الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 7 مارس، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: والسلطات المتبقية التي تخصصها خطة المؤتمر إلى مجلس الشيوخ بصورة متميزة – تندرج في إسهام الشيوخ المهم مع الرئيس في تعيين الوظائف، وفي صفتهم القضائية كمحكمة لمحاكمة المخالفات. أما في أمور التوظيف فسيكون الرئيس هو الوكيل المكلف، وسنبحث الشروط المتعلقة بذلك عند مناقشة تلك الدائرة. ولهذا السبب فإننا سنختم هذا العنوان بإلقاء نظرة على الطبيعة القضائية لمجلس الشيوخ. إن محكمة حسنة التشكيل لمحاكمة المخالفات لهي شأن يسهُل اشتهاؤه ويصعب الحصول عليه في حكومة منتخبة بالكامل. فموضوعات القضاء فيها هي تلك الجنح التي تنشأ من سوء سلوك الموظفين العامّين، أو بكلمات أخرى، تحصل نتيجة سوء الاستخدام أو الإخلال ببعض ما عُهد به إليهم. وهي من طبيعة يمكن وصفها بجدارة بالقول أنها مخالفات "سياسية"، لأنها تتعلق أساساً بالأضرار التي ألحقت بصورة مباشرة بالمجتمع نفسه. ولهذا السبب فإن ملاحقتها نادراً ما تفشل في إثارة مشاعر المجتمع ككل، وفي قسمته إلى أطراف عدائية أو ودية، قليلاً أو كثيراً، للشخص المتهم. وفي كثير من القضايا نجدها تربط نفسها مع الأحزاب الموجودة من قبل والتي تدرج جميع عداواتها وتحيزاتها ونفوذها ومصلحتها إلى جانب أو الآخر. وفي مثل هذه القضايا يظل هناك على الدوام خطر عظيم من أن تتحكم القوى النسبية للأحزاب في القرار أكثر مما تفعل البيانات الحقيقية عن براءة المتهم أو اقترافه الجريمة. إن دقة وعظم الأمانة التي تهم السمعة السياسية إلى درجة كبيرة، بل تهم وجود كل إنسان ذي علاقة بإدارة الشؤون العامة – تعبران عن نفسيهما ههنا. كما أن صعوبة وضع تلك الأمانة بحق، في حكومة تستقر أصلاً على أرضية انتخابات دورية وينظر إليها الناس على الفور، حين يفكرون في أن الشخصيات البارزة فيها، نتيجة لذلك الحادث، سوف يغدون قادة للحزب الأكثر دهاء، أو الحزب الأكثر عدداً، وعلى هذا الأساس ينتظرون من تلك الشخصيات أن تحوز الحيادية المطلوبة في السلوك تجاه الأفراد الذين يكون سلوكهم موضوع التحري والتدقيق. ويبدو أن المؤتمر قد اعتبر مجلس الشيوخ أفضل مستقر لهذه الثقة الهامة. فأولئك الذين بمقدورهم أن يميزوا الصعوبة الذاتية للشيء هم أقل الناس تسرعاً في إدانة ذلك الرأي والأكثر من غيرهم ميلاً لإعطاء الوزن الذي تستحقه تلك المناقشات التي يُفترض أنه نشأ عنها. قد يسأل البعض فيقول: وما هي الروح الحقيقية للمؤسسة نفسها؟ أليست مصممة كنهج للمساءلة الوطنية في تصرفات رجال الخدمة العامة؟ إذا كان هو هذا المقصود من تصميمها، فمن يا ترى الألبق لأن يكونوا قضاة التحقيق نيابة عن الأمة وكممثلين للأمة نفسها؟ لا خلاف في أن سلطة إنشاء المساءلة أو بكلمة أخرى، إنزال العقوبة، يجب أن توضع في يدي أحد فروع الهيئة التشريعية. ألن تدعو الأسباب التي تشير إلى سلامة هذا الترتيب، بقوة إلى السماح للفرع الآخر من تلك الهيئة كي يشارك في المساءلة والتحقيق؟ إن النموذج الذي استعرنا منه فكرة هذه المؤسسة قد بين هذه الطريق إلى المؤتمر. ففي بريطانيا العظمى يكون من صلاحيات مجلس العموم ومن اختصاصه أن يقيم الدعوى، ومن اختصاص مجلس اللوردات أن يقرر بشأنها. وقد سلكت دساتير عدة ولايات نفس هذا الطريق. ويبدو أن بريطانيا والولايات عندنا قد اعتبرت حق إقامة الدعوى كابحاً تمسكه الهيئة التشريعية على الموظفين التنفيذيين في الحكومة. أليس هذا هو الضوء الصحيح الذي يجب أن يعتبر؟ في أي مكان آخر غير مجلس الشيوخ يمكن العثور على قضاة ذوي وقار كاف واستقلال كاف أيضاً؟ أي مجلس آخر يشعر بالاطمئنان الكافي في موقعه ليحافظ، دون شعور بالخوف، ولا خشية من تأثير الغير – على الحيادية الضرورية بين فرد متهم وبين ممثلي الشعب الذين يتهمونه؟ هل كان يجوز أن يُستند إلى المحكمة العليا للوفاء بهذه الصفة؟ هناك شك كبير في أن أعضاء تلك المحكمة سوف يظلون وفي كل الأوقات، يحوزون ذلك القدر الكبير من الجرأة الضرورية لتنفيذ مهمة عسيرة مثل هذه؛ وهناك شكّ أكبر من ذلك في أن يمتلكوا الدرجة من الثقة والسلطة التي قد تكون ضرورية أحياناً، من أجل مصالحة الشعب مع قرار يصدف أن يصطدم بالاتهام الذي جلبه ممثلوهم المباشرون. إن النقص في الحالة الأولى سيكون مميتاً للمتهم وفي الحالة الأخيرة خطيراً على الهدوء العام. ومواجهة الخطر في كل من هاتين الناحيتين أمر يمكن تحاشيه فقط إذا تيسّر جعل تلك المحكمة ذات عدد أكبر من عددها الحالي، وهذا لا يتفق مع الوضع الاقتصادي الراهن. إن الحاجة إلى محكمة كبيرة العدد لمحاكمة الجرائم حاجة تمليها، بقدر مساو، طبيعة المحاكمة. ولا يمكن ربط هذه بقواعد صارمة، لا من حيث رسم معالم المخالفة على يد الادعاء العام، ولا في تركيبها لدى القضاة، كما يحصل في القضايا العامة حيث يساعد ذلك في تبصير المحكمة ويكون لمصلحة الضمان الشخصي للمتهم. لن يكون هنالك محلفون كي يقفوا بين القضاة الذين يصدرون حكم القانون وبين الطرف الذي سيقع عليه الحكم. إن التبصّر البالغ الذي لا بد أن تمتلكه محكمة العقوبات مضطر أن يصدر الحكم بالنزاهة أو العار على شخصيات متميزة وموثوق بها في المجتمع – يمنع إيكال هذه الأمانة إلى عدد قليل من الأشخاص. إن هذه الاعتبارات وحدها كافية للتوصل إلى استنتاج أن المحكمة العليا ستكون بديلاً غير مناسب لمجلس الشيوخ كمحكمة للجرائم. ويتبقى اعتبار آخر يعزز هذا الاستنتاج كثيراً. وهو: إن العقوبة التي قد تترتب على الإدانة لن تنهي مؤاخذة المسيء على ما فعل، فبعد صدور الحكم عليه بالاستبعاد طول حياته من احترام وثقة وشرف ومكافآت وطنه – سيظل ذلك الشخص عرضة للملاحقة والمعاقبة بموجب سريان القانون العام. فهل من المناسب أن يكون الأشخاص الذين قضوا على سمعة ذلك الفرد وعلى أثمن حقوق لديه بصفته مواطناًَ، في محاكمة واحدة - قضاة عليه في محاكمة أخرى، ولنفس الجريمة، فيكونوا هم الذين يقضون على حياته وممتلكاته؟ ألن يكون هنالك سبب كاف لخشية أن يغدو خطأ حصل في الحكم الأول أباً لخطأ يقع في حكم ثان؟ أليس لدى التحيز القوي في قرار واحد استعداد لتجاوز تأثيرات أي أضواء جديدة قد تجدّ لتغير صبغة القرار الثاني؟ والحق، أن من لا يعرفون شيئاً عن طبيعة البشر لن يتردوا في الإجابة عن هذه الأسئلة بالإيجاب؛ ولن يضلوا في تفكيرهم حين يدركون أن جعل الأشخاص أنفسهم قضاةً في الحالتين يحرم الشخص موضوع الملاحقة قدراً كبيراً من الضمان المضاعف المقصود من إتاحة محاكمة ثانية. إن فقدان الحياة والممتلكات كثيراً ما يتضمنها حكم، لا تحمل ألفاظه أكثر من الطرد من الوظيفة الحالية، وفقدان الأهلية لها في المستقبل. وقد يقال إن توسط المحلّفين في الحال الثاني من شأنه أن يبعد الخطر، غير أن المحلّفين كثيراً ما يخضعون لتأثير آراء القضاة. بل يشعرون أحياناً بالإغراء لإيجاد قرارات خاصة، تحيل السؤال الرئيس إلى قرار المحكمة. ترى، من الذي يرغب في تعريض حياته للخطر وممتلكاته للضياع، خضوعاً لقرار يتخذه محلّفون واقعون تحت تأثير القضاة الذين سبق لهم أن جرمّوه؟ ترى هل سيكون تحسناً يُدخل على خطة المؤتمر أنها ضمّت المحكمة العليا إلى مجلس الشيوخ في تشكيل محكمة الجنايات؟ لا شك أن هذا التوحيد سوف يُرفق بميزات عديدة؛ لكن، أما كانت كفة الحسنات تلك تفقد وزنها بتأثير سيئة كبيرة واحدة، ذكرناها سابقاً، تنشأ من تكليف القضاة ذاتهم، بالملاحظة المضاعفة التي كان سيتعرض لها المسيء؟ سيتم الحصول على فوائد ذلك التوحيد، إلى حد ما، من جعل القاضي الأعلى في المحكمة العليا هو رئيس محكمة الجنايات كما تقترح الخطة التي وضعها المؤتمر؛ في حين يتم تجنب المضايقات التي تنتج عن دمج الأولى بالأخيرة منهما. ولربما كان هذا هو الوسيلة الحكيمة. واستميح عذراً في ذريعة إضافية كانت ستخلق ضجة ضد القضاء، الذي سيحظى بزيادة معتبرة في سلطاته. هل كان الأفضل أن يتم تشكيل محكمة لمحاكمة جرائم الأفراد تكون منفصلة عن باقي دوائر الحكومة الأخرى؟ كان هنالك مناقشات قيّمة لصالح مثل هذه الخطة، وأخرى ضدها. ففي نظر بعض ذوي التفكر لن يكون اعتراضاً تافهاً القول بأن من شأن ذلك زيادة تعقيد الماكينة السياسية، وإضافة نابض جديد إلى الحكومة، تكون فائدته في أحسن أحوالها، موضع نقاش. لكن الاعتراض الذي لن يعتبره أحد غير جدير بالاهتمام هو ما يلي: إن محكمة تشكّل بموجب خطة كهذه سوف ترافقها كلفة عالية، أو تكون في الواقع، خاضعة لأحداث ومتاعب متنوعة. وهي إما أن تتألف من موظفين دائمين، لهم مراكزهم في مقر الدولة ويتقاضون مرتبات ثابتة ومنتظمة، بطبيعة الحال، أو تتألف من موظفين تعينهم حكومات الولايات يتم استدعاؤهم حين تكون الجناية ماثلة بالفعل. وليس من السهل على المرء أن يتصور أنموذجاً ثالثاً يختلف بصورة ملموسة ويمكن اقتراحه بمعقولية. ولما كان يتوجب أن تكون المحكمة، لأسباب عرضناها سابقاً، كثيرة العدد، فإن الخطة الأولى سوف يستنكرها أي امرئ يستطيع مقارنة مدى ضخامة حاجات الشعب العامة مع إمكان الوفاء بتلك الحاجات. أما الخطة الثانية فسوف تلقى قبولاً بحذر لدن أولئك الذين يقدّرون بصورة جدية صعوبة تجميع أشخاص مبعثرين في طول وعرض الاتحاد، وإمكان إلحاق الضرر بالأبرياء جرّاء تطويل الحسم في التهم الموجهة إليهم؛ ويقدّرون استفادة المجرمين من الفرص التي يتيحها التأخير للدسائس والفساد؛ وفي بعض القضايا يقدّرون الأذى اللاحق بالدولة جرّاء عدم النشاط المتطاول في العمل، من جانب أشخاص مهمتهم تنفيذ عملهم بحزم وإخلاص وإلا تعرضوا للملاحقة الشديدة من طرف أكثرية في مجلس الممثلين، ومع أن الفرضية الأخيرة تبدو فظة كما أن تحققها غير محتمل فعلاً، فإنه لا يجب الغفلة عن أن شيطان الانقسام، وفي مواسم معينة، سوف يمد صولجانه ويبسط سلطانه على جميع هيئات البشر. ولكن مع أن واحداً أو الآخر من البدائل التي تمت مناقشتها أو من بدائل أخرى يمكن اختراعها ليتم اعتبارها أفضل من الخطة، في هذا الجانب الذي وضعه المؤتمر – فإنه لا يلزم ولا يترتب عن ذلك أن يكون الدستور مرفوضاً لهذا السبب. فلو كان على الناس ألاّ يقرروا الاتفاق في أي مؤسسة للحكم ريثما يتم تكيّف كل جماعة منهم لأن تبلغ مستوى الكمال، لبات ما أسرع أن يغدو المجتمع البشري مشهداً لفوضى عامة تجعل العالم مجرد صحراء مقفرة. أين هو مقياس الكمال ذاك كي نعثر عليه؟ ومن الذي يأخذ على عاتقه أن يوحد الآراء غير المنسجمة في مجتمع بكامله على الحكم نفسه لدى ذاك المجتمع؛ ومن أجل أن يتغلب على نور كشافه المزيف ويستنكر معياره الذي لا يخطئ ويستبدل به معيار جاره الأشد تزييفا والقابل للخطأ؟ أين هو؟ لتلبية هدف خصوم الدستور على أولئك الخصوم أن يثبتوا أن الاشتراطات الخاصة فيه ليست أفضل ما يمكن تصوره فحسب، بل أيضاً أن الخطة بصورة عامة هي خطة سيئة وشريرة. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 469-474. العودة للصفحة الرئيسية |