الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 18 مارس، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: تم ذكر استمرارية العمل بصفتها المتطلب الثاني لفاعلية سلطة الرئيس. ويتعلق هذا الأمر بهدفين: الحزم الشخصي لدى الرئيس في استخدام سلطاته الدستورية، واستقرار نظام الإدارة الذي تم تبنيه تحت إشرافه. أما فيما يتعلق بالنقطة الأولى فينبغي أن يكون واضحاً أنه: كلما طالت مدة شغل المنصب عظم احتمال الحصول على حسنة الحزم المهمة هذه. فمن قبيل المبدأ العام في الطبيعة البشرية أن يهتم المرء بما يملكه هو، بقدر يتناسب مع ثباته وحرصه على إطالة التمسك به؛ وأن يكون ارتباطه حين يشغل منصباً مؤقتاً أو مركزاً غير ثابت، أقل من ارتباطه بمنصب أطول مدة وأقوى ثباتاً، وبالتأكيد سيكون راغباً في المغامرة لأجل منصب أكثر من رغبته في المغامرة لأجل المنصب الآخر. ولا تصدق هذه الملاحظة بصورة أقل مما سبق في حال الامتياز السياسي، أو الشرف، أو الأمانة، أكثر مما تصدق في حال ملكية أي شيء عادي. ومغزى هذه الملاحظة هو أن: رجلاً يعمل بصفته قاضياً أعلى، مدركاً أن عليه بعد وقت قصير جداً أن يسلّم منصبه لشخص آخر – يظل مستعداً لأن يشعر باهتمام قليل بذلك المنصب، فلا يخاطر بأي نقد حقيقي أو ارتباك من الجهد المستقل لسلطاته، ولا الرد على الطبائع السيئة، مهما كانت عرضية، التي قد تنجح على نطاق واسع في المجتمع ككل أو ضمن حزب مسيطر في المجلس التشريعي ذاته. إذا كانت القضية لن تفرض على ذلك الرجل أكثر من التخلي عن وظيفته، ما لم يستمر فيها بناءً على انتخابه من جديد، وإذا كان هو راغباً حقاً في أن يستمر في المنصب – فإن رغباته تتضافر مع مخاوفه وتظل تميل، وبدرجة أقوى، إلى إفساد نزاهته أو تدني جرأته وشجاعته، وفي أي من تلك الحالتين فإن الخور والتردد في اتخاذ القرار يغدو جماع خصائص ذلك المنصب. هناك أناس يميلون إلى اعتبار الانقياد الخانع من جانب الرئيس للتيار السائد، في المجتمع أو لدى المجلس التشريعي – هو أفضل تزكية لصالحه. لكن مثل هؤلاء الناس يدغدغون نزعات بدائية جداً، سواء من حيث الأهداف التي من أجلها أنشئ الحكم، أو من حيث الوسائل الحقيقية التي بفضلها يمكن زيادة هناء الشعب. إن المبدأ الجمهوري يطلب أن يتحكم الإحساس الرفيع لدى المجتمع في تصرفات وسلوك الأشخاص الذين يُعهد إليهم بتدبير شئون أفراده؛ ولكنه لا يطلب استرضاءً لا داعي له لكل هبّة مفاجئة من العواطف، ولا لكل إحساس عابر قد يتلقاه المواطنون من أفانين وحيل أشخاص يتملقون أحقاده من أجل أن يخونوا مصالحه. والحق أنها ملاحظة عادلة تلك التي ترى أن الشعب، بصورة عامة، يقصد الخير العام لنفسه لكن هذا كثيراً ما يصح على أخطاء الشعب أيضاً...غير أن حس الخير لدى الشعب يحتقر ذلك المداهن الذي يتظاهر بأن رأي المواطنين صائب على الدوام، بخصوص الوسيلة التي تزيد من سعادتهم. فالمواطنون يعرفون بحكم التجربة والخبرة أنهم يقعون في أخطاء أحياناً. ويعجبون من أن وقوعهم هذا قليل في الواقع، ويضطربون على الدوام بفعل خدع الطفيليين، والمرضى العقليين، وشباك ذوي الطموح والجشع، والقانطين، وبفعل مكائد الأشخاص الذين يحوزون من الثقة أكثر مما يستحقون، والآخرين الذين يسعون إلى التمتع بثقة أكبر مما يستحقون. وحين تعرض المناسبات التي تتضارب فيها مصالح المواطنين مع ميول أولئك واتجاهاتهم – يكون من واجب الأشخاص الذين أقامهم المواطنون حراساً على تلك المصالح أن يصدّوا الأوهام المؤقتة، كيما يمنحوا المواطنين وقتاً كافياً وفرصة معقولة للتفكير المطمئن والأكثر هدوءاً. ويمكن ضرب أمثلة كثيرة استطاع فيها تصرف من هذا القبيل أن ينجي المواطنين من نتائج قاتلة تترتب على أخطائهم، كما ضمن إقامة نصب دائمة شيّدها الشعب عرفاناً بجميل الأفراد الذين تحلوا بالشجاعة الحقة والسمو الكافي لخدمة المواطنين رغم المخاطرة بعدم إرضاء رغباتهم. لكن، مهما كنا ميالين إلى الإصرار على وجوب التوافق غير المحدود من جانب الرئيس مع ميول الشعب – فإننا لا نستطيع بأي قدر من السداد أن نجادل تأييدا لاسترضاء أمزجة رجال التشريع. فقد يحصل أحياناً أن يقف هؤلاء في صف معارضة الرئيس، كما يحصل في أوقات أخرى أن يقف المواطنون في وضع محايد بين الطرفين. في كلا الافتراضين، يكون من المرغوب فيه على التأكيد أن يأخذ الرئيس موقفاً يجرؤ فيه أن ينفذ رأيه الخاص بقوة وحزم. إن القاعدة نفسها التي تحبذ صوابية الفصل بين مختلف فروع السلطة تدعو أيضا إلى ترتيب ذلك الفصل بحيث يجعل كل فرع منها مستقلاً عن الفرع الآخر. فلماذا، ولأي غرض، نفصل الرئيس أو القضاء عن التشريع، إذا كان كلاهما: الرئيس والقضاء، مشكلين كيما يكونوا مكرسين بصورة مطلقة لخدمة التشريع. إن مثل هذا الفصل يغدو مجرد فصل إسمي، غير قادر على بلوغ الغايات التي أنشئ من أجلها. إنه يُقصد به أن يكون أدنى من القوانين من جانب وأن يكون معتمداً على المجلس التشريعي من جانب آخر. فالأول يطابق، والثاني يخل، بالمبادئ الأصولية للحكم الجيد؛ وأياً كانت صيغ الدستور فهو يضم جميع السلطة في اليد نفسها. ومن شأن السلطة التشريعية أن تميل لامتصاص كل سلطة أخرى. ذاك أمر قد تم بسطه وتوضيحه بضرب الأمثلة في بعض الأوراق التي سبقت.1 أما في حال الحكومات الجمهورية المحضة، فإن هذا الميل يغدو ميلاً لا يقاوم تقريباً. فالممثلون للشعب في اجتماع عام يتخيلون أحياناً أنهم هم الشعب نفسه، ويتخلون عن المظاهر القوية لعدم الصبر والاشمئزاز عند بروز أي إشارة إلى وجود معارضة من أي زاوية جاءت، وكأن ممارسة المعارضة حقها، إما عن طريق الرئيس أو من خلال القضاء، يشكل إخلالاً بامتيازهم وتحدياً لهيبتهم واعتبارهم. وكثيراً ما يظهرون ميالين لأن يبدو تحكماً سلطوياً على الدوائر الأخرى؛ ولما كانوا بصورة عامة يملكون الشعب إلى جانبهم، فإنهم كثيراً ما يتصرفون باندفاع طاغ يجعل من العسير على فروع الحكومة الأخرى أن تحافظ على التوازن في الدستور. ولربما سأل بعضهم: كيف لقصر مدة الخدمة في الوظيفة أن يؤثر في استقلالية الرئيس عن سلطة التشريع، ما لم يكن أحد الجانبين يملك حق أو سلطة تعيين الآخر أو عزله. وأحد الأجوبة على هذا التساؤل قائم وموجود في المبدأ الذي أشرت إليه آنفاً – وهو – من باب المصلحة الضيقة يغدو الرجل مستعداً للرضا بامتياز قصير العمر والإغراء القليل الذي يسمح به ذلك لكي يعرض نفسه بناء عليه، لأية متاعب كبيرة أو مخاطرة، ذاك جواب. وهناك جواب آخر ربما كان أكثر وضوحاً وأن لن يكن أوسع شمولاً، سوف يتأتى من اعتبار أن نفوذ المجلس التشريعي وتأثيره على الشعب يمكن أن يستخدم لمنع إعادة انتخاب رجل، قد جعل نفسه، جراء مقاومته المباشرة لأي مشروع سيء طرحه المجلس – رئيساً مكروهاً تنصب عليه نقمة المجلس. وقد يسأل بعضهم: هل فترة 4 سنوات تلبي الهدف المقترح؛ أفلا تكفي فترة خدمة أقل، تلقى تحبيذاً أقوى، لأن تكون ضماناً أكبر ضد خطط الطموح؛ ولهذا السبب تغدو أفضل من فترة أطول هي، في الوقت نفسه أكثر من أن تفي بالإيحاء بالحزم المرغوب فيه واستقلال ذلك القاضي الأعلى!! لا يمكن الجزم بأن فترة أربع سنوات أو أي فترة محددة الأجل سوف تلبي الهدف المقترح بصورة كاملة، بيد أن تلك الفترة تسهم إلى حد ما في ترك أثر ملموس في روح الحكم وفي طبيعته. وبين بدء ونهاية فترة مثل هذه يظل هناك على الدوام فترة كافية يكون فيها مشروع الاقتلاع من المنصب بعيداً بعداً كافياً، فلا يستطيع أن يترك أثراً غير حسن على سلوك رجل موهوب يتمتع بقدر معقول من الجرأة؛ وفي تلك الفترة قد يمني ذلك الشخص نفسه إلى حد معقول ويعتقد أن سيكون هناك وقت كاف يجعل المجتمع يقبل صوابية القوانين التي يميل هو لمتابعتها. ومع أنه من المحتمل أن الرئيس وهو يقترب من اللحظة التي يستطيع فيها المواطنون، عبر انتخابات جديدة، أن يبينوا مشاعرهم تجاه سلوكه، فإن ثقته بنفسه ومعها حزمه في الأمور، سينقصان، إذ أن كليهما، هذا وذاك يستقي تأييده من الفرص التي يسرها له استمراره السابق في المنصب، كي يؤسس لنفسه قدراً من الاحترام والنية الحسنة عند المواطنين. بعد ذلك إذن، يمكن أن يغامر بأمان، بقدر يتناسب مع الإثباتات التي قدمها على حكمته ونزاهته والقدر الذي أكسبه المنصب من احترام الزملاء المواطنين وولائهم. وكما أن فترة أربع سنوات ستسهم لصالح حزم الرئيس بدرجة كافية لأن تجعله عنصراً ثميناً في التركيبة من جانب، فإنها من الجهة الأخرى ليست فترة طويلة بما فيه الكفاية لأن تبرر أية خشية على حرية المواطنين العامة. لو أن مجلس العموم البريطاني، من بواكيره الضعيفة جداً، من مجرد صلاحية الموافقة أو الرفض عند فرض ضريبة جديدة – قد أنقص، بخطوات واسعة، حقوق التاج البريطاني وامتيازات النبلاء وجعلها ضمن الحدود التي تصورها تتفق مع مبادئ حكم حر، ومع رفع أعضائه أنفسهم إلى رتبة أن يكون مجلسهم فرعاً مساوياً من فروع التشريع، لو استطاعوا، ولمرة واحدة، أن يلغوا كلاً من الملكية والأرستقراطية وأن يقلبوا المؤسسات القديمة في الكنيسة كما في الدولة، لو تمكنوا في مناسبة قريبة العهد أن يجعلوا الملك يرتجف قبالة ابتكار جديد من عندهم حاولوه هم... ترى ما الذي كان يجوز أن يُخشى من موظف انتخابي مدته أربع سنوات وسلطاته محددة مثل سلطات رئيس الولايات المتحدة؟ ماذا، غير إمكان أن يغدو الرئيس غير كفؤ للمهمة التي يعينها له الدستور؟ أنا لن أضيف إلى ذلك أكثر من القول: لو كانت فترة الرئاسة ذات طول من شأنه أن يترك شكاً في حزم الرئيس لكان ذلك الشك غير منسجم مع التخوف من مطامعه وعدوانيته. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 510-514. 1- انظر الورقتين 48 و 49. (المراجع). العودة للصفحة الرئيسية |