الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 21 مارس، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: والعنصر الثالث في تشكيل قوة السلطة التنفيذية هو الاشتراط الصحيح لمساندتها. فمن الواضح أنه بدون اهتمام مناسب لهذه الأداة يظل فصل الدائرة التنفيذية عن الدائرة التشريعية مجرد فصل اسمي تافه. ذلك أن التشريع، بحكم سلطته التمييزية على المرتب الشهري والتعويضات المالية للرئيس يستطيع أن يجعله خاضعاً لمشيئة أعضائه بالقدر الذي يرغبون فيه. وبمقدورهم في أغلب الأحيان إما جعله أدنى قيمة بفعل تجويعه، أو إغراؤه بفعل السخاء معه لأن يُخضع حكمه لميولهم واتجاهاتهم. ولو أخذنا هذه العبارات بالمعنى الواسع لألفاظها، لحملت إلينا لا شك معنى أكثر مما قصد بها. هناك أفراد من الناس لا يتأثرون بالحط من قيمتهم ولا يقهرهم الإغراء كيما يقوموا بالتضحية بواجبهم، إلا أن هذه الفضيلة الصارمة نبات لا ينمو إلا في تربات قليلة. والأغلب أن يجد المرء أن السلطة التي تتحكم في قوت الإنسان هي سلطة تتحكم في مشيئته. ولو كان إثبات هذه الحقيقة البسيطة في حاجة إلى وقائع لما أعوزت الأمثلة أبداً، حتى في هذه البلاد، عن تخويف الرئيس عن طريق الترهيب من الترتيبات النقدية أو إغوائه عن طريق الترغيب فيها، من قبل المجلس التشريعي. وليس من السهل، إذن، أن نمتدح أكثر مما ينبغي الاهتمام القضائي الذي أولي إلى هذا الموضوع في الدستور المقترح. فهناك قد اشترط أن "رئيس الولايات المتحدة، وفي أوقات ثابتة، يتسلم لقاء خدماته تعويضاً لا تجوز زيادته ولا إنقاصه خلال الفترة التي تم انتخابه لها؛ كما أنه لن يتسلم في أثناء تلك الفترة أي تعويض مالي آخر من الولايات المتحدة أو من أية ولاية فيها". ويستحيل على المرء أن يتصور أي شرط كان سيكون أكثر قبولاً من هذا. وعلى السلطة التشريعية عند تعيين الرئيس أن تعلن مرة واحدة لا ثانية لها مبلغ التعويض عن خدماته طيلة الفترة التي تم انتخابه لها. حتى إذا ما حصل ذلك، فلن يستطيع التشريع أبداً تغييره، ولم يعد للأعضاء سلطة أن يزيدوا أو ينقصوا ذلك المبلغ، حتى تبدأ فترة جديدة من خدمته عقب انتخاب جديد. وهكذا ليس بمقدور أعضاء المجلس التشريعي لا إضعاف جرأته عن طريق الضرب على حاجاته، ولا إفساد نزاهته عن طريق مغازلة الجشع في نفسه. إذ ذاك لن يستطيع الإتحاد، ولا أي من أعضائه أن يكون حراً في أن يهب أو حراً في أن يتسلم أية تعويضات مالية أخرى أكثر من تلك التي تكون قد تقررت بموجب ما تم فعله. ويستطيع الرئيس بطبيعة الحال ألا يقبل أي إغراء نقدي للتخلي أو التنازل عن الاستقلال المرسوم له من قبل الدستور. وآخر المتطلبات للقدرة التي سبق أن عددناها هي السلطات الكافية. فدعنا نباشر البحث في السلطات التي يقترح تخويلها إلى رئيس الولايات المتحدة. إن أول ما يعرض نفسه للملاحظة هو قدرة الرئيس على الرفض المعلل للأعمال أو القرارات التي يتخذها مجلسا السلطة التشريعية؛ وبكلمات أخرى: سلطة الرئيس في إعادة جميع مسودات الاقتراحات المرفوعة إليه، مع اعتراضات منه تستطيع إيقاف تلك الاقتراحات عن أن تصبح قوانين، ما لم تتم الموافقة عليها لاحقاً من قبل ثلثي أعضاء كل من المجلسين في السلطة التشريعية. إن نزعة الدائرة التشريعية لأن تتدخل في حقوق الدوائر الأخرى وأن تمتص سلطاتها أمر قد تمت الإشارة إليه أكثر من مرة في مواطن سابقة. وإن عدم كفاية تحديد معالم حدود كل من السلطات قد تم التعليق عليه أيضاً؛ وضرورة تزويد كل منها بسلاح دستوري لحمايتها الخاصة أمر قد تم استنتاجه وإثباته أيضاً. ومن هذه المبادئ الواضحة، والتي لا خلاف عليها تتحصل صوابية الرفض وسداده، سواء المطلق منه أو المعلل، من طرف الرئيس على أعمال فرعي السلطة التشريعية. فبدون هذا أو ذاك يغدو الرئيس عاجزاً تماماً عن حماية نفسه ضد تجاوزات التشريع. بل قد يتم تجريده من سلطاته تدريجياً عن طريق اتخاذ قرارات متعاقبة، أو يتم استئصالها جميعاً بمجرد التصويت مرة واحدة، وفي كلتا الحالتين ما أسرع أن تقع السلطتان: التشريعية والتنفيذية، في اليد نفسها. وحتى لو لم تكشف تلك النزعة في المجلس التشريعي عن نفسها على الإطلاق لمهاجمة حقوق الرئيس – فإن قواعد المنطق السليم والسداد النظري هي ذاتها سوف تعلمنا أنه لا يجوز أن يترك الواحد منهما تحت رحمة الآخر، بل يتوجب أن يحوز كل منهما سلطة دستورية وفعلية لحماية نفسه. كذلك فإن للسلطة المطروحة للبحث فائدة أخرى. فهي لا تخدم بوصفها درعاً يقي السلطة التنفيذية فحسب، بل تزودها بضمان إضافي ضد إعمال قوانين غير سليمة، إنها تخلق كابحاً أدبياً على المجلس التشريعي يُقصد به أن يحمي المجتمع من آثار الانقسام والتهور، أو ظهور أي شعور غير ودي تجاه الخير العام، قد يحدث أن ينفذ تأثيره إلى أكثرية ذلك المجلس. إن صوابية وجود حق الرفض شأن قد تمت المنازعة فيه في بعض المناسبات، عن طريق التنويه إلى أنه ما كان يجب أن يُفترض أن يحوز رجل بمفرده من النزاهة والحكمة أكثر مما تحوزه جماعة، وأنه ما لم يتم الأخذ بهذه الفرضية فإن سيكون من غير المناسب أن يُمنح الرئيس أي صنف من التحكم والإشراف على المجلس التشريعي. هذه ملاحظة، لكنها عند التدقيق فيها سيظهر للمدقق أنها خادعة أكثر منها صلبة وسليمة. ذلك أن كون الشيء صائباً لا يلغي افتراض وجود حكمة أعلى أو نزاهة في الرئيس. وإنما يلغي افتراض أن التشريع لن يكون معصوماً؛ وأن حب السيطرة قد يخون نفسه أحياناً فيغدو ميلاً للعدوان على حقوق الأعضاء الآخرين في الحكم؛ وأن روحاً تدعو إلى الانقسام يجوز في بعض الأحيان أن تقلب اتجاه مداولات التشريع؛ وأن انطباعات اللحظة قد تدفعه إلى إجراءات، يدينها هو بنفسه ويرفضها حين يفكر بروية أكثر. إن الدافع الأولي لتخويل السلطة موضوع البحث إلى الرئيس هو تمكينه أن يحمي نفسه؛ أما الدافع الثانوي فهو زيادة الفرص المتاحة للمجتمع ضد إقرار قوانين سيئة، جراء التسرع، أو الإهمال، أو التخطيط المقصود. وكلما وُضع القانون مرات أكثر تحت الفحص والتدقيق زاد التباين في مواقف أولئك الذين يقومون بتدقيقه، وقل خطر الأخطاء التي تنبع من انعدام المداولات السليمة، أو الخطوات غير الصحيحة التي تنشأ من النزوع إلى عاطفة مشتركة أو مصلحة مشتركة أيضاً. ذلك أنه من قبيل الاحتمال أن تستطيع وجهات النظر التي تستحق الملامة، مهما كانت، نشر عدواها إلى جميع أقسام الحكومة في اللحظة نفسها، وبخصوص الأمر نفسه أكثر من إمكان أن تتحكم وجهات النظر هذه في كل فرد فيهم وتضلله. يجوز أن يقال إن القدرة على تحاشي إمضاء القوانين السيئة تشمل تحاشي القوانين الجيدة أيضا، وقد تستخدم لهذا الغرض أو ذاك. لكن وزن هذا الاعتراض قليل لدى أولئك الذين يستطيعون فعلاً تقدير أضرار عدم الثبات، ومساوئ التقلب في القوانين، والذي يشكل أكبر لطخة في شخصية الحكم عندنا وعبقريته. إنهم سيعتبرون كل قانون مدروس لكبح الإفراط في وضع القوانين، وإبقاء الأشياء على الحالة التي هي عليها – من شأنه أن يعود بالخير أكثر منه بالضرر؛ لأنه الأفضل لزيادة الاستقرار في نظام التشريع. إن الأذى الذي ربما يقع جراء إلحاق الهزيمة بعدد قليل من القوانين الجيدة أذىً من السهل تعويضه بسخاء بحسنة تحاشي القوانين السيئة. ليس هذا كل ما في الأمر. فالأهمية الأكبر والنفوذ الأعظم الذي يملكه المجلس التشريعي في حكومة حرة، ومخاطرة الرئيس لو حاول تجريب شد الحبل مع ذلك المجلس – يوفران ضماناً كافياً لأن يتم استخدام حق الرفض بحذر كبير؛ وأن يظل في أكثر الأحيان، متسع للاتهام بالجبن أكثر من الاتهام بالتهور في ممارسة ذلك. إن ملك بريطانيا العظمى، مع جميع حاشيته من الحقوق الملكية، ومع كل النفوذ الذي يستقيه من ألف مصدر – يتردد هذه الأيام، في استخدام حقه في رفض قرارات مشتركة أمضاها مجلسا البرلمان. ولا يتوانى عن بذل أكبر جهد يستطيعه أحد مصادر نفوذه كيما يخنق قانوناً لا يرتضيه، أثناء سير ذلك القانون قبل رفعه إلى العرش، علّه يتحاشى أن يغدو مضطراً لمواجهة إشكال أن يصبح القانون نافذاً، أو مواجهة عدم رضا الأمة جراء وقوف جلالته معارضاً لحسّ الهيئة التشريعية في البلد. وكذلك ليس من المحتمل أن يخاطر الملك آخر الأمر، فيستخدم حقه في الرفض إلا في حال صوابية الرفض الواضحة، أو عند الحاجة القصوى. إن جميع الأشخاص المطلعين في تلك المملكة يوافقون على صحة هذه الملاحظة. ولقد انقضى عهد طويل منذ تمت ممارسة هذا الحق من جانب الملك. إذا كان قاض على هذا القدر من القوة ومثلها من المنعة اللتين يتمتع بها ملك بريطانيا يتردد في ممارسة سلطته موضوع البحث، فما أعظم قدر الحذر الذي يحق للمرء أن يتوقعه من رئيس الولايات المتحدة!! فالأخير لا يرتدي غير عباءة أربع سنوات يباشر فيها سلطة الرئيس في حكومة كلها جمهورية محض! من الواضح أن الخطر من عدم استخدامه سلطته عند الضرورة، سيكون أكبر من استخدامه لها أوسع مما ينبغي، لو لمرات أكثر مما يجب. إن الجدل حول ذلك، وضد الحاجة إليها قد، نشأ من هذا المصدر ذاته. فقد صُور ذلك الحق على هذا الأساس، بصفته سلطة ممقوتة من حيث المظهر وعديمة الجدوى من حيث التطبيق. غير أنه لا يلزم من ذلك أن ندرة ممارستها تعني أنه لن يتم ذلك أبداً. ففي الحالة التي وُضعت لها أصلاً، وهي حالة وقوع هجوم مباشر على الحقوق الدستورية للرئيس، أو حالة كون الخير العام للشعب قد تمت التضحية به بوضوح وبصورة صارخة – فإن من شأن رجل لديه قدر معقول من الحزم أن يستخدم كل وسيلة دستورية لحماية نفسه، ويصغي لأوامر الواجب والمسئولية. أما في الفرضية السابقة فسوف تتضافر شجاعته مع مصلحته الفردية في استخدام سلطة المنصب الذي هو فيه؛ وفي الفرضية التي قبلها، سوف تتضافر مع احتمال الحصول على موافقة منتخبيه، الذين رغم ميلهم في العادة لأن يقفوا مع المجلس التشريعي في أية قضية مشكوك في أمرها، فإنهم لن يقبلوا أن يجرفهم التحيز في قضية شديدة الوضوح. وأنا أتكلم الآن وعيني على رئيس لا يمتلك إلا قدراً عادياً من سمة الحزم لا أكثر. هذا مع أن هناك رجالاً يظل لديهم في جميع الظروف قدراً من الشجاعة يجعلهم يقومون بواجبهم رغم أي خطر يتعرضون له. وبصرف النظر عن هذا وذاك فإن المؤتمر قد سلك في هذا الأمر طريقاً من شأنها أن تسهل ممارسة السلطة المخولة إلى الرئيس في هذه الناحية، كما تجعل فعاليتها ترتكز على الحس العام لدى قسم كبير من أعضاء المجلس المشار إليه. فبدلاً من رفض مطلق يكون من حق الرئيس، يقترح المؤتمر أن يتاح للرئيس حق الرفض المعلل الذي وصفناه من قبل.1 وهذه سلطة يمكن ممارستها بسهولة أكثر من الأخرى. فالرجل الذي قد يخشى أن يرفض قانوناً بموجب حقه الفردي في أن يرفضه – ربما لن يتردد في رده لإعادة البحث فيه، قانعاً بإمكان رفضه نهائياً إذا لم يوافق عليه أكثر من ثلث أعضاء كل من المجلسين. وسيجد نفسه شاعراً بالتشجيع حين يفكر أنه إذا قدر لمعارضته أن تنجح، فإنها ستضمن انطواءها على نسبة محترمة من أعضاء المجلس الذين سوف يتضافر نفوذهم مع نفوذه في تأييد سداد تصرفه عند الرأي العام. إن رفضاً مباشراً ومعيارياً ينطوي على مظهر أكثر قسوة وقابلية للإثارة من مجرد اقتراح بالاعتراض الخاضع للمناقشة بالموافقة عليه أو عدمها من جانب من يوجه الخطاب إليهم. وبقدر ما سيكون أقل احتمالاً في أن يسئ، يظل أكثر استعداداً لأن يمارس؛ ولهذا السبب ذاته ربما وجد في الواقع الفعلي أنه أكثر تأثيراً، بل من المتوقع أن لا يحصل كثيراً أن تسيطر وجهات النظر غير المناسبة على نسبة كبيرة مثل ثلثي مجلسي التشريع في نفس الوقت؛ وهذا بدوره يقف قبالة موقف الرئيس. وهو، بكل مقياس، أمر من قليل الاحتمال أن تصبغ آراء من ذلك القبيل قرارات وسلوك أكثرية مطلقة. إن سلطة لها هذه الطبيعة في يدي الرئيس كثيراً ما تمتلك سرياناً صامتاً لا يستشعره أحد، وإن كان يعمل بقوة في الخفاء. فحين يدرك الأشخاص المنهمكون في مساع لا مبرر لها إنهم ربما واجهوا عقبات تبرز لهم من ركن يعجزون عن التحكم في أمره – نجدهم يشعرون بالإحباط، تخوفا من معارضة الغير في فعل ما قد يندفعون إلى فعله بكل حماسة لو لم يخشوا بروز تلك العوائق في طريقهم. هذا الأمر الذي يعتبر سلبياً. كما هو ملاحظ في أي مكان آخر، معهود به في هذه الدولة إلى مجلس، يتكون من الحاكم، ومن رئيس المحكمة العليا وقضاتها، أو أي اثنين منهم. لقد تم استخدامه بحرية في مختلف المناسبات. وبنجاح كبير. وقد أصبحت فائدته جدّ ملموسة، بحيث إن الأشخاص الذين كانوا معارضين له بعنف، خلال وضع الدستور، قد أصبحوا من خلال التجربة من المعجبين الظاهرين به.2 وقد لفت النظر في موضع آخر إلى أن أعضاء المؤتمر فيما كانوا يصوغون هذا الجزء من خطتهم، قد فارقوا نمط دستور هذه الولاية، ولاية نيويورك، ومالوا إلى دستور ولاية مساشوستس. ولربما كان هنالك سببان قويان تصوروهما لتفضيل الدستور الأخير. الأول منهما أن القضاة، الذين سيكونون هم المفسّرين للقانون قد يكونون عرضة للتحيز، بحكم أنهم سبق وأعطوا رأياً في الأمر، بصفتهم مراجعين؛ والسبب الثاني هو أنهم بحكم مشاركتهم الرئيس في كثير من الأحيان، فقد يندفعون إلى الذهاب أبعد مما ينبغي في نظرتهم السياسية لصالحه، وهكذا يحصل اندماج خطير العواقب إلى حد ما، بين الدائرتين: التنفيذية والقضائية. إن من المستحيل أن يبقى القضاة مبتعدين عن كل هواية أخرى غير تفسير القوانين. ومن الخطورة بمكان أيضاً أن يوضع القضاة في موقف يغدون فيه إما قضاة فاسدين أو قضاة يتأثرون بالرئيس. ذلك شيء خطير. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 521-527. 1- انظر الورقة 69. (المراجع). 2- انظر الورقة 69. (المراجع). العودة للصفحة الرئيسية |