ربما يكون جيمس مادسون Probably James Madiso 1 مارس، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: والمطلوب الخامس الذي يوضح فائدة مجلس الشيوخ، هو انعدام الحسّ الحقيقي بشخصية وطنية. فبدون عضو يكون صفوةً وثابتاً في الحكومة يظل تقدير الدول الأجنبية لنا تقديراً مزيفاً فحسب، تنقله سياسة متقلّبة وغير متنورة، تنشأ من الأسباب التي ذكرناها آنفاً – بل إن مجالسنا الوطنية لن تمتلك تلك الحساسية المرهفة للرأي في العالم، ذلك الرأي الذي قد لا تكون حاجتنا لأن نستحقه أكثر من الحاجة إلى حصولنا على احترامه وثقته فينا. إن الاهتمام برأي الدول الأخرى مهم عند كل حكومة لسببين: الأول، إن كل حكومة، بصرف النظر عن مزايا أية خطة خاصة لها أو قانون – ترغب بكل سبيل أن تبدو للأمم الأخرى بصفتها نتاج سياسة حكيمة ومحترمة؛ وثانياً، أنه في الحالات المشكوك في أمرها، وبخاصة حيث تكون المجالس الوطنية منحرفة بفعل عاطفة قوية ما، أو مصلحة مؤقتة، فإن الرأي المفترض أو المعروف، للعالم غير المتحيز، يغدو أفضل دليل يمكن السير على هديه. ما الذي لم تخسره أمريكا بفعل حاجتها إلى شخصية وطنية في علاقاتها مع الدول الأخرى؛ وما أكثر الأخطاء والحماقات التي كان بمقدور أمريكا عدم الوقوع فيها لو كانت العدالة والسداد في قوانينها، في كل مرة، قد تم وضعها ومحاكمتها في الضوء الذي كان يمكن إظهار تلك القوانين فيه أمام القسم غير المتحيز من البشر؟ ومع هذا ومهما كان قدر الحاجة إلى الحسّ بشخصية وطنية، فمن الواضح أنه يتعذر أن يحوز القدر الكافي منه مجلس كبير العدد ودائم التغير: يجوز أن يوجد ذلك الحسّ لدى عدد صغير فقط، حتى إن درجة معقولة من الثناء على القوانين العامة أو ملامتها تغدو نصيب كل فرد؛ أو نصيب مجلس يتمتع بالثقة العامة لمدة طويلة حتى إن كبرياء أعضائه وطول مدتهم تجعله يندمج بحق مع السمعة الحسنة للمجتمع وازدهاره. إن ممثلي ولاية رود أيلاند الذين يتم انتخابهم كل نصف سنة قد يتأثرون قليلا ًفي مداولاتهم بصدد القوانين غير المنصفة في تلك الولاية انطلاقاً من المناقشات التي يستخلصونها حول الضوء الذي يُنظر به إلى تلك القوانين من جانب الأمم الأجنبية، بل حتى من جانب الولايات الشقيقة، في حين أنه لا مجال للشك في أنه لو كان الحصول على موافقة مجلس منتقى وثابت ضرورياً، لكان احترام الشخصية الوطنية وحده كافياً لأن يمنع الكوارث التي يكابد منها الشعب الذي تم تضليله، في الوقت الحاضر. وأضيف هنا بصفته عيباً سادساً: انعدام المسئولية لدى الحكومة في بعض الحالات المهمة تجاه الشعب. وينبع ذلك من تكرار الانتخابات، وهو الذي يُنتج تلك المسئولية في حالات أخرى. وقد تبدو هذه الملاحظة ليست ملاحظة جديدة فحسب بل ملاحظة موهمة بالتناقض أيضاً، ومع ذلك فإنه يجب الاعتراف، بعد تفسيرها، أنها ملاحظة مهمة لا يجوز إنكارها. فالمسئولية، من أجل أن تكون معقولة، يتوجب أن تكون محددة على أهداف في طاقة الطرف المسئول، ومن أجل أن تكون فعالة يتوجب أن تكون ذات علاقة بعمليات تلك السلطة التي يمكن صياغة حكم جاهز ومناسب لدى أفرادها. ويمكن تقسيم أهداف الحكم إلى فئتين كبيرتين، الأولى تعتمد على القوانين التي تحتاج عملاً مباشراً ومحسوساً بصورة فردية، والثانية تلك التي تعتمد على قوانين متعاقبة تم اختيارها بصورة جيدة، ومترابطة جيداً، وتحتاج عملاً متدرجاً وربما خفياً أيضاً. وأهمية المجموعة الأولى إلى الخير العام الجماعي والدائم لكل بلد لا تحتاج تفسيراً. ومع هذا، فإن من الواضح أن مجلساً تم انتخابه لفترة قصيرة كهذه يظل عاجزاً عن توفير أكثر من حلقة أو حلقتين من مجموعة القوانين، التي يعتمد عليها خير البلاد العام بصورة رئيسية. ومن ثم لا يجوز أن يكون مسئولاً عن النتيجة النهائية أكثر من مسئولية خادم، أو مستأجر أرض لسنة واحدة للإجابة عن الأماكن أو التحسينات التي لا يمكن إنجازها في أقل من نصف دزينة من السنوات. وليس بمستطاع الشعب أن يقدّر ذلك القسط من التأثير الذي تستطيع مجالسه السنوية أن تتركه في الأحداث الناشئة عن تمازج أفعال ظل مستمراً لعدة سنوات. ومن الصعوبة بمقدار، وبكل مقياس، إبقاء أعضاء هيئة كبيرة العدد مسئولين شخصيا عن أفعال تلك الهيئة، ذات العلاقة المباشرة والتابعة والملموسة لدى الأفراد. والعلاج المناسب لهذا النقص يجب أن يكون هيئةً إضافية أو مجلساً في الدائرة التشريعية، تتمتع باستمرارية كافية تلبي الأهداف التي تتطلب اهتماماً موصولاً ومجموعةً من القوانين تستطيع الوفاء بعدل وفعالية لبلوغ تلك الأهداف. إلى هنا أكون قد بحثت الظروف التي تبين حاجتنا إلى مجلس شيوخ جيد البناء من حيث علاقتها بممثلي الشعب. فإلى شعب لا يعمي عيونه الحسد ولا هو فاسد بفعل الرياء، مثل الشعب الذين أوجه كلامي إليه – أراني لا أتردد في إضافة أن مؤسسة من هذا النوع ربما كانت في بعض الأحيان ضرورية كدفاع يحمي الشعب من أخطائه المؤقتة وأوهامه، ولما كان العقل الهادئ والمتروي لدى المجتمع هو الذي يجب أن يسود بالفعل في جميع الحكومات الحرة، ويتغلب على آراء الحكام في ذلك المجتمع، كذلك تظل هناك لحظات خاصة في الشئون العامة يغدو فيها الشعب مدفوعاً بعاطفة منفلتة، أو فائدة خفيّة، أو مضللاً بفعل سوء عرض حاذق رتّبه أشخاص لهم مصلحة تستدعي فرض قوانين يصبح المواطنون ذاتهم في ما بعد أكثر الناس استعداداً لندبها وإدانتها. في هذه اللحظات الحرجة ما أكرم أن تتدخل هيئة من أفراد لهم احترامهم واعتدالهم أيضاً، فتسعى لكبح الإقدام على عمل مضلّل وتؤجل الضربة التي يفكر الشعب في أن يوجهها إلى نفسه، ريثما يستعيد التعقل ومحبة العدل ونشدان الحقيقة سيطرتهم على عقل الجمهور؟ أي ألم ممضّ كان لأهل أثينا أن ينجوا من شرّه لو ضمت حكومتهم حاجزاً واقياً ضد طغيان عواطفهم الخاصة؟ إن حرية الشعب في تلك الحال كانت ستنجو من وصمة العار المتعذر محوها والناتجة عن تقديم السم يوماً وإقامة التماثيل في اليوم التالي لنفس المواطنين. وقد يشار إلى أن شعباً منتشراً فوق رقعة بهذا الامتداد لن يسهل إخضاعه، مثل شعب صغير يكتظ في رقعة ضيقة، لعدوى العواطف العنيفة أو إلى خطر التجمع سعياً وراء قوانين لا إنصاف فيها. ذاك فارق كبير. وأنا بعيد تماماً عن إنكار أن لهذا الفارق أهمية فريدة. على العكس من ذلك، فقد جهدت في ورقة سابقة لأن أبين أنه إحدى الحسنات الكبرى التي تحبذ قيام جمهورية متحدة. بيد أنه لا يجوز لهذه الحسنة في الوقت نفسه أن تعتبر وكأنها تمنع استخدام الاحترازات المساعدة. بل يمكن التنويه إلى أن حيثية اتساع الرقعة، التي تريح الشعب الأمريكي من بعض الأخطار الملازمة للجمهوريات الأصغر من جمهوريته – سوف تعرّض ذلك الشعب إلى عيب البقاء لمدة أطول تحت تأثير مساوئ العرض التي قد ينجح تضافر مكايد الأشخاص ذوي المصالح في نشرها في أوساط ذاك الشعب. ولن تنضاف أهمية قليلة إلى تلك الاعتبارات لو تذكرنا أن التاريخ لا يذكر لنا جمهوريةً طال عمرها ولم يكن فيها مجلس شيوخ. والواقع أن إسبارطة وروما وقرطاجة هي الدول الوحيدة التي يمكن أن يصدق عليها ذلك الوصف، وفي كل من الجمهوريتين الأوليتين كان هنالك مجلس شيوخ لمدى الحياة. أما دستور مجلس الشيوخ في الجمهورية الأخيرة، فمعلوماتنا عنه قليلة، لكن الشواهد المتوفرة حالياً تشير إلى أن ذلك المجلس ربما لم يكن يختلف في هذا الشأن عن نظيريه الآخرين. فالأكيد على الأقل أنه كان ذا صفة أو أخرى هي التي جعلته مرساة ثقيلة ضد التقلبات الشعبية؛ ومكّنت مجلساً ضئيل العدد مأخوذاً من مجلس الشيوخ ألا يتم تعيين أعضائه مدى الحياة فحسب، بل يستطيع ملء الشواغر الطارئة فيه بنفسه أيضاً نعم إن هذه الأمثلة غير صالحة للتقليد، كما أنها منفرة لا تقبلها عبقرية الشعب الأمريكي أيضاً، ومع ذلك فهي على كل حال، لو قورنت بالوجود القلق والمتشرد للجمهوريات القديمة الأخرى – لصحّت بصفتها إثباتات وبراهين واعظة على حاجتنا إلى مؤسسة معينة تجمع بين الاستقرار والحرية معاً. ولست غير واع للظروف التي تميز الحكم في أمريكا عن الحكومات الشعبية الأخرى، القديمة منها والحديثة؛ والتي تجعل التحري الدقيق، وإلى الحد الأقصى ضرورياً عند قياس حالة بأخرى، لكنّي بعد التقدير الكافي لهذا الاعتبار أظل أرى أن هنالك نقاطاً كثيرة من المشابهة تجعل هذه الأمثلة التي ضربتها ليست غير جديرة بالاهتمام في نظرنا. إن كثيراً من العيوب، كما رأينا، لا يمكن سد ثغراتها إلا من قبل مؤسسة شيوخية، وهي عيوب مشتركة بين مجلس كبير العدد يتكرر انتخابه من قبل الشعب وبين الشعب نفسه. وهنالك نقاط أخرى فريدة تتعلق بما سبق وتتطلب الإشراف على مثل هذه المؤسسة. نعم، يستحيل أن يخون الناس مصلحتهم بمشيئتهم، لكنه قد تحصل خيانتهم على يد ممثلي الشعب، وسيكون الخطر أعظم كثيراً حين توضع كامل الثقة في التشريع في يدي مجلس واحد، أعضاؤه أفراد من البشر – منه حين يُشترط الاتفاق ما بين مجالس منفصلة وغير متشابهة على كل قانون عام. والفارق الذي يُرتكز إليه أكثر من غيره بين الجمهورية الأمريكية والجمهوريات الأخرى هو مبدأ التمثيل. فهو المرتكز الذي تعتمد عليه الجمهورية في أمريكا. والمفروض أنه لم يكن معروفاً لتلك الجمهوريات أو في العهد القديم منها. والاستفادة التي تمت لي من هذا الفارق في التعليل الذي احتوته الورقات السابقة لا بد قد أظهرت أنني لم أكن ميالاً إلى إنكار وجوده ولا إلى الحط من قيمته، كلا، فأنا أشعر بقيد أخف عند ذكري أن موقفنا بصدد جهل الحكومات القديمة بمسألة التمثيل ليس موقفاً صحيحاً بالضبط بأية صورة، ولا بقدر الأهمية التي أعطيت له. وبدون الخوض في بحث سيكون هنا في غير موضعه، سوف أشير إلى بضع حقائق معروفة تؤيد ما ذكرته قبل قليل. في أنقى الديمقراطيات في بلاد الإغريق كان يتم أداء كثير من المهمات التنفيذية، لا من قبل المواطنين أنفسهم، بل على يد موظفين ينتخبهم أفراد الشعب "ويمثلون" القدرة التنفيذية عند المواطنين. وقبل إصلاحات صولون كان يحكم أثينا 9 أرخونات، يتم "انتخابهم من قبل الشعب" كل سنة. أما درجة السلطة التي تفوض إليهم فيبدو أنها تركت غامضة إلى درجة كبيرة. وفيما تلا تلك الفترة نجد مجلساً يتكون أول الأمر من أربعمئة عضو، ثم من ستمئة عضو فيما بعد "يُنتخبون كل سنة من قبل الشعب"؛ ويمثلون الشعب "بصورة جزئية" في الجانب التشريعي، لأنهم لم يكونوا يشاركون الشعب في مهمة سن القوانين فحسب، بل كان لهم الحق الشامل في إعداد الاقتراحات التشريعية للمواطنين أيضاً. ويبدو أن مجلس شيوخ قرطاجة، بدوره، مهما كانت سلطته أو فترة خدمته، كان مجلساً انتخابياً يتم باقتراع يقوم به الشعب. وهناك أمثلة يمكن العثور عليها وتقصّي أمرها في معظم، إن لم يكن في جميع، الحكومات الشعبية في العصور القديمة. وأخيراً، فإننا نجد في إسبارطة مجلس الإيفورات، وفي روما مجلس التربيونات. وهما مجلسان، نعم كانا صغيرين من حيث العدد، لكنه يتم انتخابهما سنوياً من قبل المواطنين قاطبة، ويعتبران ممثلين للشعب، تقريباً في جميع الصلاحيات والقدرات. وكان مجلس الكوزمي في كريت أيضاً "ينتخبه المواطنون كل سنة"، وهو يعتبر في نظر بعض الكتاب مؤسسة شبيهة بتلك الموجودة في إسبارطة وفي روما، مع فارق وحيد، هو أن حق الاقتراع عند انتخاب أعضاء ذلك المجلس التمثيلي كان مقصوراً على قسم من الشعب لا الشعب كله. من هذه الحقائق والتي يمكن إضافة كثير مثلها، إليها، يتضح أن مبدأ التمثيل لم يكن مجهولاً عن القدماء ولا متجاوزاً عنه في دساتيرهم السياسية. والفارق الحقيقي بين تلك الحكومات والحكومة الأمريكية إنما يقوم في إقصاء قدرة الشعب الجماعية بصفتها الكلية هذه عن الإسهام بأي نصيب في الحكومات القديمة. وليس في الاستبعاد الكلي لممثلي الشعب من الإدارة في أمريكا. وعلى كل حال فإن الفارق الذي وصفناه على هذه الصورة فارق يجب الإقرار بأنه يترك أفضلية حسنة لصالح الولايات المتحدة. غير أننا من أجل أن نؤمّن لهذه الحسنة تأثيرها كاملاً علينا أن نحذر فصلها عن الحسنة الأخرى والتي هي رقعة البلاد الكبيرة الامتداد. إذ لا يتصور أحد أي شكل من حكم تمثيلي يمكن أن ينجح ضمن الحدود الضيقة التي كانت تشغلها ديمقراطيات بلاد الإغريق. وللإجابة عن جميع هذه المناقشات، التي تدور في الخاطر، وتوضحها الأمثلة، وتعززها ممارستنا الخاصة، فإن الخصم الغيور للدستور ربما يقنع نفسه بترديد أن مجلس شيوخ لا يعينه الشعب مباشرة، ويظل لفترة ست سنوات، لا بد أن يكتسب بالتدريج نفوذاً رفيعاً وخطراً في الحكم، وفي نهاية الأمر يحوّل ذلك الحكم إلى أرستقراطية طغيانية. على هذه الإجابة العامة يجب أن يكون الرد العام التالي كافياً: نعم، إن الحرية قد تهددها إساءة استخدام الحرية كما يهددها سوء استخدام السلطة؛ وهناك أمثلة عديدة عن الحالة الأولى كما عن الحالة الأخيرة، لكن الحالة الأولى أكثر من الحالة الثانية هي التي يجب ان نخشاها في الولايات المتحدة. غير أنه يمكن إعطاء جواب أكثر خصوصية مما سبق. قبل قيام مثل تلك الثورة عندنا، علينا أن نلاحظ أن مجلس الشيوخ، لا بد أن يفسد نفسه أولاً؛ ثم لا بد أن يفسد مجالس تشريع الولايات، وبعد ذلك لا بد أن إفساد مجلس الممثلين، وأخيراً عليه أن يفسد الشعب بمجموعه. ومن الواضح أن مجلس الشيوخ يجب أن يكون قد دهمه الفساد قبل أن يستطيع محاولة إنشاء حكم طغيان. وبدون إفساد مجالس الولايات لا يستطيع مجلس الشيوخ الاستمرار في المحاولة، لأن حدوث التغيير الدوري في أعضاء المجالس سوف يجدد هيئة المجلس كلها. وبدون نجاح وسائل الإفساد بقدر مساو في مجلس الممثلين، فإن معارضة ذلك الفرع الندّ من فروع الحكومة، لا مناص من أن تحبط المحاولة؛ وبدون إفساد المواطنين أنفسهم فإن مجيء ممثلين جدد سوف يعيد على التوّ جميع الأشياء إلى ترتيبها السابق. فهل هناك امرؤ بمقدوره حقاً أن يقنع نفسه أن مجلس الشيوخ المقترح يستطيع، بأي وسيلة ممكنة وضمن مجال التوجه لدى البشر، أن يصل إلى هدف ذي طموح فوضوي متخطياً كل هذه العقبات؟؟ إذا كان العقل يدين الشك والارتياب، فإن الحكم نفسه قد أصدرته الخبرة والممارسة. فدستور ولاية ماري لاند يوفر أفضل مثال نقيض. إن مجلس الشيوخ في تلك الولاية يتم انتخابه، كما سوف ينتخب مجلس الشيوخ الفدرالي، بصورة غير مباشرة من قبل الشعب، ولفترة أقل بسنة واحدة من قترة مجلس الشيوخ الفدرالي. وهو يتميز أيضاً بالشرط الملحوظ، عندنا، شرط تعبئة شواغره في أثناء فترة خدمته، وفي الوقت نفسه ليس خاضعاً لتحكم أية دورة من النوع الذي يشترطه مجلس الشيوخ الفدرالي وهناك فروق أقل أهمية سوف تعرض المجلس الفدرالي إلى اعتراضات مزوقة لا تقع في طريق مجلس ماري لاند. إذن فإن مجلس الشيوخ الفدرالي إن كان ينطوي فعلاً على الخطر الذي تم إشهاره بصوت عالي – فإن بعض أعراض خطر مشابه، على الأقل، في الوقت الحاضر، يجب أن تكون قد انكشفت من مجلس شيوخ ماري لاند. هذا أمر متوقع. لكنه لم يظهر شيء من هذا القبيل. بل على العكس من ذلك، فإن مواطن الغيرة التي فكر فيها أشخاص من نفس الفئة التي تنظر بفزع إلى نظائر تلك المواطن في الدستور الفدرالي – قد انطفأ أثرها تدريجياً بفعل تقدم التجربة في سيرها، ولا يزال دستور ولاية ماري لاند ينال السمعة الحسنة كل يوم تكريماً لهذا الجزء في ذلك الدستور، وهو ينال صيتاً لاند له في أي من ولايات الاتحاد. وإذا كان هناك ما يسكت مشاعر الغيرة بخصوص هذا الموضوع فهو المثال البريطاني. فبدلاً من كون مجلس الشيوخ هنالك ينتخب لفترة ست سنوات، وكونه غير محصور في عائلات خاصة أو مستوى مالي خاص – نجده مجلساً وراثياً للنبلاء الأثرياء. أما مجلس الممثلين عندنا فبدلاً من كونه ينتخب لسنتين، ومن قبل الشعب عامة، فإنه ينتخب هناك لسبع سنوات، ومن قبل نسبة صغيرة جداً، من أفراد الشعب. في بريطانيا على التأكيد، يجب أن يرى المرء بصورة واضحة مظهراً جليّاً من الاغتصاب الأرستقراطي والطغيان اللذين قد يظهر مثال لهما ذات يوم في المستقبل في الولايات المتحدة. وأياً كان الحال، فإن من سوء حظ المناقشة ضد الاتجاه الفدرالي، أن التاريخ البريطاني يخبرنا أن ذاك المجلس الوراثي قد عجز عن حماية نفسه ضد الاعتداءات المستمرة من جانب مجلس العموم، وأنه ما إن فقد تأييد الملك حتى سحقه بالفعل ثقل الفرع الذي يمثل الشعب. وبقدر ما يعلّمنا إياه القدم في هذا الموضوع فإن الأمثلة التي يأتي بها تؤيد المحاكمة التي استخدمناها من قبل. ففي إسبارطة وجد أن مجلس الإيفورات، أي الممثلين السنويين للشعب – كانوا أكثر من ندّ لمجلس شيوخ مدة الحياة، وظلوا ينقصون من سلطته بصورة مستمرة، حتى سحبوا منه السلطة كاملة آخر الأمر وركزوها في أيديهم. كذلك نجح مجلس التربيونات في روما، وكانوا بدورهم يمثلون الشعب، في كل مرة اصطدموا فيها مع مجلس شيوخ مدى الحياة كان هناك، وكسبوا نصرهم الكامل عليه آخر الأمر. والحقيقة تتضح أكثر حين غدا الاجماع مطلوباً في كل عمل يقوم به مجلس التربيونات، حتى بعد أن زيد عددهم إلى عشرة. ومن شأن هذا أن يثبت القوة التي لا يمكن مقاومتها والتي يحوزها ذلك الفرع من الحكومة الحرة التي تكسب رضا الشعب إلى جانبها. وإلى هذه الأمثلة يمكن إضافة مثال قرطاجة، والتي كان مجلس شيوخها حسب شهادة بوليبيوس بدلاً من ضخ السلطة كاملة إلى دوامته قد فقد معظم سلطته الأصلية منذ بداية الحرب البونية (الإفريقية) الثانية. وإضافة إلى الشهادة الشاملة التي يمكن استخلاصها من هذا الحشد من المعلومات بأن مجلس الشيوخ الفدرالي لن يستطيع أبداً تحويل نفسه، بفضل الاغتصابات التدريجية، إلى مجلس مستقل وهيئة أرستقراطية – فإن علينا الحذر من تصديق أنه إذا قدّر لثورة من هذا النوع أن تقع يوماً ما بفعل أسباب لا يستطيع الحدس البشري الاحتراس منها، فإن مجلس الممثلين ومعهم الشعب إلى جانبهم، سوف يكونون قادرين في جميع الأوقات على أن يعيدوا الدستور إلى إطاره الأولي ومبادئه. وضد قوة الممثلين المباشرين للشعب ليس هنالك أي شيء بمقدوره إبقاء السلطة الدستورية نفسها في يد مجلس الشيوخ، إلا إظهار سياسة متنورة وولاء صادق من طرفه لخير الشعب، الأمر الذي يجعل الشعب يتقاسم وده وتأييده الكامل مع ذلك الفرع من المجلس التشريعي في البلاد. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 452-461. العودة للصفحة الرئيسية |