريعية؛ فلو حُدد وقت، لبيّنت الممارسة أنه ربما كان أقل ملاءمة من وقت آخر. وهذا جواب يمكن تقديمه نفسه عن سؤال يوجهه الطرف الآخر أيضاً. بل يجوز أن يضاف إلى ما سبق أن الخطر المفترض من تغيير تدريجي ليس إلا مجرد تصور لا أكثر، لذلك كان من الصعب النصح به، أو بناء نقطة أساسية انطلاقاً منه، نقطة تحرم عدة ولايات من حسنة إجراء الانتخابات لحكوماتها وللحكومة الوطنية في نفس الفترة. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 439-443. العودة للصفحة الرئيسية |