الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 28 مايو، 1788 إلى أهالي ولاية نيويورك: إلى جانب استمرار شغل المنصب، ليس هناك ما يسهم في استقلالية القضاة أكثر من توفير معاشهم. وهنا تصح الملاحظة التي ذكرتها فيما يتعلق بالرئيس، بالتمام والكمال. ففي مسيرة حياة الإنسان تبلغ السيطرة على قوت المرء حد السيطرة على إرادته. ونحن لا نتوقع أبداً أن يتحقق فصل كامل للسلطة القضائية عن التشريعية في أي نظام يدع القضاء يعتمد في موارده النقدية على المنح التي تقدمها له السلطة التشريعية بين حين وآخر. ولقد وجد الأصدقاء المتنورون للحكم الجيد في كل ولاية سبباً كافياً لأن يندبوا فقدان احترازات محددة وصريحة في دساتير الولايات بخصوص هذه الناحية. نعم، يُعلن بعضها أن مرتبات ثابتة يجب أن تقرّر للقضاة؛ لكن التجربة قد أثبتت في بعض الأحيان أن عبارات من هذا القبيل لا تكفي بصورة حازمة للحيلولة دون مراوغات السلطة التشريعية. وهناك شيء آخر أكثر إيجابية وصرامة قد برزت الحاجة إليه أيضاً. فقد اشترطت خطة المؤتمر بناءً عليه لصالح القضاة في الولايات المتحدة "أن يتسلموا في أوقات ثابتة لقاء خدماتهم تعويضات لا يحق انتقاصها طيلة بقائهم في الخدمة". ومن شأن هذا الشرط، إذا تم اعتبار جميع الظروف أن يكون أكثر الشروط قبولاً والذي أمكن اختراعه آنذاك. ويتبادر إلى الذهن على الفور أن التقلبات في قيمة العملة، وفي وضع المجتمع، قد جعلتا نسبة ثابتة من التعويض أمراً غير مقبول، فالذي يمكن اعتباره بذخاً في الوقت الحاضر قد يغدو دريهمات تافهة بعد نصف قرن. لذا كان من الضروري ترك ذلك إلى حسن تقدير السلطة التشريعية، فهي تغيّر النسبة انسجاماً مع تغيرات الظروف، شريطة ألا يكون من حق تلك السلطة أن تغير حالة الواحد منهم إلى الأسوأ. وهكذا يمكن للقاضي أن يطمئن إلى ثبات الأرضية التي يقف عليها، فلا يحول دون قيامه بواجبه خوفه من أن يوضع في موقف أدنى. والعبارة التي تم اقتباسها تجمع كلا الحسنتين: إذ يجوز تغيير رواتب الوظائف القضائية من وقت لآخر كلما تستدعي الظروف، لكنه لا يجوز أبداً خفض العلاوة التي يتم تعيين أي قاضي على أساسها، بالنسبة إليه. وهنا يحسن أن يلاحظ المرء أن تفريقاً قد راعاه المؤتمر بين مكافأة الرئيس وتعويضات القضاة. فمكافأة الرئيس ثابتة لا يمكن زيادتها ولا إنقاصها، أما تعويضات القضاة فلا يمكن إنقاصها فقط. ولربما نشأ هذا بفعل الفارق في فترة الخدمة في المنصبين على الترتيب. فلما كان يتم انتخاب الرئيس لفترة لا تتعدى أربع سنوات فبالكاد يحصل أن راتباً مناسباً تم تحديده مع بداية تلك الفترة لن يظل كافياً حتى نهايتها. أما بخصوص القضاة، والذين إذا ظل سلوك الواحد منهم جيداً ثبتت له وظيفته مدى الحياة، فمن الجائز تماماً أن يحصل، وبخاصة في المراحل المبكرة من الحكومة، أن مرتباً كان كافياً تماماً عند التعيين القديم للقاضي سيغدو أقل مما ينبغي مع التقدم في الخدمة. إن هذا الشرط لإعالة القضاة يحمل كل أمارات الحكمة والفعالية؛ بل ويمكن التأكيد باطمئنان إلى أنه: هو والاستمرار في الخدمة، يقدمان موقعاً أفضل لاستقلال القضاة مما يمكن العثور عليه في دساتير أي من الولايات بخصوص القضاة فيها. إن الاحتياطات المتخذة لضمان مسئولية القضاة يشملها البند المتعلق بالعقوبات، فالقضاة عرضة لإنزال العقوبة بهم على سوء السلوك من قبل مجلس الممثلين، وتتم محاكمتهم لدى مجلس الشيوخ؛ فإذا تمت إدانتهم طردوا من الوظيفة وفقدوا الأهلية لأن يتسلموا أية وظيفة أخرى. هذا هو الشرط الوحيد بخصوص هذه النقطة الذي يتفق مع ضرورة استقلال شخصية القاضي، وهو الشرط الوحيد الذي نجده في دستورنا بخصوص قضاتنا. ولقد كان عدم وجود شرط لطرد القضاة، جراء عدم الكفاءة، موضع تذمر وشكوى. لكن جميع ذوي المكانة والاعتبار يُدركون أن شرطاً مثل هذا إما ألا يطبق أصلاً أو يكون عرضة لإساءة الاستخدام أكثر مما يقدر له أن يلبّي أي غرض جيد. ذلك أن قياس القدرات العقلية كما اعتقد ليس له موضع في فهرست العلوم المعروفة، فمحاولة وضع حد بين مناطق القدرة وعدم القدرة كثيراً ما تفسح مجالاً للارتباطات الشخصية، والحزبية، وللعداوات، أكثر من أن تزيد في الاهتمام بالعدالة أو المصلحة العامة وستكون النتيجة مجرد اعتباط في أكثر الأحيان. إلا في حالة الجنون. والجنون، بدون أي إثبات رسمي عليه، أو نص صريح – يجوز أخذه باطمئنان بمعنى عدم الأهلية الحقيقية. وكيما يتجنب دستور ولاية نيويورك، القيام بأبحاث تظل إلى الأبد غامضة خطيرة – عمد إلى اتخاذ عمر محدد بصفته معياراً للعجز عن العمل. فلا أحد يستطيع أن يكون قاضياً بعد أن يتجاوز الـ 60 عاماً. وأنا أعتقد أن هنالك عدداً محدوداً من الناس في الوقت الحاضر لا يوافقون على هذا الشرط. وليس هنالك موقع يغدو فيه هذا المعيار صالحاً للتطبيق أكثر من موقع القاضي. نعم إن القدرة على التأمل وعقد المقارنات تحتفظ بقوتها بصورة عامة إلى ما بعد تلك السن بكثير، عند من يتخطونها، لكننا حين نعتبر إلى جانب هذا أن نفراً لا أكثر من الأفراد يتخطون موسم النشاط الفكري، وأن من غير المحتمل أن أي مجموعة من أفراد تلك الفئة، كثر عددهم أو قل، سيكونون في موضع مثل هذا في ذلك الوقت – فإنه يسّرنا أن نستنتج أن قيوداً من هذا النوع ليس فيها إلا القليل مما نمتدحه ونزكيه. ففي جمهورية ليست الثروات فيها وفيرة، ولا مردود التقاعد مناسباً يكون طرد الأشخاص من مراكز خدموا فيها وطنهم خدمة نافعة، وظلوا لفترة طويلة، يعتمدون على مهنتهم لكسب قوتهم حتى بات متأخراً جداً لهم أن يتحولوا إلى أية مهنة أخرى لكسب العيش لا بد أن يقدّم فيه عذر أفضل تجاه الإنسانية مما قد يوجد في الخطر الوهمي من فئة قضاة تقدم بهم العمر. بوبليوس _______________________ - الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 559-561. العودة للصفحة الرئيسية |